رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عادل عصمت: لم أتعشم فى الفوز بـ«البوكر».. وورش الكتابة لا تصنع مُبدعًا

عادل عصمت
عادل عصمت

لو شئنا أن نصف تجربة الكاتب والروائى عادل عصمت فى ٣ كلمات، فستكون «الحضور والخصوصية والتفرد»، فهو يكتب وكأنما يستخلص العطر من أنسجة الزهر النادر، ويحكى وكأنما يضرب على أصداء مصائرنا، والكتابة لديه فعل يشبه الخلق والتكوين، ولذلك أعماله تنبض دائمًا بالحيوية والدفء والجمال. وقارئ عادل عصمت يعرفه جيدًا ويشم رائحة إبداعاته، ولذلك هو لا يلتفت كثيرًا لفكرة الجوائز، حتى إنه لم يهتم لعدم فوزه بجائزة البوكر بعد ترشيحه لها عن روايته «الوصايا»، وهو يعتبر أن مصداقية الجوائز مثلها مثل أخطاء التحكيم فى كرة القدم. ويؤمن مبدعنا الكبير بأن ورش الكتابة لا تصنع كاتبًا، بل الكاتب يصنع نفسه بنفسه، موضحًا أن الورش تساعد الكُتاب الشباب على تطوير وعيهم بفن الرواية وخصوصيتها وتمنحهم إدراكًا للإمكانات المتاحة فيها، وتنبههم إلى عدد من أساليبها وتقنياتها، وفى النهاية الكاتب يبقى وحده أمام مهمته، ولن يساعده غير خبرته واستخدام كل ما تعلمه لكى ينتج نصه. هذه الانطباعات والآراء والأسرار، يتحدث عنها عادل عصمت فى حواره، ضمن سلسلة «حوار بين جيلين» التى تجريها «الدستور»، وتجرى معه الحوار من الجيل الأصغر سنًا الروائية الشابة نورا ناجى.

■ قرأت أحدث مجموعاتك القصصية «مخاوف نهاية العمر»، ولاحظت أنه مهما تفرعت الأحداث، أو تلاقت الشخصيات يظل الخط الرئيسى مشدودًا ومتصلًا، كأن له مسارًا خاصًا.. كيف ترسم القصة القصيرة بهذا الشكل؟ وهل لهذا نظام ما تسير وفقه خلال الكتابة أم أنه شىء يأتى بالخبرة ومع الوقت؟

- طبعًا الخبرة التى يراكمها الكاتب تساعده فى بناء قصته، وكذلك إدراكه طبيعة النوع الأدبى الذى يكتب فيه. القصة القصيرة مختلفة عن الرواية حتى وإن بدت الحدود بينهما غامضة إلى حد ما، لكن تظل لكل منهما شخصيته وطريقة كتابته. ومع الوقت تكونت لى طريقتى. إننى أعايش شخصياتى وأجواء قصصى فترة طويلة، وبحكم تلك المعايشة يتبخر كل ما لا يخص الموضوع الأساسى للقصة ويبقى الجوهر أو هكذا أظن، الأمر يشبه عملية التقطير، حيث يبقى لك محلول نقى فى النهاية. 

■ أعرف أنك تبذل المجهود الأكبر فى رسم الشخصيات، كل شخصية نتمكن من معرفة تاريخها واهتماماتها، وحتى شكل ملابسها وملامحها بطريقة غير مباشرة ومن خلال السرد.. هل تعتقد أن رسم الشخصيات بهذه الطريقة الواضحة هو ما يمنح الرواية فرادتها؟ أقصد رسم الشخصيات لكل عمل يحتل أى مرتبة خلال تحضيرك النص؟

- فى ظنى أن الرواية هى فن الكتابة عن الإنسان الفرد وعن أسرار قلب الإنسان. فى فهمى للرواية تأتى الشخصية فى المقام الأول، ثم يتبعها باقى عناصر الرواية من حبكة ومكان وزمان وغيرها. تركيزى الأساسى ينصب على مأزق الشخصية وكيف تتعامل مع ظروف حياتها وتنسج مصيرها فى شكل تفاصيل صغيرة. كيف تخلق عالمها وتقود نفسها إلى نهايتها، كما حدث مع الشيخ عبدالرحمن فى «الوصايا» أو مع البطل فى «صوت الغراب» على سبيل المثال. 

