رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فجرتها قطة المهرجان..

«بأي ذنب قتلوا».. انتفاضة ضد تعذيب البشر للحيوانات وتسميمها

قطة المهرجان
قطة المهرجان

قطة وثلاثة من صغارها وعلبة تونة مسممة هي آخر غذاء لهم داخل دار الأوبرا كانت واقعة كفيلة بأن تثير غضب الرأي العام، ضد ما وقع في حق تلك الكائنات البريئة داخل هذا الصرح الثقافي الكبير.

جاء ذلك بعد أن عُثر على قطة المهرجانات وصغارها داخل دار الأوبرا وقد دس أحدهم السم للتخلص منهما بحجة إزعاج العاملين، ليغضب على إثر تلك الجريمة رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ويصبح تسميم القطة وصغارها "تريند"، ويتسبب في قرار من وزيرة الثقافة المصرية بإحالة مسؤولين في دار الأوبرا للتحقيق، وإجراء تحقيق كامل عاجل بالواقعة.
 
ولعل الواقع وما يحدث للكثير من الحيوانات يثبت أن الجريمة التي وقعت في حق القطة وصغارها ليس بالأمر الغريب، بل أنها واحدة من الجرائم التي تحدث يومياً في حق تلك الكائنات البريئة.  

في هذه السطور نفتح ملف التعذيب والجرائم التي تحدث في حق الحيوانات على يد البشر، في غياب أدنى درجات والرحمة والإنسانية، ونكشف عن عقوبة هذه الجرائم الدينية والمجتمعية والقانونية.

مُدافعة عن حقوق الحيوان: الفراعنة أول من اهتم بالدفاع عن الحيوان

منى ذو الفقار، المُدافعة عن حقوق الحيوان قالت لـ"الدستور"، إن هذه الواقعة التي وصفتها بالجريمة، تعد أمرًا مخزياً يدل على الحال الذي وصل إليه المجتمع من تفشي العنف فيه، موضحة أن تسميم الحيوانات هو أمر ترفضه جميع العقائد الدينية، والشرائع السماوية وغير السماوية أيضاً، لافتة إلى أن مصر هي أولى الدول في العالم اهتماماً بالحيوانات فقد اهتم الفراعنة القدامى بالحيوانات وقدسوا بعضها، وجرموا أي أذية تقع عليها، وذكرت هنا الذئب الذي قدسه المصريين القدامى واطلقوا عليه الإله "أنوبيس".

وتابعت منى أنه قد فرض الفراعنة القدامى عقوبة على الشخص الذي  يتعرض بالأذى لأي حيوان أن يحلق شعر رأسه بالكامل، وأن يجلد عقوبة على تلك الفعلة الشنعاء التي ارتكبها.

وتساءلت الناشطة كيف لبلد مثل مصر قدست حقوق الحيوان قبل أن تقدسه أي بلد في العالم أن يصل بها الوضع لكم العنف الممارس من قبل بعض أهلها على تلك الحيوانات الضعيفة؟ وما تعجبت منه منى وأظهرت استنكارها كذلك أن هذه الجريمة التي وقعت في حق تلك القطط الضعيفة إنما تمت في واحدة من أكبر وأعرق المؤسسات الثقافية، وهي دار الأوبرا المصرية، وهو ما يدل على مدى الخزي والعار أن تتم جريمة مثل تلك في هذا الصرح الثقافي الكبير.

وأضافت ذو الفقار أنه في أكثر دول العالم تحضراً مثل إنجلترا وأمريكا وغيرها من البلدان الأوروبية، فنحن نرى مشاهد دخول بعض القطط فجأة أثناء احتفالات هامة، ولا يتعرض أحد لها بالإيذاء على الإطلاق بل أحياناً ما يقف كبار المسئولين لتمريرها أو أحياناً أخرى لالتقاط بعض الصور المبهجة معها، موضحة أن هذا الأمر هو الذي كان يحدث مع قطة المهرجان قبل تسميمها، وتساءلت ما هو إذن الضرر الذي فعلته تلك القطة الضعيفة، والذي جعلها تستحق هذا القتل على يد عمال دار الأوبرا؟

إلا أنه وبعد تصريحات منى الغاضبة من تلك الفعلة تابعت أنه برغم كل ذلك هناك في هذه الواقعة أمراً إيجابياً وحيداً، وهو تلك اليقظة المفاجئة لضمير المجتمع نحو التقصير الكبير في حق الحيوانات، إذ أنها وصفت الإجراءات السريعة التي اتخذت من أجل التحقيق في هذه الواقعة خير دليل على ذلك، وأشارت إلى أن هذا الوضع السيء الذي وصلت إليه الحيوانات في تعامل البشر معها قد يتحسن إذا حدث طفرة فيه بكل المجالات عن طريق إدخال بعض التعديلات على المناهج التعليمية للأطفال منذ الصغر من شأنها التوعية بأهمية الرفق بالحيوان واحترام حقوقه، بالاضافة إلى استخدام الإعلام في التوعية المستمرة بحقوق الحيوان، وقيمة الرحمة به، وكذلك استخدام التوعية الدينية سواء عن طريق الخطب الدينية للمشايخ والدروس للقساوسة حول أهمية الرفق بالحيوان والعقوبة الإلهية للتعدي عليه.

