رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مفتي الجمهورية السابق يتحدث عن الحياء

علي جمعة : الحياء مهم في بناء الإنسان والإسلام حث عليه بإعتباره خلقاً محموداً

على جمعة
على جمعة

قال الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية السابق وشيخ الطريقة الصديقية، إن الإسلام حث  على الحياء باعتباره خلقاً محموداً على مستوى الفرد والمجتمع حتى شاع الذم بعبارة (قليل الحيا) في الإستعمال اليومي، مع حذف همزة الحياء، لأن العرب تقصر كل ممدود ولا تمد بالضرورة كل مقصور، ومما يدل على أن هذا المعنى ثقافة عامة عبر العصور قول النبي ﷺ: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت» (البخاري)، وكان الحياء ينشئ ثقافة سائدة تمنع من الإنحراف وتضبط إيقاع العمل على المستوى الشخصي والمستوى الجماعي، وانعدام الحياء يوصلنا إلى فقد المعيار الذي به التقويم والذي به القبول والرد والذي به التحسين والتقبيح، وفقد المعيار هذا يؤدي -أيضا- إلى ما يشبه الفوضى، وهي الحالة التي إذا استمرت لا يصل الإنسان إلى غايته، ويضيع الاجتماع البشري وتسقط الحضارات في نهاية المطاف حيث لا ضابط ولا رابط، ولذلك كان الحياء من الأعمدة المهمة في بناء إنسان الحضارة.


وتابع "جمعة"عبر صفحته الرسمية قائلا :الحياء المذكور في القرآن جاء على ثلاثة أنحاء : الأول : ما أسند إلى الله تعالى، حيث  قال سبحانه: (إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا) وذلك أن هذا ليس بحال الحياء، لأنه مجال تعليم، والحياء إنما هو خلق يمنع صاحبه من السوء وإظهار المعصية وحب إشاعة الفحشاء، ولا علاقة له بالخجل من السؤال في العلم وطلب التعلم، لأن العلم وطلبه من الحق. قال تعالى: (وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ)،والثاني: حياء منسوب إلى النبي ﷺ ومنه قوله تعالى: (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فيستحيى منكم) وهو حياء من كمال خُلقه ورحمته بأتباعه، حيث يقول لهم: «أنا لكم بمنزلة الوالد» (أبو داوود وابن أبي شيبة).


وأستطرد: الثالث: جاء منسوباً إلى النساء العفيفات اللائي تربين في بيوت النبوة، وذلك في قوله تعالى: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى اسْتِحْيَاءٍ)، والحياء في خصال البشر نوعان: نوع مكتسب، ونوع غريزي، وقد جمع النبي ﷺ بينهما في أخلاقه وسلوكه، قال القرطبي: «وكان النبي ﷺ قد جُمِع له النوعان من الحياء المكتسب والغريزي، وكان في الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان في المكتسب في الذروة العليا ﷺ» (المفهم شرح مسلم). ولذا فقد وصفه أصحابه رضوان الله عليهم فقالوا: «كان النبي ﷺ، أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه» (متفق عليه)، وقد حث النبي ﷺ على الحياء ورغَّب فيه، وحفز المؤمنين على التخلق به، فالحياء من الأخلاق التي تميز الإسلام وأهله، ولذا يقول عنه النبي ﷺ: «إن لكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء» (ابن ماجه، والطبراني في الكبير)، ويعلمنا النبي ﷺ كيف نطبق خلق الحياء مع الله سبحانه وتعالى، فيقول: «استحيوا من الله حق الحياء. قال: قلنا: إنا نستحيي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتتذكر الموت والبِلَى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء» (رواه الترمذي).


وتابع قائلا :الحياء كله خير، ولا يأتي إلا بالخير، والذي أخبر بذلك هو الصادق المصدوق ﷺ حيث قال: «الحياء لا يأتي إلا بخير» (متفق عليه). وفي الحديث: «الحياء خير كله ولا يأتي إلا بخير» (مسلم).
كل هذه الأحاديث تؤكد قيمة الحياء العظيمة في الإسلام، وأن الحياء هو خلق الإسلام حقا، لأنه باعث على أفعال الخير ومانع من المعاصي، ويحول بين المرء والقبائح، ويمنعه مما يعاب به ويذم، فإذا كان هذا أثره فلا شك أنه خلق محمود، لا ينتج إلا خيرا، وقد قال العلماء: الحياء من الحياة، وعلى حسب حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء، وقلة الحياء من موت القلب والروح.
وإذا كان الحياء العرفي يمنع صاحبه من التعلم فهو حياء مذموم ولا يكون هو المطلوب من المسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين» (مسلم). وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: «جاءت أم سليم إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله ﷺ: نعم، إذا رأت الماء» (البخاري)، وما أحوجنا في هذا العصر أن نتعلق ونتخلق بصفات الله سبحانه وتعالى، ونتحلى بأخلاق سيدنا رسول الله ﷺ في الحياء، حتى ندعو إلى هذا الدين بالخلق الحسن، فيدخل الناس في دين الله أفواجا كما حدث من قبل، نسأل الله أن يرزقنا وجميع المسلمين الحياء، ويجمعنا على الهداية والطاعة.