الشخصية هى التى تخلق الحبكة ويتجسد عبرها المكان والزمان. يعنى ما قد يدفعنى إلى الكتابة ليس القصة بل الشخصية التى تُشكّل قصتها، وأحيانًا يكون المناخ والجو العام كما حدث فى رواية «أيام النوافذ الزرقاء» التى استدعيت فيها فترة بداية السبعينيات فى طنطا أثناء حرب الاستنزاف، لكن الأمر لا يكتمل إلا بظهور شخصية مثل شخصية الجدة أو شخصية سامى آكل الزجاج.

■ فى «صوت الغراب» خرجت قليلًا عن الرواية الواقعية لشبه تجريب وخلط بين الفانتازيا الطفيفة، التى ربما لم يشعر بها كل من قرأ.. هل تعتقد أن كل قصة تتطلب أسلوبًا خاصًا بها؟

- فعلًا كل رواية لها تحدياتها الفنية الخاصة بها، وكأن كل رواية هى بداية جديدة للكاتب يجرب فيها أن يكتب الرواية كما لو كان يكتبها لأول مرة. طبعًا تساعده الخبرة التى تراكمت خلال مسيرته، ولكن تظل كل رواية تتطلب شكلًا خاصًا بها وطريقة فى الحكى تفرضها طبيعة الشخصيات والمناخ الروائى. فى «صوت الغراب» لم يكن الغرض هو كتابة رواية فنتازية، بل حكى مشهد فنتازى بأسلوب واقعى، وكيف يمكنك أن تؤسس لمشهد النهاية عبر رحلة طويلة فى حياة الراوى، واختيار النبرة الخاصة التى تقنعك بحقيقة ما حدث، لا أشير هنا إلى القارئ بل إلى الكاتب، كان يجب أن أعمل على أن أصدق وأعمل منذ البداية على خلق هذا التصديق.

■ هل تعتقد أن القراء اليوم يبحثون عن القصة السهلة؟ أقصد هنا القصة التى تسرد الأحداث بوضوح ودون تأمل فيما خلفها؟ 

- طبعًا، أغلب القراء يرغبون فى ذلك، مبيعات الكتب الرائجة فى كل مكان تفوق بمراحل مبيعات أى رواية فنية، وفى أمريكا على سبيل المثال لا يمكن مقارنة مبيعات ستيفن كينج بمبيعات وليم فوكنر، لكن سيظل هناك دائمًا من يقرأ الروايات الفنية، وهم قلة فى كل مكان بالمقارنة بمن يطلبون روايات التسلية والمعلومات، طبعًا هناك استثناءات مثل ماركيز على سبيل المثال.

■ بروست أعاد تحرير الأجزاء الأولى من «البحث عن الزمن المفقود» قبل موته.. هل يمكن أن تحرر رواية أو قصة بعد نشرها؟

- أتمنى أن أكون قادرًا على ذلك فى يوم من الأيام، لكنى أعرف أن العمل على النصوص لن يتوقف أبدًا، فالنص يحمل إمكانات تعديله إلى الأبد، لأنك لا تكون نفس الشخص عندما تعود إلى رواية كتبتها منذ ١٠ سنوات مثلًا، وإن سمحت لنفسك بتعديلها، فقد تعود إلى نفس التعديل بعد ٥ سنوات، ولن تكون نفس الشخص أيضًا، فيجب عليك أن تعدل، وهكذا لن ننتهى من الأمر، إننى أؤمن بالمقولة الشائعة إننا ننشر الكتب لكى نتوقف عن العمل عليها.

■ عندما تبدأ رواية جديدة.. هل تعرف مسبقًا كل تفاصيلها وكيف ستنتهى؟ 

- الرواية تكتب أثناء الكتابة نفسها، معرفتك السابقة للنص ومعايشتك له تختلف عن فعل الكتابة الذى هو تحويل الصور السائلة فى الذهن إلى كلمات، واللغة لها قانون خاص بها مختلف عن قانون الصور التى تلوح فى الذهن.

