رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدستور تفتح ملف «الطلاق التعسفي»

كوب شاى وفيسبوك.. حكايات من دفتر «الطلاق على أتفه الأسباب»

الطلاق التعسفي
الطلاق التعسفي
  • 225 ألف حالة طلاق في 2019.. والمركزى للإحصاء: حالة طلاق كل دقيقتين
  • متخصصون لـ«الدستور»: لا يجب التمسك بظواهر النصوص وتجاهل مقاصد الشريعة
  • قانوني: الطلاق ليس جريمة في القانون.. و«مودة» مبادرة رئاسية لوحدة الأسرة

كنا نسمع دائمًا عن "الفصل التعسفي" من العمل والذى يكون على أتفه الأسباب أو دون أسباب من الأساس، لكن شيخ الأزهر الإمام الدكتور أحمد الطيب أشار إلى ما سماه أيضاً "الطلاق التعسفي" موضحاً إياه بأنه يكون بغير سبب معتبر، ويعد حراماً وجريمة أخلاقية سواء كان ذلك برغبة من الزوج أو الزوجة، وذلك للضرر الذي يلحق أسرة كل منهما، بما في ذلك الأطفال.

وقد أثار "الطلاق التعسفي" جدلاً فقهيا كبيرا بين فقهاء الشريعة الإسلامية، فمنهم من يرى عدم جوازه ومنهم من يرى وجوبه إذا ما طلق الزوج زوجته مطلقا، وآخرون يذهبون إلى أن الزوجة تستحق التعويض عندما يكون الزوج متعسفا في استعمال الطلاق، فيما أكد شيخ الأزهر حرمته.

وبين الواقع والشريعة حلقة أخرى مفقودة تحتاج إلى نهضة فى الاجتهاد الديني فى هذه المسألة، لا سيما أن دفاتر المحاكم المصرية تعج بالآلاف من قضايا الطلاق "على أتفه الأسباب" التى من ضمنها، حسب المحامية بالقضاء العالي والاستئناف أميرة أبوالعز التى عددتها لـ"الدستور"، قيام الزوج بطلاق زوجته بسبب طلبه كوباً من الشاي فعاندته الزوجة ورفضت بسبب أنها كانت تجلس مع أهلها، وتدخل الأهل بين الزوجين وحدثت مشكلة كبيرة بين الأهل، وانفصلا بسبب كوب من الشاي، لافتة إلى تعدد هذا الأمر فى أكثر من قضية واجهتها.

أميرة أشارت إلى أتفه الأسباب التى رأتها كاختلاف في الرأي أو تقصير في واجبات البيت، أوعدم تلبية مطلب له أو لها، أو من أجل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي لا يرضاها أحد الزوجين (كمعرفة الرقم السري لحسابات التواصل)، أو لأنه بـ"يشخّر" أثناء نومه، أو مشاهدة التليفزيون، وغيرها من الأمور  البسيطة، موضحة أنه يمكن أن يتفادى الناس الطلاق عندها بشيء من الحكمة والصبر.

وخلال السنوات الأخيرة زادت نسبة الطلاق في مصر، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حيث وصلت حالات الطلاق في 2019 إلى 225 ألف حالة في مقابل 201 ألف حالة فى 2018، فيما أشار رئيس المركزي للإحصاء إلى أنه فى مصر يحدث حالة طلاق واحدة كل 2 دقيقة و20 ثانية، وفى الساعة 27 حالة، أما اليوم 651 حالة، وأكثر من 7000 حالة طلاق فى الشهر.

رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، المحامية نهاد أبوالقمصان، طالبت، خلال حديثها لـ"الدستور"، بضرورة  النظر في قانون الأحوال الشخصية فى هذا الأمر خاصة أزمة الطلاق على أتفه الأسباب، موضحة: "إن هناك نهضة حقيقية في المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، وإنهم جعلوا الطلاق أمام القاضي وبذلك يحسم كل ما يترتب عليه خلال 30 يوما، حتى الطلاق لم يجعلوه أمام مأذون فقط، والسيدات تترمي وتدور في المحاكم تجيب حقها"، مشددة على وجوب أن تكون هناك فرصة للزوج والزوجة لكي لا يتم الطلاق على أتفه الأسباب.

