رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانفتاح المصرى السعودى

الاستثمار العربى، وتحديدًا «الخليجى»، فى أمن واستقرار مصر كان دائمًا استثمارًا فى أمن واستقرار الدول العربية بأكملها؛ فقوة مصر وتقدمها ونهضتها قيمة إضافية للدول العربية، فالقاهرة هى حائط الصد الأول للدفاع عن المصالح العربية.. ولعل ما شهده الإقليم فى العقد الأخير من محاولة قوى دولية وإقليمية إخضاع عدد من الدول، على رأسها مصر، لمشروع الإسلام السياسى وأيديولوجيا التطرف كان مجرد البداية لتهديد باقى المجتمعات فى شبه الجزيرة العربية بنسف فكرة الدولة الوطنية، والنموذج السورى والعراقى واليمنى والليبى شاهد على ذلك.

بلا شك أن أحد أهم عوامل الاستقرار الإقليمى وتفعيل العمل العربى المشترك هو العلاقات «المصرية السعودية»، التى تشهد حاليًا مرحلة «انفتاح جديد» وتعاون على جميع المستويات والأصعدة، فالسعودية تأتى فى المرتبة الثانية فى حجم استثمارات داخل مصر بقيمة تصل لـ٦٠ مليار دولار، وفى المرتبة الأولى من حيث حجم الجالية المصرية على أراضيها الذى يصل إلى ٢.٩ مليون مصرى، وفقًا للهيئة العامة للإحصاء فى السعودية، يعملون فى مختلف القطاعات الاقتصادية والإنتاجية بالمملكة، ويسهمون بشكل رئيس فى التنمية الاقتصادية التى تشهدها مصر حاليًا عبر تحويلاتهم المالية.

خلال الأسبوعين الماضيين شهدنا نشاطًا رسميًا سعوديًا واسعًا فى مصر، من لقاء استثنائى جمع الرئيس السيسى بولى العهد السعودى الأمير «محمد بن سلمان» فى شرم الشيخ، بتاريخ ١١ يونيو، تم التأكيد فيه من القيادة المصرية على توافق الرؤى حول القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، أعقب ذلك زيارة لعدة أيام قام بها وزير التجارة والإعلام السعودى «ماجد القصبى» للقاهرة، كانت مزدحمة باللقاءات والنقاشات على المستويين الرسمى والمجتمعى، وشملت حضور القصبى رفقة وفد من رجال أعمال سعوديين اجتماع مجلس الأعمال المصرى السعودى المشترك، الذى تزامن مع أعمال الدورة الـ١٧ من اللجنة المصرية السعودية المشتركة، وعكست نتائج هذا الاجتماع حجم التعاون الاقتصادى الحالى والمأمول على مستوى تنشيط وتدفق التجارة والاستثمار بين البلدين.. وركز نشاط القصبى فى القاهرة أيضًا على لقاءات مع رئيس المجلس الأعلى للإعلام كرم جبر، ورؤساء تحرير الصحف المصرية، تم النقاش والاتفاق خلالها على أهمية توسيع التعاون الإعلامى والثقافى بين مصر والسعودية، فمخزون مصر البشرى من قواها الناعمة فى الإعلام والثقافة والفنون لا يزال يشكل عامل جذب وتأثير كبيرًا فى الوعى الجمعى العربى من المحيط إلى الخليج.

ما يجمع القاهرة والرياض الكثير، وهما ميزان قوة فى الشرق الأوسط، وفى رأيى أن أى محاولات للوقيعة بينهما ستبوء بالفشل؛ فالدولتان الكبيرتان تعيان استراتيجية العلاقة والتعاون بينهما لتحقيق الأمن الإقليمى والمصالح المشتركة، فأمن واستقرار المملكة، كما أشار الرئيس السيسى فى أكثر من محفل ولقاء، هو من أمن واستقرار مصر وجزء من أمن مصر القومى، والعكس صحيح. 

ما قدمته الرياض للقاهرة عقب ثورة المصريين فى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ من دعم سياسى ومادى لا يمكن إنكاره، فلن ينسى المصريون الموقف البطولى للعاهل السعودى الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ووزير الخارجية الأمير الراحل سعود الفيصل، والذى لولاه لكانت مصر أمام موقف صعب مع القوى الدولية الكبرى التى كانت تخطط بالفعل لمعاقبة مصر بإجراءات اقتصادية جراء الإطاحة بنظام الإخوان، وقتها تحول الأمير الراحل سعود الفيصل، بإيعاز من الملك عبدالله بن العزيز، كمدافع عروبى صلب مؤمن بأن وجود العرب مرتبط بوجود مصر، فخرجت كلماته وقتها كالصاعقة على رءوس من كانوا يهددون بمعاقبة القاهرة، فقال: «من أعلن وقف مساعدته لمصر أو يلوّح بوقفها فإن الأمة العربية والإسلامية غنية بأبنائها وإمكاناتها ولن تتأخر عن تقديم يد العون لمصر».

مساحات التعاون والتنسيق المصرى السعودى إقليميًا واسعة للغاية، لوقف التدخلات الخارجية فى المنطقة العربية، وتفعيل قدرات «الجامعة العربية» لتكون على مستوى تطلعات وآمال الشعوب فى ظل التحديات والمخاطر الراهنة التى تهدد مصالحنا العربية من المحيط إلى الخليج، واعتقادى أن القاهرة والرياض بما تمتلكانه من نفوذ سياسى ودبلوماسى واقتصادى قادرتان على تحقيق هذا الهدف، وقادرتان على إعادة الحيوية والتأثير للعمل العربى المشترك، وبناء استراتيجيات موحدة تمنع نفاذ قوى إقليمية معادية للمجال الحيوى فى دول المشرق العربى بالإضافة إلى ليبيا والسودان.