رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطريق إلى 30 يونيو «5».. خطة الإخوان للصعود نحو الهاوية

الإعلان الدستورى فى نوفمبر ٢٠١٢ كان بداية النهاية ونهاية البداية للإخوان

الجماعة كان ينطبق عليها المثل «غشيم ومتعافى» الذى يصف من لا يُقدِّر حجم قوته ولا قوة خصمه ويريد فرض إرادته بالقوة التى لا يملكها 

الإخوان تخيلوا أن عدة آلاف زائدة من الأصوات لمرشحهم تكفل لهم أخونة مؤسسات الدولة المصرية والتحكم فيها 

الديمقراطية التعددية تقوم على تغيير الحكومات وبقاء مؤسسات الدولة على طبيعتها.. لكن الإخوان عكسوا الآية وأرادوا تغيير طبيعة مؤسسات الدولة الوطنية

المرشد العام للجماعة كان يسىء للقوات المسلحة ويخرج محمد مرسى بتصريحات لزجة يقول فيها إن الجيش والشرطة «زى الدهب» 

 

إذا كنت تريد أن تفهم لماذا فشل الإخوان فى الحكم، فعليك أن تعرف المثل الشعبى الذى يصف شخصًا ما بأنه «غشيم ومتعافى»، إنه مثل يُضرب لوصف شخص غر.. ساذج.. لا يفهم الواقع، ولا موازين القوة فيه، ولا يعرف من السياسة سوى بعض المقولات اللزجة.. ويظن نفسه قويًا وهو ليس كذلك.. إنه «غشيم» بمعنى أنه لا يعرف حقيقة نفسه.. ولا من حوله، ولا حقيقة قوتهم.. ومع ذلك هو «متعافى»، بمعنى أنه يظن نفسه قويًا وهو ليس كذلك.. إن هذا «الغشيم» عادة ما يكون نصيبه علقة ساخنة لأنه يستفز الأقوى منه بادعائه قوة ليست فيه، ولن تكون فيه، لقد قاد وَهْم القوة هذا الإخوان إلى هلاكهم.. فهم رفضوا صيغة المشاركة التى أعلنوها فى البداية، وبدأوا فى ممارسة المنظرة السياسية فى مجلس الشعب، ثم قرروا الترشح للرئاسة، بعد أن كانوا يتحدثون عن رئيس توافقى يوافق عليه الجميع، وعندما نجح مرشحهم بفارق ضئيل للغاية، لأسباب مركبة ومعقدة لا مجال للخوض فيها الآن.. ظنوا أن هذا معناه أن يركبوا رقاب المصريين، وأن يستولوا على مقدرات الشعب المصرى.. وكان الخطأ التراجيدى الذى قاد الجماعة إلى حتفها هو إقدام محمد مرسى على إصدار إعلان دستورى جديد يختص نفسه فيه بصلاحيات وصفت بأنها «إلهية»، وبأنها لم تجتمع لحاكم مصرى منذ عهد مينا موحد القطرين.. فهو يمنح نفسه سلطة التشريع.. ويمنح قراراته حصانة من أحكام القضاء، ويحصن الجمعية الدستورية وكل الأشكال التى يتوقع أن يسيطر عليها الإخوان من أحكام القضاء المصرى.. وقد سبق إصدار الإعلان مشاورات نصحه فيها بعض المقربين منه بعدم إصدار الإعلان، وكان منهم المستشار محمود مكى الذى عينه نائبًا له.. وهو قاضٍ قريب من الجماعة.. لكنه ليس عضوًا فيها.. ولكن مرسى استجاب فى النهاية لقرار مكتب الإرشاد الذى لم يكن مرسى سوى تابع له ومؤتمر بأمره.. كان هذا هو الخطأ التراجيدى الذى ارتكبه محمد مرسى، وهو خطأ يرتكبه بطل المسرحية ويدرك أن فيه نهايته.. لكنه لا يملك سوى الاستمرار فى دوره حتى يحين أوان النهاية.. كان كل شىء يوحى بأن الإخوان هُم ذلك «الغشيم.. المتعافى» حيث استفز الإعلان مصر كلها.. المعارضة والعاديين من الناس.. والأهم مؤسسات الدولة المصرية.. القضاء.. والشرطة وقبل كل ذلك القوات المسلحة المصرية.. لقد كان الإعلان محاولة للاستيلاء على مصر.. وكان الشرارة التى أشعلت حريق الغضب ضد الإخوان.. فى الواجهة كان هناك الغضب الشعبى.. وفى الخلفية كان غضب «مجموعة النسور»، أو القلب الصلب للدولة المصرية.. وما أتخيله أنهم لم يقرروا التحرك ضد الإخوان إلا بعد أن تأكدوا من مخططهم للأخونة والسيطرة، وأن هناك خطرًا كبيرًا يتهدد الدولة المصرية فى حالة بقائهم.