من المهم لى أن يكون لدىّ تصور عن الشخصيات والمناخ وبالأساس كيف سينتهى الأمر، رؤية النهاية بالنسبة لى مثل المنار ترشدنى حتى لا أتوه فى تعرجات السرد والقصص الفرعية، وحتى لو امتلكت المعرفة بكل التفاصيل كما حدث مع رواية «الوصايا»، إلا أن الأمر يتغير أثناء الكتابة، لأن كتابة الرواية تحدث أثناء الكتابة لا أثناء تخيل النص، يتغير الكثير من الشخصيات، وأحيانًا تنسحب إحدى الشخصيات وترفض أن تكمل اللعبة معك، وتضطر إلى حذفها من ثنيات النص كله، الخلاصة أن الرواية هى كتابة الرواية يومًا بعد يوم. 

■ ألاحظ فى رواياتك وضوح الصوت السردى وسهولة متابعته، ورغم ذلك تكون الحبكة مربكة، أحيانًا أضطر لقراءة الرواية أكثر من مرتين لأتمكن من الغوص داخلها.. هل تتعمد ذلك؟

- أبدًا، لا أتعمد ذلك، نفسى أعرف كيف تكتب الروايات السهلة، ربما ما يوحى إليك بذلك أن روايات مثل «أيام النوافذ الزرقاء» و«حالات ريم» مثلًا، لا تسير بشكل خطى، بل تتوقف عند التفاصيل، وتبنى حبكتها من تنظيم الحالات والانطباعات أكثر مما تبنيه من التقدم الطولى للأحداث. 

■ المكان والزمان دائمًا ما يكون لهما حضور قوى فى رواياتك، هما البطلان الحقيقيان.. هل ترى ذلك أيضًا؟

- كما قلت لك إننى أعتبر الشخصية هى الأساس فى النص الروائى، وهى تصطحب أجواءها معها من مناخ ومكان وزمان، الشخصية تنعكس على المكان بشكل يجعل المكان يشبهها، هذه طريقة اكتشاف جوانب الشخصية، فى رواية «أيام النوافذ الزرقاء»، أنظر للبيت عندما كانت تعيش الجدة وبعدما عاش فيه محمود عابد وحده فى الثمانينيات، لقد انطبع المكان بطابع الشخصية، أما عن الزمن فهو العامل الذى يمنحنى القدرة على كشف مصائر الشخصيات. كل شىء مرتبط بالإنسان والعوامل الأخرى تكشف عن جوانب منه، وليست لها البطولة إلا فى النصوص التى تحاول كتابة تاريخ انطباعى للمكان مثلما حاولت أن أفعل فى كتاب «ناس وأماكن».

■ أعتقد أنك تكره تحليل كتاباتك.. الاضطرار للحديث عن رواية أو قصة فى ندواتك يشعرك بعدم الارتياح؟

- هذا صحيح إلى حد كبير، فعلًا لا أحب تحليل أعمالى، فليس من مهمة الكاتب تفسير أعماله؛ لأن عمله يتخطاه عندما يتحول إلى كتاب مقروء من قبل أشخاص آخرين، إنهم يعيدون خلق الكتاب أثناء قراءتهم، والكاتب بعد الانتهاء من عمله يتحول إلى قارئ له قراءة قد تكون مختلفة أو متشابهة مع قراءة آخرين، لكن فعلًا لا أحب تحليل أعمالى، يمكننى أن أحكى قصة كتابتها فحسب، لأننى أعرف أن العناصر التى تشكل العمل الأدبى ليست من نتاج وعيه فحسب، بل نتاج عناصر أخرى تسللت إلى النص من منابع الإدراك الداخلى البعيد عن وعيه.

■ كم عدد مسودات الرواية الواحدة لديك؟

- كثير جدًا، لا أعدها ولكنى أعمل على الرواية حتى تنضج، وتصبح بالنسبة لى قابلة للقراءة وقد أخذ بناؤها الفنى نسقًا محددًا، عندها أتركها، وأحيانًا فى تصحيح البروفات أخشى من مراجعة النص، فأتركه؛ لأننى يمكن أن أعمل على نص أدبى إلى ما لا نهاية.