ولفتت أبوالقمصان إلى أنه لا يجب التمسك بظواهر النصوص وتجاهل مقاصد الشريعة، موضحة أن تلك هي الأزمة الحقيقية داخل المجتمع المصري والعربي كافة، بأننا تركنا مقاصد الشرع وتعاملنا مع ظواهر النصوص برؤية شديدة السلفية، بمعنى أن الطلاق يقع بمجرد القول فيه كم غير عادي من ظلم للمرأة والشريك في الحياة، لذلك نحن في حاجة إلى توثيق وإذا كان الطلاق قولا وفعلا.

دار الإفتاء المصرية كشفت مؤخرا عن أنها تلقت ما يقرب من 9 آلاف سؤال في أمور مختلفة، وتعلقت معظم فتاوى المصريين بكثير من جوانب الحياة، إلا أن أغرب ما تلقته الإفتاء سؤال حول قيام أحد الأزواج بإلقاء يمين الطلاق على زوجته بسبب تأخرها في إعداد كوب من الشاي، وآخر بسبب الخلاف بينه وبين زوجته على فوز أحد الفريقين في مباراة لكرة القدم.

الطلاق على أتفه الأمور.. طريق إلى الموت أحيانًا 

أسباب غريبة أخرى دفعت الكثير من الأزواج إلى إنهاء حياتهم الزوجته، منها طلاق زوجين بعد 5 سنوات بسبب اختلافهما على اختيار أسماء أبنائهم فى كل ولادة، كذلك تقدمت سيدة بدعوى طلاق بعد ستة أشهر من الزواج بسبب قيام زوجها بتشغيل أنوار البيت دائما دون أن يطفئها حتى في أثناء النهار الأمر الذي يزيد من فاتورة الكهرباء شهريا.

فيما تقدمت زوجة مصرية بدعوى خلع من زوجها أمام محكمة الأسرة، بعد زواجهما مدة 40 يوما فقط، بسبب ساندوتش شاورما وعصير، ووفقا لدعوى توسلت الزوجة لزوجها بعد 40 يوما من الزواج بأن يخرجها بسبب مللها من البقاء في المنزل، وطلبت منه أن يشتري لها ساندوتش شاورما فرفض وقال إحنا خارجين نشرب عصير فقط، واتهمت زوجها بالبخل.

وطلبت زوجة، تبلغ من العمر 67 عاما، الطلاق من زوجها، الذي يبلغ من العمر 70 عاما، لأنه لم يقل لها "تصبحي على خير".

يفسر الكثير من القانونيين (الطلاق التعسفي أو الطلاق بغير سبب) ويُقصد بالتعسّف: إساءة استخدام الحق الشخصي بحيث يلحق ضرراً بالغير، إما لتجاوز حق الاستعمال المُباح عادة، أو لترتُب ضرر بالغير بشكل أكبر من تحقيق منفعة صاحب الحق، وقد سُمي الطلاق التعسُفي بذلك لأن الزوج استخدم حقه في الطلاق كوسيلة لإيذاء الزوجة.

إلى ذلك، يعتبر أحمد مهران، أستاذ القانون العام ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، أنه لا يمكن اعتبار الطلاق التعسفي إلا طلاقا صحيحا وإلا نكون بذلك نتلاعب بالشرع، وبذلك نعيش رجالا ونساء سوياً في الحرام، مشدداً على  أن رده على من يقول عن أن هذا الطلاق جريمة أخلاقية، هو: ما تعريف الجريمة الأخلاقية؟، وهل استخدام الحق في الطلاق يدخل ضمن تعريف الجريمة؟، وهل تعريف هذا الطلاق منصوص عليه في قانون العقوبات على أنه جريمة؟ ومن أين لنا بأنه جريمة؟، وهذا كلام غير صحيح.. حسبما قال.