ضد الديمقراطية 

استمر الإخوان فى التعامل مع كل مؤسسات الدولة المصرية بعداء، واستمروا فى اتهامها بالتآمر.. وكان هدفهم أن يُغير الآلاف من كوادر الدولة المصرية ذوو المستوى الرفيع أفكارهم وعقولهم فجأة، وأن يستبدلوها بعقول إخوانية.. لمجرد أن مرشح الجماعة حصل على نسبة ٢٪ أكثر من عدد الأصوات.. كان ذلك قمة فى السذاجة السياسية، وعدم الدراية بالواقع.. والأهم أخونة مؤسسات الدولة.. فالديمقراطية التعددية تقوم على تغيير الحكومات وبقاء مؤسسات الدولة على حالها.. الصندوق قد يأتى بحكومة يمينية، وبعدها حكومة من الوسط.. وربما تأتى بعدها حكومة من اليسار.. هذه الحكومات تغير السياسات لكنها لا تغير طبيعة مؤسسات الدولة الوطنية.. لكن الإخوان فعلوا العكس.. فهم لم يغيروا السياسات المتبعة منذ عهد الحزب الوطنى.. حتى فى مجال السياحة وتراخيص الملاهى والخمور.. إلخ.. وكان هذا متفقًا عليه بالطبع مع إدارة الديمقراطيين.. الراعى الرسمى للإخوان.. وفى الوقت الذى حافظوا فيه على السياسات انخرطوا فى تغيير المؤسسات.. ومحاولة زرع عناصر إخوانية داخلها، واستبعاد من لا يدينون بالولاء للإخوان.. وهكذا أدى الإعلان الدستورى فى نوفمبر ٢٠١٢ إلى بداية النهاية للإخوان.. وظهر الوجه الحقيقى للجماعة.. وبدلًا من التحالف مع ذوى الياقات البيضاء فى فيرمونت، كشفت الجماعة عن تحالفها الحقيقى مع حثالة الإسلاميين، سواء من العناصر التكفيرية فى الجماعة الإسلامية والجهاد.. أو بعض المختلين نفسيًا وصغار السن من أتباع حازم صلاح أبوإسماعيل وسلفية القاهرة.. والجبهة السلفية.. إلخ.. وكانت الخطوة الثانية فى طريق الجماعة نحو قبرها هو أحداث الاتحادية.. حيث إن لكل فعل رد فعل.. وقد كان رد الفعل على الإعلان الدستورى لمرسى هو حالة انفضاض عامة من حول الجماعة، واستقالة عدد كبير من الشخصيات المدنية الذين عينهم الإخوان مستشارين للرئيس كديكور ديمقراطى.. وزيادة المظاهرات والحركات الاحتجاجية.. التى قررت التوجه للاتحادية والاعتصام أمامها، وكان رد الفعل الثانى من مؤسسات الدولة المصرية، التى أدركت أن الإخوان يريدون إذلالها والسيطرة عليها، وتغيير طبيعتها.. وكان هناك نوع ساذج من تقسيم الأدوار بين مكتب الإرشاد.. وبعض العناصر المختلة مثل حازم صلاح أبوإسماعيل وبين محمد مرسى، عضو مكتب الإرشاد ومندوب الجماعة فى الاتحادية.. حيث يصدر مكتب الإرشاد تصريحًا متجاوزًا فى حق الجيش أو الشرطة، ثم يخرج مرسى بتصريح لزج سياسيًا ينقط كذبًا ولزوجة يقول فيه مثلًا «عندنا فى الشرطة والجيش رجالة زى الدهب».. إلى آخر هذه التصريحات اللزجة التى تقطر كذبًا ونفاقًا.. وهكذا رفض وزير الداخلية أحمد جمال الدين فض الاعتصام أمام الاتحادية بالقوة.. وطلب من مرسى أمرًا مكتوبًا وموقعًا منه لفض الاعتصام.. ثم امتنع عن الرد على الهاتف.. وكان ذلك موقف اللواء محمد زكى قائد الحرس الجمهورى.. الذى كان دائمًا جنديًا منضبطًا فى منظومة العسكرية المصرية.. وكان من الغريب جدًا أن يسىء الإخوان للقوات المسلحة.. ولقياداتها.. ويحرضوا عليها.. ثم يطلبوا منها أن تتدخل لحماية مندوبهم من آثار خطأ سياسى هم الذين حرضوه عليه وأمروه به.. وكان ذلك أكبر دليل على أن جماعة الإخوان «حافظين ومش فاهمين» على حد التعبير العامى الشهير الذى يقال لوصف شخص يتمسك بحرفية النصوص.. دون أن يفهم الواقع أو يعرف فقه الواقع.. وبدلًا من أن يفهم مرسى الرسالة.. ويتراجع عن الإعلان الدستورى.. واصل الإخوان سياسات الصلف ودخلوا فى الحائط برأسهم، كما يقول المثل الشهير.. حيث أصدر مكتب الإرشاد أمرًا بنزول فرق الردع الإخوانية لفض الاعتصام بالقوة.. والتحقيق مع المعتصمين.. واحتجازهم دون وجه حق.. وقد أدى نزول الإخوان لزحف عناصر المعارضة على الاتحادية.. رغم أن المعتصمين كان عددهم قليلًا فى البداية.. وتحولت المنطقة لساحة حرب حقيقية، وتم إطلاق الرصاص.. وسقط تسعة كان من بينهم زميلنا الحسينى أبوضيف شهيد الصحافة المصرية.. كان ما حدث مرعبًا ومن يومها أصبح بين الإخوان والمصريين «دم».

