رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بينيت.. «فخ 67» وفخاخ نتنياهو

 

 

أسبوع يمر، اليوم الأحد، على الحكومة الإسرائيلية الجديدة، التى وصفها بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء السابق، بأنها «ضعيفة برئاسة شخصية هشة»، وأكد أن «حكومة بهذه التركيبة العجيبة لن تصمد فى الحكم، ولن تنجح فى شىء». ولو افترضنا أن ما يوصف بـ«ائتلاف التغيير» سيظل متماسكًا لفترة، فإنه لن يفلت، غالبًا، من فخاخ نتنياهو، ولن يتمكن من إصلاح ما أفسده!

غاب نتنياهو عن رئاسة الحكومة، لكن أخباره ظلت تتصدر الصفحات الأولى للصحف. بدءًا من رفضه مغادرة مقر إقامة رئيس الوزراء، ووصولًا إلى ما كشفته جريدة «هآرتس»، أمس الأول، الجمعة، عن قيام مكتبه بتمزيق وإتلاف مجموعة من الوثائق السرية؛ حتى لا تصل إلى أيدى نفتالى بينيت، رئيس الوزراء الجديد. كما لم يغب شبح نتنياهو، أيضًا، عن تصريحات «بينيت» بشأن اعتزامه التعامل بحذر مع الولايات المتحدة، وتجنب المواجهات معها فى القضايا الخلافية، مثل الاتفاق النووى مع إيران أو الصراع الفلسطينى الإسرائيلى. 

العلاقات مع الولايات المتحدة ستحتل موضعًا متقدمًا فى جدول أولويات الحكومة الجديدة. ولو كنت قد تابعت جلسة التصويت على منحها الثقة، ستجد أن «بينيت» كان حريصًا على توجيه الشكر للرئيس الأمريكى جو بايدن على دعمه إسرائيل خلال الحرب الأخيرة، وطوال الأعوام الماضية. فى حين هاجمه نتنياهو بشدة وامتد هجومه إلى الولايات المتحدة نفسها، بإشارته إلى أنها «رفضت سنة ١٩٤٤ قصف المعسكرات النازية، وامتنعت عن مساعدة اليهود على مغادرة أوروبا»، مؤكدًا أن ذلك لو كان قد حدث لما مات ستة ملايين يهودى!

فى كل الأحوال، سيستمر الدعم الأمريكى للحكومة الإسرائيلية، التى لن تكون القضية الفلسطينية على جدول أولوياتها، أو على الأقل لن تستجيب لأى مبادرات كبيرة، قد تُحدث تغييرًا جوهريًا فى أمور تتعلق بعملية السلام، لأن ذلك قد يؤدى إلى انهيار الائتلاف الهش، ويقدم لنتنياهو فرصة ذهبية لاستعادة السلطة. ومع أن «بينيت» يمينى متشدد، وكان يرأس مجلس المستوطنات، إلا أنه، بحسب تقرير نشره موقع «واللا»، الخميس الماضى، قد يعيد تشكيل رؤيته المتعلقة بالتعامل مع الفلسطينيين، خلال المرحلة المقبلة، بناء على التصوّر الذى وضعه المؤرخ الإسرائيلى ميخا جودمان، Mikha Goodman، فى كتابه «فخ ٦٧»: عدم إمكانية التوصل إلى تسوية دائمة فى المستقبل المنظور، يستوجب على إسرائيل اتخاذ خطوات «لخفض الصراع» بشكل متدرج.

حتى الدقيقة السابقة للتصويت النهائى، بذل نتنياهو كل ما فى وسعه لتدمير الائتلاف الجديد، ولن يتردد عن فعل أى شىء، لإفشاله، كما تعهد. أما رئيس الوزراء الجديد، فسيظل فى نظر ٣٠ عضوًا فى الكنيست، يمثلون حزب الليكود، هو «المنافق بينيت» و«سارق الأصوات»، كما قالت لافتات رفعها عدد من نواب ذلك الحزب، خلال جلسة منح الثقة للحكومة، التى تضم ٢٨ وزيرًا و٦ نواب وزراء، بينهم- لأول مرة- وزيران عربيان «عيساوى فريج» من حزب ميرتس، الذى تولى وزارة التعاون الإقليمى، و«حمد عمار»، من حزب «يسرائيل بيتينو»، الذى صار وزيرًا فى وزارة المالية إلى جانب أفيجدور ليبرمان، رئيس الحزب. أما الإخوانى منصور عباس، فتمت مكافأته أو ترضيته بمنصب نائب وزير فى مكتب رئيس الحكومة، يختص بشئون العرب.

للصحفيين، قال ذلك الإخوانى الإسرائيلى، الذى يمثل «القائمة العربية الموحدة - الحركة الإسلامية»، إنه و«لابيد» و«بينيت» توصلوا إلى مجموعة مهمة من الاتفاقات فى مجالات مختلفة تخدم مصالح المجتمع العربى. ثم ذكر موقع «واى نت» الإسرائيلى أن «بينيت» و«لابيد» وعدا عباس بقدر كبير من المال «لمعالجة العنف المتفشى والجريمة المنظمة، وإصلاح البنية التحتية المتهالكة فى البلدات والقرى العربية» على مدار السنوات العشر المقبلة.

لو صمدت تلك الحكومة، فإنها ستظل تحت رئاسة نفتالى بينيت حتى ٢٧ أغسطس ٢٠٢٣، وبعدها سيصبح يائير لابيد رئيسًا للحكومة، ويحل «بينيت» محله، وزيرًا للخارجية ورئيس الحكومة البديل، حتى نوفمبر ٢٠٢٥، غير أن هذا الصمود شبه مستحيل، لأن أطراف الائتلاف، التى لا يجمع بينها غير العداء لنتنياهو، لن تتخلى عن أجنداتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لأنها تدرك أنها ستدفع ثمن عدم التزامها بها، فى الانتخابات المقبلة، التى قد تداهمها فى أى وقت!

أخيرًا، وبعد ١٥ عامًا على رأس السلطة، وبعد خوضه أربع معارك انتخابية خلال سنتين، بات على نتنياهو، الذى سيحتفل فى ٢١ أكتوبر المقبل بعيد ميلاده الثانى والسبعين، أن يتفرغ لثلاث معارك، الأولى ضد الحكومة التى تعهد بإسقاطها، والثانية داخل حزب الليكود، ضد خصومه الذين يتهمونه بالفشل ويطالبونه بترك الحلبة السياسية وإفساح المجال لجيل جديد، أما المعركة الثالثة، فستكون مع قضاة المحكمة المركزية فى القدس، الذين ينظرون قضايا الفساد المتهم فيها.