رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لوران دى بوك يكتب: مُهاجر فى بلد المهاجرين

لوران دى بوك
لوران دى بوك

منذ وصولى إلى القاهرة لأول مرة فى ديسمبر ٢٠١٧، وبدء عملى كرئيس لبعثة المنظمة الدولية للهجرة «IOM»، كنت دائمًا أقدر الفرصة الفريدة للعيش فيما أسميه: «المختبر المثالى للهجرة والعيش الإنسانى المفتوح». لقد قرأنا جميعًا فى كتب مدارسنا عن مصر، ولكن أن تعيش فى مصر يوميًا لهو شىء مختلف بشكل استثنائى. عندما أذهب إلى العمل كل صباح، أمر بذكرى تاريخ إحدى أقدم الحضارات فى العالم، إن الشعور بأنك محاط بالأماكن التاريخية القديمة التى تعود إلى آلاف السنين هو أمر مذهل. 

لم أتوقف أبدًا عن دهشتى بهذه المواقع الرائعة والمبانى التاريخية والطبيعة الرائعة للبلد بأكمله، ولقد كنت محظوظًا بما يكفى لزيارة ٢٥ محافظة من محافظات مصر. لا يوجد مكان واحد تركنى دون انطباع رائع.

مصر بلد يتم فيه تطبيق كل جانب من جوانب إدارة الهجرة، على الصعيدين المهنى والشخصى، لقد شاهدت تعاطفًا ثابتًا والتزامًا تجاه الناس، بمن فيهم المهاجرون.

لقد اكتشفت تاريخًا رائعًا لحضارة الأسلاف، بجمال مذهل وأماكن استثنائية، وشهدت تعايش أناس من قارات مختلفة مختلطة تمامًا لعدة قرون.

لقد تناقشت مع أشخاص رائعين ومنفتحين، حول حياتهم، بلادهم، فنونهم، ثقافتهم، طعامهم، وعائلاتهم، والعلاقات القديمة مع العديد من الثقافات الأخرى. لقد كان درسًا من التواضع الذى لا يمكن إلا أن يجعلنى أقع فى حب حضارة مصر الحية. الكثير من الأشخاص المتحمسين من جميع الأصول الاجتماعية يظهرون لى تعاطفهم مع الآخرين، وحبهم لمصر والمصريين، واعتزازهم بكونهم أفارقة وعربًا، ويظهرون شعورهم النبيل عندما نتحدث عن الفقراء والضعفاء، وتعاطفهم وكرم ضيافتهم اللا محدود.

من الناحية المهنية، بعد خدمتى فى ١٢ دولة، يجب أن أعترف بأن مصر تظل إلى حد بعيد التجربة الأكثر حماسة. أنا أستمتع بالعمل مع الدبلوماسيين المصريين، الذين أعتقد أنهم من أكثر المسئولين معرفة وتفصيلًا من ضمن الذين قابلتهم فى حياتى المهنية، فإننى أحب الدفاع عن المهاجرين والمجتمعات المضيفة معهم، فهم دائمًا لديهم موقف قوى ويعرفون كيف يدافعون جيدًا عنه. ولكن قبل كل شىء، لقد أظهروا لى دائمًا مستوى راقيًا من الإنسانية.

لقد كنت محظوظًا جدًا للعمل عن كثب مع عدد كبير من الدبلوماسيين المصريين القادرين على استحضار الالتزامات الدولية والسياسات والقواعد الوطنية، ولكن أيضًا دائمًا ما يبقون البعد الإنسانى حاضرًا فى تحليلاتهم وعملهم. لن أنسى أبدًا اللحظة التى تلقيت فيها مكالمة فى وقت متأخر من الليل حول الذين تقطعت بهم السبل وهم مهاجرون تم إجلاؤهم من ليبيا عبر مصر، كانت المكالمة حول وضع الأطفال المهاجرين، وليس حول السياسات أو القواعد؛ إنه البعد الإنسانى ينتصر ثانية. 

لقد عملنا معًا على سلسلة كبيرة من الملفات التى تتعلق بنهج حكومى شامل للهجرة. من الوزراء إلى المنظمات غير الحكومية، دائمًا ما كان يتم إعلاء الإنسان، ففى خضم السياسات والبرامج، يتم إعلاء الإنسانية فوق كل شىء، إنها لمتعة حقيقية العمل فى مثل هذه الظروف.

بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف الآن فى القاهرة، لم أشعر أبدًا بالانزعاج من أى جانب من جوانب الحياة. أشعر بحماس تجاه المصريين وغير المصريين الموجودين على أرض مصر. إنى مقتنع أكثر من أى وقت مضى بأن القيادة أمر حاسم لأى رؤية بشأن إدارة الهجرة وأى قضية أخرى، فإن الشغف يسير جنبًا إلى جنب مع الدافع والتفكير المسبق خارج الصندوق، إن موقف مصر غير المتنازع عليه داخل ساحة الهجرة يقوم على هذه المبادئ.

آمل أن أستمر فى ممارسة وظيفتى مع الأشخاص المتحمسين، وأن أشارك بعضًا من هذا الشغف مع أصدقائى وزملائى فى العمل. أشكر الجميع على الترحيب بى وبأولادى وأحيانًا بأفكارى السريالية، جميعهم يجعلون حياتى فى مصر «قصة شغف».

 

رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة فى مصر