■ هل تبرز شخصيات رواياتك وجهة نظرك أنت فى الحياة؟ أم أنك خلال الكتابة تنفصل عنها ويصبح لها صوتها الخاص؟

- كل الشخصيات تمثل كاتبها بشكل أو بآخر، فن الرواية يمنحك القدرة على التعبير عن الشخصية المختلفة تمامًا عنك، ولكنها فى النهاية من خلق الكاتب، من خبرة معايشته الذاتية لما يعيش، لكن هناك بعض الشخصيات تقترب منك حتى تكشف عن رؤيتك وكأنها ظلك، مثلما حدث معى فى رواية «يوسف تادرس». 

■ صف لى يوم العمل؟ متى تبدأ الكتابة ومتى تنتهى؟

- عندما كنت أعمل فى الوظيفة كان يومى يبدأ فى الخامسة صباحًا، أكتب نصف ساعة أو ساعة حسب التساهيل، خاصة فى الفترات التى أكون مشغولًا فيها بفكرة رواية، ثم أنزل إلى عملى فى الثامنة، وفى المساء أُعيد النظر إلى ما كتبت، أُعدل فيه وأعد مشهدًا للكتابة عنه فى اليوم التالى، أما الآن بعد التقاعد، فالوقت ممتد لكن النظام لم يتغير تقريبًا، وإن لم أَعد أكتب وأنا أجرى مثلما كان يحدث أيام الوظيفة.

■ أعرف أنك تحب التفاصيل العادية للحياة، وأنها هى ما تجعلنا نرى العالم بشكل أوضح أو نفسره كما نفكر فيه، لكنى ألاحظ أن بعض القراء يعتقدون أنه هكذا تصبح القصة بسيطة أو عادية، أشعر بأن هناك خلطًا بين مفهوم الحكاية الجيدة أو الجديدة والكتابة الجيدة أو الجديدة.. كيف ترى ذلك؟

- ليست هناك قصة جيدة بدون كتابة جيدة، هل رأيت تمثالًا موضوعه جيد، لكن تنفيذه غير جيد؟ القصة الجيدة هى القصة المكتوبة بطريقة جيدة، والجودة هنا تعنى الطريقة التى كتبت بها القصة، هناك قصص عادية تمامًا تتحول تحت أصابع الأساتذة إلى نصوص تساعدنا على فهم الحياة، هل هناك أبسط وأكثر درامية من حكاية العائلة فى قصة «الباقى من الزمن ساعة» لنجيب محفوظ، حتى إنك تندهش طول الوقت كيف تحولت هذه الحياة العادية التى نعيشها طول الوقت وأخذت هذه السمة اللامعة واكتست بالمعانى التى لا نراها.

■ قليل من الكتاب والمبدعين الذين يصرحون بأنهم حصلوا على جائزتهم من القراء والنقاد.. هذا ما حدث مع عادل عصمت عبر وصول روايته «الوصايا» للقائمة القصيرة لجائزة البوكر.. حدثنا عن وقع تسريب خبر حصول هدى بركات على الجائزة وكيف أثَّر ذلك على مصداقيتها من وجهة نظرك؟

- لقد كنت نائمًا فى الفندق فى الظهيرة استعدادًا لحفل إعلان الفائز بالجائزة فى المساء، عندما اتصل بى أحد أصدقائى ليخبرنى بأن الجائزة قد حصلت عليها الأستاذة هدى بركات، فى البداية لم أصدق، لكنه أكد لى أن الأمر يبدو حقيقيًا، كنا نعرف منذ البداية- هو وأنا- أن الجائزة ليست من نصيبى، قلت له مازحًا: خلاص احجز لى تذكرة أرجع مصر لا داعى لحضور الحفلة، وضحكنا. بصراحة لم أتوقع أن يمنحونى الجائزة، بشكل ما كنت أقرأ الأجواء ولم أتعشم كثيرًا، ولم يكن هذا أمرًا فادحًا، لأننى أعرف أنها أذواق، وأن الكتابة ليس فيها الأفضل، وأن الأفضل دائمًا نسبى، ويتوقف على نوع ذائقة المحكمين، لهذا تقبلت الأمر. 