وأخيراً صرحت المدافعة عن حقوق الحيوان أن هذا العنف الذي نجده يُرتكب في حق الحيوانات، إنما هو نتاجاً للعنف الموجود فيما بيننا مشيرة إلى أن من يستخدم القسوة مع الحيوان،ف من المؤكد أنه قاس كذلك مع البشر.


نقيب البيطريين الأسبق: التسميم قد يصيب خطأ وينتج كارثة


الدكتور آمين طه نقيب البيطريين الأسبق أوضح لـ"الدستور"، أن قتل الحيوانات بهذه الطريقة يعد تصرفاً غير آدمياً ويتنافى مع أبسط مفاهيم الإنسانية، موضحاً أن هناك طرقاً كثيرة من خلالها يمكن التخلص من ضرر بعض الحيوانات بطريقة آدمية، وبالتالي التخلص من إزعاجها إذا كانت حقاً تتسبب في الإزعاج، يأتي بين هذه الطرق حقنها من أجل تعقيمها لكي لا تنجب، وبالتالي يكون تم التحكم في تناسلها بصورة لا تأذيها، موضحاً أن التسميم بالإضافة إلى أنه يميت تلك الحيوانات البريئة، فهو من الوارد أيضاً أن يتسبب في أن يزهق أرواحاً بريئة من البشر، وذلك بأن يترك جزء من هذا الطعام الذي دس فيه السم، فيلتقطه عن طريق الخطأ أحد الأفراد أو الأطفال بشكل أو بآخر مما يؤدي إلى تلقيه نفس مصير القطط، لذا أوضح أن التسميم والتعذيب للحيوانات أمراً مرفوضاً على الإطلاق، متابعاً أنه كان من الأحرى أن يلجأ عمال دار الأوبرا إلى عدة جهات للتخلص من تلك القطط، طالما تسببت في إزعاجهم حسبما قالوا، مثل وزارة البيئة أو الطب البيطري أو حتى وزارة الداخلية، وذلك بدلاً من الوقوع في تلك الجريمة التي قاموا بها بتسميمهم هذه القطط.

ولفت طه كذلك إلى أن جمعيات الرفق بالحيوان قديماً كان لها شأن خاص، وأهمية كبيرة يحترمها كبار مسؤولي الدولة حيث كان يترأسها أحياناً مدراء الأمن شخصياً،  وقد وضع الإعلان العالمي لحقوق الحيوان في مصر عام 1970، لذا طالب طه بضرورة رجوع جمعيات الرفق بالحيوان إلى أهميتها كسابق عهدها.

أحد علماء الأزهر: الإسلام حرم قتل الحيوانات إلا أن هددت المجتمع

ومن الجانب الديني، فقد أكد الدكتور ربيع شحاتة  أحد علماء الأزهر وإمام مسجد الرحمة بمدينة طنطا وأحد أئمة الأزهر، أن الدين الإسلامي حرم قتل الحيوانات إلا إذا ترتب عن وجودها ضرر لا يمكن إزالته إلا بقتلها، مثل أن تهدِّد أمن المجتمع وسلامة المواطنين، وعلى الرغم من ذلك حث على الإحسان في قتلها، فلا تُقتَل بطريقة فيها تعذيب لها، ومع الأخذ في الاعتبار أن الأَولى هو اللجوء إلى جمعها في أماكن مخصصة استنقاذًا لها مِن عذاب الجوع حتى تستريح بالموت أو الاقتناء، وتابع أنه في حال ثبوت وجود ضرر من وجودها، فينبغي على صاحب الشكوى إبلاغ الجهات المختصة للتعامل مع هذه الحيوانات بالطريقة التي يرونها.

وفي الوقت ذاته لفت ربيع إلى أهمية وجود الحيوان في الحياة ودوره في حماية الانسان، إذ نصّ القرآنُ الكريم على تكريم الحيوان، وبيان مكانته ونفعه للإنسان، فقد قال تعالى:{وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ* وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.


مصر أصدرت أول قوانين عقوبات التعدي على الحيوان

والجدير بالذكر أن مصر قد جرمت تعذيب الحيوانات بقوانين منذ القدم، حسبما كشف خبراء وناشطون فى مجال رعاية وحقوق الحيوان الذين أوضحوا أن مصر شهدت أول قانون فى العالم لتنظيم التعامل مع الحيوانات وتجريم تعذيبها أو التعامل القاسى معها، وكان ذلك عام 1902، مشيرين إلى أن هذا القانون لم يتم إلغاؤه ولا يزال سارياً حتى الآن من الناحية النظرية.