ولفت مهران، لـ"الدستور"، إلى أن التعسف والمتعسف ضده يكون في علاقة عمل، لأنه تربطه في علاقته برب العمل علاقة عقدية يؤدي فيه علاقة عمل مقابل أجر، وفي هذه الحالة عندما يتم التعسف ضده لا يمكن رجوعه إلى العمل، وإنما يتم الحكم بتعويضه عن الأضرار التي وقعت عليه نتيجة طرده من العمل نتيجة تركه العمل، لافتاً إلى أن ما قيل عن الطلاق التعسفي في معناه هكذا وصف غير دقيق، لان معناه أن الزوج ينهي العلاقة الزوجية بكلمه منه، وهذا ما يتم ترديده ويقولون عنه إنه الطلاق الشفهي، وأن القاعدة الشرعية طبقا للحديث الشريف إن ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد، منها الطلاق والرجعة.

مهران أشار إلى أن معنى الطلاق التعسفي أنه يطلق الرجل زوجته دون سبب، قائلاً: "هل ذلك جريمة؟ لا .. هل الشرع يعطي له ذلك؟ نعم .. واحدة مش عايزها طلقتها جد بقى هزار إنما الطلاق يقع، ومن يملك أن يقول إن الطلاق لا يقع؟، فمثلا أحد الناس وصلت له معلومة خطأ بوقوف زوجته أو خيانته مع رجل آخر، وقام بطلاق زوجته، فهنا هل هناك شىء يسمى طلاق الغضبان، ولا هذا الطلاق ميقعش، الحقيقة مفيش حاجة اسمها كده".

وتابع مهران أن المقصود بجملة الطلاق التعسفي هو الطلاق الذي يقوم به الزوج دون سبب من الزوجة، وربما تكون زوجته لم تفعل شيئا من الأساس لكنه يبغضها، ولا يحبها مثلا أو زوّجته له أمه دون رغبته وجاء اليوم الذي قرر فيه إنهاء العلاقة، فهل هنا يمكن القول بأن الطلاق التعسفي لا يقع؟!.

وكانت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف قد أصدرت بيانا رسميا، في فبراير عام 2017، بوقوع الطلاق الشفهي المستوفي جميع أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وشدد حينها  البيان على أن "هذا ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي محمد حتى يوم الناس هذا دون اشتراط إشهاد أو توثيق"، كما نوه إلى أهمية أن يبادر الرجل بتوثيق الطلاق فور وقوعه حفاظا على حقوق المطلقة وأبنائها.

وترى هيئة كبار العلماء أنه من حق ولي الأمر شرعا أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة تعزيرية رادعة على من امتنع عن التوثيق أو ماطل فيه، لأن في ذلك "إضرارا بالمرأة وحقوقها الشرعية".

من جانبه، يولي الرئيس عبدالفتاح السيسي أهمية بالأمر، إذ كلف الجهات المسئولة بالدولة بسرعة التدخل لحماية الأسر المصرية من أضرار الطلاق، من بينها وزارة التضامن الاجتماعي في عام 2018، لإيجاد حلول مثمرة لتلك الأزمة المجتمعية.

وعلى الفور طرحت وزارة التضامن الاجتماعي المبادرة الرئاسية "مودة" التي تسعى إلى وحدة الأسرة المصرية والحد من نسب الطلاق، كما تمت التجربة بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان ومجموعة من ذوي الخبرة، ويهدف ذلك لتطوير آليات الدعم والإرشاد الأسري، من بينها أسس اختيار شريك الحياة، وحقوق وواجبات الزوجين، والمشاكل الزوجية والاقتصادية للأسرة، وكيفية إدارتها، وكذلك الصحة الإنجابية بما يساعد في خفض معدلات الطلاق، وذلك في ضوء الارتفاع المضطرد الذي شهدته السنوات الأخيرة في أعداد حالات الطلاق خصوصاً بين حديثي الزواج.. ووجهت الوزارة بإجراء الدراسات اللازمة للتعامل مع هذه الظاهرة، التى تتركز أعلى نسب الطلاق فيها بمحافظات (القاهرة- الإسكندرية- بورسعيد).