مضى الإخوان فى غيهم دون أن يسألوا أنفسهم كيف يمكن أن يحكموا دولة ترفضهم كافة مؤسساتها وكوادرها الفنية.. وهل هذه هى الديمقراطية.. وما معنى أن تأتى بأصوات بسطاء تشترى كثيرًا منها بالزيت والسكر، فى حين ترفضك النخبة المصرية كلها تقريبًا.. لكن الإخوان أصحاب العقلية التكفيرية كانوا يعتبرون أن كل من هو ضدهم متآمر على الإسلام.. أو على الثورة التى سرقوها.. وجحدوا دور المؤسسة صاحبة الفضل فى إنجاحها.. وادعوا أنهم يتحدثون باسمها.. لقد رفضت الشرطة ضرب المعتصمين.. ورفض المستشار مصطفى خاطر، المحامى العام لشرق القاهرة، حبسهم.. فنكل به النائب العام الإخوانى طلعت عبدالله.. ونقله لبنى سويف ومعه رئيس نيابة مصر الجديدة.. فانتفض أعضاء النيابة العامة وتظاهروا أمام مقر النائب العام.. واضطروه لتقديم استقالته التى سرعان ما تراجع عنها.. وكانت تلك أحداثًا لم يسبق أن مرت بها مؤسسات الدولة المصرية ولا القضاء المصرى.. وفى الخلفية كانت قطعان من حازمون وعناصر إسلامية رثة تتظاهر أمام مقرات الصحف التى تكتب ضد الإخوان.. وأذكر أن عناصر شرطية جاءت لمقر صحيفة «الصباح» التى كنت أترأس تحريرها وقتها لحماية المحررين من اعتداءات محتملة من أعضاء حازمون.. ثم أصدر محمد بديع، مرشد عام الإخوان، فى ٢٠ ديسمبر تصريحًا يسىء فيه للقوات المسلحة المصرية، ويقول إن جنود مصر «طيعون» لكنهم يحتاجون إلى قيادة رشيدة توعيهم بعد أن تولى أمرهم قيادات فاسدة!.. وانتفضت المؤسسة العسكرية.. وأصدر المتحدث العسكرى ردًا قاسيًا.. وكان ما قاله بديع ردًا على دعوة الجيش للحوار الوطنى بين الإخوان والقوى الأخرى برعايته.. وأذكر أننى تلقيت دعوة لحضور هذا الحوار.. ثم تم إبلاغ الحضور بتأجيل الدعوة إلى أجل غير مسمى.. وكان فى الخلفية أن مكتب الإرشاد احتج على دعوة الجيش للحوار.. وقال الإخوان إنهم لن يحضروا الحوار وكذلك حزب الحرية والعدالة.. وربما لو وافقوا على حضور الحوار لاتخذت الأمور كلها مسارًا آخر.. لكن الإخوان، مثل أى جماعة تكفيرية، يؤمنون دائمًا بالمعادلة الصفرية.. والتى تعنى أن تكسب كل شىء أو يكون مكسبك صفرًا، وقد قادت سياستهم هذه الجماعة إلى أن تتحول إلى صفر كبير فى حياة المصريين وإلى رقم سالب فى وجدانهم.