حيث صدر القانون فى عهد الخديو عباس حلمى، وذكر خبراء رعاية الحيوان أن القانون كتب بالفرنسية كعادة القوانين آنذاك، ويعتبر من الناحية النظرية والقانونية سارياً إلى اليوم ولم يوقف العمل به، حيث إنه لم يصدر أى قانون لاحق يشير إلى أنه تم إلغاؤه.

وقد نص هذا القانون على «المعاقبة بالحبس مدة لا تزيد على 7 أيام أو بغرامة واحد جنيه مصرى على أى شخص يقوم بعمل واحد أو أكثر من الممارسات التالية: الأحمال الزائدة للحيوانات المعدة للركوب والجر بأحمال تزيد على قدرتها، واستخدام الحيوانات المريضة أو المجروحة فى العمل، والتعذيب أو سجن الحيوانات فضلاً عن التغذية أو المشرب أو التهوية غير السليمة، والتعامل بالضرب مع الحيوانات الأليفة أو المستأنسة، واستخدام الحيوانات فى المشاجرات فيما بينهم، والتعذيب للحيوانات البرية وغير مستأنسة والأسيرة منها».

وتلا هذا القانون، قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966، وتحديداً فصله الثالث الذى ينص على «حماية الطيور النافعة للزراعة والحيوانات البرية وعدم استعمال القسوة مع الحيوانات»، وقد حددت المادتان (117 و118) منه «حظر صيد الطيور النافعة للزراعة والحيوانات البرية أو قتلها أو الإمساك بأى طريقة، كما يحظر حيازتها أو نقلها أو التجول بها أو بيعها أو عرضها للبيع حية أو ميتة كما يحظر إتلاف أوكار الطيور».

كما نصت المادة 119 من القانون السالف، على حظر استعمال القسوة مع الحيوانات وقد صدر بناء على هذه المادة قرار رقم 27 لسنة 1967 يحدد الحالات التى يسرى عليها هذا الحظر، وتشمل: إجهاد الحيوان المعد للركوب أو الحمل أو الجر بالأحمال الزائدة عن حد طاقته أو استخدام الحيوانات المصابة بمرض أو جرح أو عاهة تجعلها غير قادرة على العمل بحالة طبيعية، وحبس أو تقييد الحيوان أو تعذيبه بغير موجب أو الإهمال فى تقديم ما يلزمه من غذاء أو ماء أو هواء، واستخدام الحيوان فى أعمال المناطحة أو المناقرة أو المصارعة، وربط الحيوان بقصد جعله هدفاً للتصويب عليه.

وتشمل حالات الحظر كذلك إجبار الحيوان على أداء حركات خاصة والاستعانة فى ذلك بإرهابه أو تعذيبه لأداء هذه الحركات، وإرغام الحيوان على أكل أو شرب مقادير فوق طاقته بقصد زيادة وزنه، واستخدام الحيوان فى غير العمل المألوف له مما يتسبب عنه إفزاعه أو تعذيبه كاستخدام الخيول فى عجن الطين، واستخدام القسوة فى إعداد الحيوانات للذبح فى المجازر كالضرب على الرأس أو قطع العراقيب أو فقء العين.

بالإضافة إلى ذلك  فقد عاقبت المادة 357 من قانون العقوبات، كل من يقتل عمداً بدون مقتضى أو يسمم حيواناً مستأنساً، بالحبس مدة لا تزيد عن 6 أشهر أو بغرامة لا تزيد عن 200 جنيه.

وقائع عنف ضد الحيوانات لاقت تحرك جماهيري ورسمي سريع

وفي وسط وقائع التعدي على حقوق الحيوان التي انتشرت في الفترة الأخيرة، نكشف صحوة المجتمع الحالية نحو البدء في إرجاع ولو جزء من الحقوق لهذه الكائنات الضعيفة التي تهدر يومياً، والتي لاقت في الوقت نفسه دعماً من الجهات الرسمية من خلال تحركاتها السريعة لإنقاذ هذه الحيوانات ممن يسموا بشراً.

فقد تلقى قسم شرطة الهرم منذ عدة أشهر، بلاغًا من إحدى جميعات رعاية الحيوانات، يتهم بها «عامل» بمنطقة المريوطية بقتل «كلبة» بالاعتداء عليها بآلة حادة، وأرجع القاتل سبب قتله للكلبة أنها شربت من ماء «جردل» خاص بـ«الجراج» الذي يعمل فيه.

حيث رصد مقطع الفيديو تربص المتهم لـ«الكلبة» وضربها على رأسها حتى لفظت أنفاسها، وعلى إثر ذلك تم القبض الفوري على العامل بهذه التهمة.