وتتسهدف «مودة»، حسب القامين عليها، 800 ألف شاب سنويا، وذلك في الفئة العمرية ما بين 18 و25 عاماً، وهم غالبا طلبة الجامعات والمعاهد العليا، كما يندرج تحت هذه الفئات المستهدفة المجندون بوزارة الدفاع والداخلية، إضافة إلى المكلفين بالخدمة العامة من الشباب والذين تشرف عليهم وزارة التضامن الاجتماعي سنوياً، كما يستهدف المشروع المتزوجين المترددين على مكاتب تسوية النزاعات التابع لوزارة العدل على مستوى الجمهورية.

في أبريل 2018 بادر الأزهر بتدشين وحدة «لَمِّ الشَّمْل» للصلح بين الأزواج المختلفين حتى لا يصلوا لمرحلة الطلاق، وبعد نجاح هذه الوحدة، أطلق المركز الإعلامي للأزهر الشريف حملة «وعاشروهن بالمعروف»، بالتعاون مع مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، للتوعية بمخاطر الطلاق وأسبابه وطرق علاجه، وتوضيح الأسس السليمة لبناء أسرة سعيدة ومتماسكة، ولاقت الدعوى استحسانا مجتمعيا كبيرا.

فى السياق ذاته، نظمت دار الإفتاء المصرية على مدار السنوات الأخيرة دورات تدريبية لتأهيل المقبلين على الزواج، للتعامل مع مشكلة الطلاق بالوعي وليس القانون فقط، كما أنشأت كذلك وحدة للإرشاد الأسري داخل الدار، حيث تحال إليها المشكلات من إدارات الفتوى المختلفة، ويحضر فى جلسات الصلح ممثل شرعي من دار الإفتاء، ومسئول عن التنمية وبرامج السعادة، فضلاً عن إنشاء إدارة فض المنازعات الأسرية.

أستاذة العقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف الدكتورة آمنة نصير، أوضحت أن الله سبحانه وتعالى عندما وثق ميثاق الزواج بالميثاق الغليظ حتى يمنع الإنسان من أن يمتهنه بأي صورة من الامتهان، لأن الزواج مبني على المودة والرحمة، والله عز وجل جعل لهذا الميثاق هذه المواصفات وهذه الضوابط ونحن أهنّاها، مؤكدة أن بعض الأشخاص الذين لديهم ضمائر ميتة لا يريدون أن يُعطوا حق المرأة المطلقة، والبعض الآخر لا يريد أن يلتزم بالحقوق التي تترتب على الطلاق للزوجة وأولادها.

نصير أضافت، لـ"الدستور"، أنه  لا بد أن نأخذ عظمة تراثنا ونناقش مستجدات عصرنا، ونحاول أن نوفق ما بين الماضى والحاضر بما يتواءم مع حاضرنا، ونكون أسرع في مناقشة القضايا المصرية التى تراجعت كثيرًا فى كل المواقع، لافتة إلى أنها كأستاذ فلسفة تستغرب لكل ما يحدث لرجال مصر، مشيرة إلى أنها تتذكر وهي في سن السباب كانت ترى رجالًا عظامًا فى مصر فى كل المواقع والمجالات، والآن  يتم الطلاق على أتفه الأسباب، قائلة: "تربينا عليها منذ خمسينيات القرن الماضى ليست موجودة حاليًا".

وأردفت نصير أن ما يحدث في حق المرأة هو شىء مخجل، مضيفة أنه لا يوجد شىء يمكن أن يعوض المرأة بعد خسارتها حياتها الزوجية، لأن البيت الذي يؤسس يكون بيت المودة والرحمة وبيت السكن، فما الذي يساوي كل هذا، إلا أن يدرك الرجل أهمية هذا البيت منذ أن وصفه الله "وأخذنا منكم ميثاقًا غليظًا"، مؤكدة أن هناك خللا تتمنى أن ننتبه لهذا الخلل ونخرج منه.