أما عن مصداقية الجائزة، قل لى هل هناك جائزة لها مصداقية مطلقة؟ ألم تحجب جائزة نوبل منذ عامين بسبب شكوك حول النزاهة؟ ألم يُشكك فى حصول نجيب محفوظ على نفس الجائزة؟.. دعنا نقول إن مصداقية الجوائز مثلها مثل أخطاء التحكيم فى كرة القدم جزء من اللعبة، بعضها قد يكون متعمدًا وبعضها قد يكون عفويًا، لكننا ما إن نرتضى الدخول فى اللعبة علينا أن نقبل قوانينها بما فيها أخطاء الحكام. 

■ فى الآونة الأخيرة، أصبحت ورش الكتابة وأهميتها ودورها وضرورة وجودها حديث المشهد الثقافى، وسؤالنا.. هل تصنع ورش الكتابة مبدعًا حقيقيًا؟ وما هى نصيحتك من واقع تجربتك مع الكتابة للأجيال الجديدة؟

- ورش الكتابة لا تصنع كُتَّابًا، الكاتب يصنع نفسه بنفسه، الورش تساعد الكُتَّاب الشباب على تطوير وعيهم بفن الرواية وخصوصيتها وتمنحهم إدراكًا للإمكانيات المتاحة فى فن الكتابة، وتنبههم إلى عدد من أساليب الكتابة وتقنياتها، وفى النهاية الكاتب يبقى وحده أمام مهمته، ولن يساعده غير خبرته واستخدام كل ما تعلمه لكى ينتج نصه.

■ ثمة مقولة شائعة بين الأجيال الجديدة، وهى «نحن جيل بلا أساتذة».. كيف ترى هذه الجملة ووقعها عليك؟ ومَن هم الأساتذة الذين أثَّروا وأضافوا فى مشوارك مع الكتابة؟ 

- نجيب محفوظ، مؤسس الرواية الذى وضع بذرتها فى تربة الثقافة العربية، لم يقل إنه بلا أساتذة، بل كان طول الوقت يشيد بأساتذته، فلا أحد يمكنه أن يكتب من العدم، ربما تشير هذه المقولة إلى التمرد أكثر مما تُقرر أمرًا واقعًا، ربما تحمل هذه المقولة فى طياتها إعلانًا، ليس عن أن الكُتَّاب من الأجيال الجديدة لا أساتذة لهم فعليًا، بل تعنى أننا سوف نكتب كتابة جديدة ليست لها علاقة بما أنتجه الكتاب السابقون. من هذه الزاوية عندهم حق، لأن الكاتب يجب أن يخلق موضوعه وأدواته من جديد، وخذ بالك أن هذه المقولة تتردد فى الثقافة المصرية منذ مؤتمر الأدباء فى الزقازيق عام ١٩٦٨، مع كل موجة من الأجيال الجديدة، لكنى أظن أن الكاتب يستخدم كل ما تعلمه من أساتذة فن الرواية لكى ينشئ روايته الخاصة ويضع فيها تصوراته عن الحياة ويختار لها الأشكال الفنية التى تناسبها.

■ صف لى الرواية الجيدة فى جملة واحدة؟

- الرواية الجيدة هى التى تكشف عن جوهر خبرة إنسانية وتلقى ضوءًا على تناقضات قلوبنا وأوضاع حياتنا، وتخلق لهذا شكلًا فنيًا يساعد هذا الجوهر على التجلى.

■ ماذا تريد فعلًا من الكتابة؟ ما الذى جلبته لك؟

- أجاب الأستاذ علاء الديب عن هذا السؤال قائلًا: إنه يريد أن يمسك بلون السماء الزرقاء، وأن ينقل تقلب السحاب الأبيض فيها، سابحًا فى الزرقة، وأنه يريد أن يكتب ظل أوراق الشجر على الجدران، يرسم ضوء القمر. أظننى لن أعطى إجابة أكثر وضوحًا، لذلك الذى يحركنى تجاه الكتابة إنه نفس الشىء، إنها تلك الرغبة الغامضة فى الإمساك بوهج الحياة وتقلباتها وهشاشتها. أما ماذا أعطتنى الكتابة، فقد منحتنى أكثر مما توقعت، ساعدتنى على تحمل سنوات عمرى، وسندتنى فى لحظات الضعف، وفتحت أمامى أفقًا فى لحظات انسداد الطريق، وفى النهاية منحتنى شيخوخة طيبة.