رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سُعاد وحليم.. حِبنى على طول ما تضيعنيش

سُعاد وحليم
سُعاد وحليم

كلما استمعت إلى زياد سحاب يُدندن «حبنى على طول ما تضيعنيش» تبادرت إلى ذهنى على الفور قصة حب حليم وسعاد، كانا كل منهما يعانى الحرمان العاطفى، بكل ما تعنيه كلمة الحرمان.. كانا يتيمين، يفتقدان أولى درجات العطف، ولأن «فاقد الشىء لا يعطيه» عبارة تنطبق على كل شىء إلا الحب، فقد أعطى كل منهما الآخر الحب الذى كان يفتقده. وكحال كل علاقة عاطفية، لا يمكن أن يتساوى مقدار الحب بين الطرفين، فكانت سعاد أكثر بذلًا لمشاعرها.. كانت أكرم من العندليب. بدأت فى الصعود عندما كان عبدالحليم بلغ القمة، فأخذ بيدها، وأجلسها إلى جواره، وهى تعترف بفضله فى هذا الشأن ولا تنكره.

ومهما نفى وأنكر البعض، فإن كليهما قد وقع فى حب الآخر، هكذا أكد أغلب الشهود، وآخرهم الفنان سمير صبرى، الذى أكد فى مذكراته أنه كان شاهدًا على قصة حبهما التى امتدت أربع سنوات، فقد ظل زواجهما سرًا فى بير حتى ملّت السندريلا هذا الحب المزيف القابع فى منطقة الظل، وطلبت من حليم أن يخرجاه إلى النور، ويعيشا الحب بدلًا من الوهم، لتصطدم بأول مرة بحليم المشروع وليس الإنسان، الذى رفض تمامًا إعلان زواجهما. 

هذا ما دفع الشاعر الكبير كامل الشناوى أن يعبر عن وصفه الشهير عن عبدالحليم حافظ: «أنت تكذب أكثر مما تتنفس.. ولا تصدق إلا وأنت تغنى فقط». كان حليم طفلًا فى سذاجته وطيشه واندفاعه أيضًا.. أضاع على نفسه قصة حب فريدة من نوعها مع جميلة جميلات زمانه خوفًا على بنات جمهوره أن يتقلص أعدادهن.. كان مثل القطط.. يحب وينكر، وكالأطفال لا يكتفى بلعبة واحدة. ولكن عندما ساءت حالته الصحية يبدو أنه راجع نفسه بالحكمة التى يلبسها المرض على البنى آدم فأصابه الندم، وعاد يبعث لسعاد بالمراسيل والوسطاء، وما يزيد هذا سعاد إلا عنادًا لأنها فقدت حبيبها الأول، وما هو الآن إلا غريق يبحث عن قشة نجاة.

وهنا لم يجد حليم إلا حيلته الوحيدة.. صوته.. ليغنى لها بصيغة المعاتب:

«قولى حاجة أى حاجة.. قول بحبك قول كرهتك قول قول قول وميهمكش حاجة.. قولى عايزك قولى بعتك بس قولى أى حاجة أى حاجة يا حبيبى.. لو فى قلبك شكوى منّى اشكى منّى لوم عليا.. وإن لقيت الحق عندى أديهولك من عنيا»

إلا أنه لم يعلم أن السندريلا لم تُخف شيئًا سوى الجرح الذى خلفه انفصالهما، والذى لا يمكن أن يلتئم حتى لو رصدت له كل أغانى العالم.

لقد فرّقت الحياة بينهما وجمعهما الموت، فقد اختار القدر لسعاد أن يكون يوم وفاتها هو نفسه يوم ميلاد العندليب ٢١ يونيو، بل وفى نفس المدينة التى مات هو فيها، لينطبق عليهما تمامًا وصف أم كلثوم للمحبين: «أهل الحب صحيح مساكين».. مسكين أنت يا حليم.. مسكينة يا سعاد.