رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فيه كتب موليير مسرحية «الإسكتلندية»

الأشهر في الحي اللاتيني.. مقهى «بروكوب» منه انطلقت شرارة الثورة الفرنسية

أحد المقاهي الباريسية
أحد المقاهي الباريسية

كان أول مقهي أدبي عرفته فرنسا يدعي "لاموموس" في منطقة السان جرمان. وكان من أهم رواده الشاعر "بودلير" والرسام "مانيه"٬ ثم افتتح بعده مقهي "بودكان"٬ والذي كانت صالته المذهبة مليئة بالمرايا والأضواء موحية للعديد من الرسامين الكبار٬ ومنه انطلقت الأفكار الخلاقة واللوحات العظيمة٬ وكان "مانيه يشعر في جلسته أنه يتقابل مع نفسه من كثرة المرايا المحيطة به.

 

تستطرد الباحثة السورية هدي الزين٬ في كتابها "المقاهي الأدبية في باريس حكايات وتاريخ": أما مقهي "جروب دي بانتينول" فقد كان يتقابل به فنانون عظماء مثل: مونيه ولاتور وسيزان وفانتين وإميل زولا. وقد انطلقت منه أهم الأفكار الإنطباعية في العالم. وعلي بعد خطوات من "كافي فلور" يقع مقهي (ليب LIPP ) وهو مقهي عرف كبار الشخصيات المعاصرة أمثال: الرئيس الراحل فرانسوا ميتران٬ ومصمم الأزياء إيف سان لوران٬ وكان هيمنجواي وجها من الوجوه الأسطورية فيه وخلده في روايته "باريس والعيد".

 

في الحي اللاتيني خرجت الأفكر السريالية ومدرستها الفنية العظيمة من تأملات "بيكاسو" بين دخان السجائر وتأمل المطر الباريسي الذي ينقر زجاج النافذة في مقهي "لافلور" إلي رائحة القهوة الطيبة التي كانت تثير مشاعره وإبداعاته.

 

وكذلك انطلقت من المقاهي الأدبية المدارس الواقعية الاجتماعية في الأدب والمنطقية والوجودية في الفلسفة. وشهرة هذه المقاهي أنها ارتبطت بالتيارات الفكرية التي شهدتها فرنسا في تلك الفترة الذهبية من تاريخها الأدبي والفكري والفني.

 

ــ أشهر المقاهي الأدبية في الحي اللاتيني 


مقهي "لوبروكوب" وهو أقدم مقهي في باريس٬ عرف روادا كبارا وأدباء وفلاسفة من أهمهم: فولتير٬ ديدرو٬ جان جاك روسو٬ وعدد من قادة الثورة الفرنسية إضافة إلي بنيامين فرانكلين. تأسس مقهي "لوبروكوب" عام 1686 وهو العام الذي لا ينسي في تاريخ الأدب٬ فقد شهد موت المسرحيين العملاقيين "موليير" و"كورنييه"٬ كما شهد إشعاعات أدبية لمشاهير العصر مثل: راسين وبوالو ولافونتين٬ وفي ذلك الزمن كان إنشاء المقاهي يعد من موضات العصر٬ أيضا في ذلك العام صدرت رخصة افتتاح مسرح "فيلارموني" في شارع مجاور للمقهي. بينما كانت دار الكوميديا الفرنسية قد استقرت علي الضفة الثانية لنهر السين.

 

أما اسم مقهي "بروكوب" فقد اشتق من اسم عائلة متعهد بناء من باليرمو في صقلية يدعي فرانسيسكو٬ وكان قد تعلم المهنة لدي الأرمن وبدأ حياته في استثمار المقاهي٬ وعندما تحسنت أحواله اختار هذا المكان ليؤسس البروكوب في أقدم المناطق الباريسية.

 

وقد عهد بديكوره الراقي وقتئذ إلي أحد الفنانين الطليان٬ وبعد الافتتاح أصبح المقهي ملتقي لعشاق الأدب والفن خاصة المسرح٬ فكان ممثلو المسرح يذهبون إليه كل مساء٬ بعد نهاية عملهم ليشربوا كأسا من الخمر أو أكواب الحليب الحار عند الاحتفال بالنجاح.. وكتب أحد الصحفيين في القرن الثامن عشر لويس سبستيان ميرسيه مقالا في 25 يناير 1799 يدرك القارئ من خلاله العلاقة التي كانت قائمة ما بين المسرح والمقهي وكيف كانا يشكلان عنصر جذب لشباب تلك المرحلة.

 

يقول "ميرسيه" في مقاله: عندما ذهبت للمرة الأولي عام 1757 لمشاهدة المسرح وبعد دخولي الصالة شكلنا يومئذ ما نستطيع تسميته "كتيبة" من شباب الآداب٬ ومع نهاية العرض ذهبنا إلي مقهي البروكوب لنتحدث عن الفن وجاء النادل المعروف من قبل الجميع ليسكب المشاريب الحارة واقترب مني وهمس في أذني:"سقي الله تلك الأيام الخوالي"٬ وكان يقصد أيام المسرح والأعمال الكبيرة حيث كان في نهاية كل عمل يقوم علي خدمة النجوم.

 

وفي القرن التاسع عشر وقد تم تجديد مقهي بروكوب عام 1989 علي طراز القرن الثامن عشر. وحول مقهي "لي بروكوب" إلي مقر للمسرح الفرنسي تعرض فيه مسرحيات راسين وموليير٬ وكتب عنه "أميل كولومبي": في هذا المقهي تجد الممثلين من كل الجمعيات وأصبح المكان مقرا ثابتا للشخصيات الأكثر شهرة والأكثر أصالة وأبداعا٬ حيث كانوا يرتادونه ليشتركوا في العديد من المناظرات الكلامية وليتنازعوا بحماسة علي كل الأشياء والأمور.

 

ــ من مقهي بروكوب انطلقت شرارة الثورة الفرنسية


ومن أهم الشخصيات التي أرتادت هذا المقهي الأديب "آرسن هوساي" الذ كتب قائلا عنه: كان في مقهي البروكوب في القرن الثامن عشر أفضل صحيفة باريسية علي الإطلاق". ومن رواده أيضا المشاهير: جان جاك روسو٬ فونتيل٬ ديفونتين٬ جريسيه٬ دولامون٬ كريبون٬ فريرون٬ وماليفو وبوشيه والقائمة تطول وصولا إلي كودورسيه وأولباخ.

 

وفي عهد ابن بروكوبيو الذي كان مثقفا ومؤلفا مسرحيا تحول المقهي إلي واحدة للأدب والفنون المسرحية والغنائية٬ وكان "بيرون" يلقي فيه أشعاره الغنائية٬ وكان من أهم رواده فولتير الذي كتب في مقهي لو بروكوب مسرحية حملت عنوان "المقهي أو الأسكتلندية" وتجري أحداث المسرحية داخل ديكور مسرحي مستوحي من مقهي لو بروكوب العريق.

 

ومن هذا المقهي "بروكوب" انطلقت شرارة الثورة الفرنسية ففيها كان يلتقي مارات ودانتون وروبسبيير وكانوا يعقدون مجالس الحرب حول أكواب الكريما التي كانوا يشربونها٬ وكان هيبريت يحضر للمقهي ويجلس بجانبه خطيب الثورة "ميرابو" وكانت طاولته محجوزة دوما باسمه. وفي عام 1728  قال الفيلسوف مونيسكيو: لو كنت حاكما لهذا البلد لأقفلت المقاهي التي يرتادها أناس يقومون بإشعال الأدمغة.