مزيد من التدهور 

رفض الإخوان دعوة الجيش إلى الحوار بصلف وغرور وعنجهية لتسير الأمور إلى مزيد من التدهور، فلكل فعل رد فعل.. ولا تلق عملاقًا بالطوب وتنتظر منه أن يلقى لك وردة! لقد واصل الإخوان الفشل الذى ضاعف منه إحباط مؤسسات الدولة المصرية، وإدراكها خطر الإخوان.. وغضب الناس منهم وكرههم لهم.. فانفجرت أحداث بورسعيد على إثر محاكمات قضية استاد بورسعيد وانفلت الأمن.. وهاجم الأهالى مقر سجن بورسعيد وسقط ضحايا من الشرطة.. وتمرد حزب النور على سيطرة الإخوان وأعد قائمة بـ١٣ ألف وظيفة استولى عليها الإخوان فى جهاز الدولة وزرعوا فيها أعضاء من الجماعة، واستقال بسام الزرقا، القيادى فى الحزب، والذى كان يشغل منصب مستشار الرئيس.. وكان من نتائج فشل الإخوان وانفلات الأمور من أيديهم أن تم تأجيل الانتخابات البرلمانية حتى أكتوبر ٢٠١٣.. وواصل الإخوان سياسة «الغشومية» حتى آخر مدى، وبدلًا من محاولات الحوار التى دعا لها الجيش المصرى.. أقالوا وزير الداخلية أحمد جمال الدين فاعتصم الضباط وأمناء الشرطة الذين أدركوا أن الهدف هو تركيع الشرطة المصرية فواصلوا الاعتصام.. ولسبب ما شعر حازم صلاح أبوإسماعيل بالغضب من حزب الوفد فأرسل أتباعه لمحاصرة الحزب.. وعندما قبضت الشرطة على أربعة من أتباعه تحت مكتبه خرج ليهين الشرطة ويتحدث عن مؤامرة ضد الثورة التى اعتبر أنه يمثلها.. وحاصر أنصاره قسم الدقى للإفراج عن أعضاء حازمون.. وتدخل محمد مرسى.. وكان ما يحدث جزءًا من فوضى عظيمة.. وأغلقت بعض الأقسام أبوابها.. وانتشرت شركات الحراسة الخاصة التى طورت تسليح أفرادها واستعان بها الأغنياء والقادرون وعانت المناطق الشعبية من سطوة البلطجية والمسجلين.. أما على مستوى الاقتصاد فقد كانت البلاد على شفا الإفلاس.. ولم يكن الاحتياطى يكفى لتغطية الاستيراد سوى لثلاثة أشهر تنفتح بعدها الاحتمالات نحو المجهول.. وهكذا وبمجىء شهر مارس ٢٠١٣ كان الإخوان قد قطعوا ثلاثة أرباع الطريق نحو النهاية، وكانوا كمن لف حبل المشنقة السياسية فوق عنقه، وبقى فى انتظار الحركة الأخيرة أو إزاحة الكرسى من تحت قدميه.

الحلقة المقبلة:

قصة أخطر ٣ شهور فى تاريخ مصر.. لماذا تفجر الغضب؟