رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نزوات وحكايات غرامية.. كيف تسبب الملك فاروق في إرباك جنازة ناصر؟

جنازة جمال عبد الناصر
جنازة جمال عبد الناصر

«كنت جالسة أمام التلفزيون وكانت نشرة أخبار التاسعة مساء تقرأها المذيعة سميرة الكيلاني، وقالت: "لقد تم الوفاق واختتم المؤتمر أعماله، وغادر الضيوف من الملوك والرؤساء القاهرة، وكان في توديعهم الرئيس وسيغادر الباقي غدًا، فهللت من الفرحة وصفقت بيدي، وكانت ابنتي منى حضرت في هذه اللحظة، وبعد انتهاء نشرة الأخبار، قالت لي: نشاهد يا ماما فيلم في السينما؟ ونزلنا للدور الأرضي".

في مذكراتها ذكريات معه، الصادرة عن دار الشروق عام 2011، حكت تحية جمال عبد الناصر زوجة الرئيس الأسبق، عن اللحظات الأخيرة في حياته، وبدأتها بهذا المشهد.

في العاشرة والنصف مساءً أبلغ السفرجي "تحية" بوصول "جمال"، فتركت ابنتها منى تشاهد الفيلم، وتوجهت لغرفة الرئيس، صافحته بحرارة، وتناولا العشاء سويًا، وحضر ابنه خالد، وتبعته منى، وصافحاه وتحدثا معه قليلًا، إلى أن بدأ حديثه في التلفون للثانية عشرة، وتوجه للنوم، وأبلغها أنه سيتوجه في الصباح لتوديع الملك فيصل وأمير الكويت.

في الثامنة صباحًا، استيقظ عبد الناصر وحضر الطبيب الخاص، وكانت "تحية" تستعد لدخول حجرته للتناول الإفطار، لكنه أبلغها أنه سيتوجه للمطار، ولم يتناول سوى الفاكهة فقط.

عاد ناصر في الثانية عشرة، وحضر طبيبه الخاص، وأجرى له فحص رسم قلب، ولم تدخل "تحية" في هذا الوقت، قالت في مذكراتها: "لم أدخل له الحجرة، ثم بعد ذلك خرج الرئيس مرة ثانية لتوديع أمير الكويت".

وبعد عودته في الثالثة بعد الظهر، طلب الرئيس "عبد الناصر" من زوجته "تحية" أن تجلس بالقرب منه على السرير، وسألها: "هل تناولت الغداء يا تحية؟"، قالت: نعم، مع الأولاد، فقال: "أنا مش هتغدى"، وأشار إليها بيده أن تبقى جالسة كما هى، وظل "عبد الناصر" حوالي عشرة دقائق لم يتكلم.

حضر الدكتور الصاوي حبيب، وأذن له الرئيس بالحضور، وخرجت "تحية" كعادتها عند دخول الأطباء، وأحضرت كوبا من عصير البرتقال والليمون، جهزته بنفسها كما قالت في مذكراتها، وحملته إلى الحجرة، وبعد دقائق، حضر الدكتور منصور فايز، فقالت له: "انت جيت له يا دكتور دلوقتي، أنا لما بشوفك بعرف إن الرئيس تعبان وبكون مشغولة"، فأجابها "الصاوي": "أنا معتاد أن أحضر كل أسبوع في يوم الاثنين واليوم الاثنين".

الأطباء عند "عبد الناصر"، و"تحية" في الخارج تستمع إلى نشرة الأخبار في إذاعة لندن من خلال الراديو.

بعد دقائق أبلغها "فايز" أن الرئيس حالته تحسنت، وأذن لها بالدخول إن أرادت، لكن بعد دقائق جرى الدكتور "الصاوي" ناحية غرفة الرئيس، ومنعهم من الدخول، ثم حضر طبيب ثالث يحاولون علاجه، وبقيت "تحية" تبكي، وخرجت من الغرفة حتى لا يراها "عبد الناصر"، ثم حضر حسين الشافعي، محمد حسنين هيكل، وكل واحد منهم يدخل الحجرة ولا يخرج منها، وهي على حالها، تبكي في حجرة المكتب.

تصف "تحية" نفسها في هذه اللحظات، تقول: "كنت أمشي، وأقول جمال جمال"، ووجدت الكل يخرج وينزل السلالم، فدخلت بسرعة، رأيت حسين الشافعي يخرج من الحجرة يبكي، ويقول: مش معقول يا ريس، وحضر خالد وبعده عبد الحكيم في هذه اللحظة، ولم يكن في البيت، ولا يدرون شيئًا، ودخلا مسرعين، وحضرت هدى وكانت لا تعلم بما جرى بعد ذهابها لبيتها".

دخلت "تحية" إلى حجرة الرئيس، تقبله وتبكي، ثم خرجت من الحجرة، لتستبدل ملابسها وترتدي ملابس الحداد، وجرت مسرعة إلى الدور الأول ووجدت الكل، الأطباء والسكرتارية وحسنين هيكل، وحسين الشافعي، وأنور السادات كان قد حضر.

اختلف الحاضين حول مكان خروج جنازة "عبد الناصر"، إذ  رفض البعض خروج الجنازة  من قصر القبة الجمهوري بحجة أن الملك كان يمارس فيه نزواته النسائية ويعيش في حجرته حكايات غرامية، ولا تخلو منها النساء ليلًا، فلا يمكن أن يخرج الرئيس من مكان خطايا الملك فاروق. أما الفريق الثاني، رفض خروج الجنازة من  مسجد الأزهر الشريف. 

استقر الرأي في النهاية على أن جنازة الرئيس جمال عبد الناصر ستخرج من مقر مجلس قيادة الثورة بكورنيش النيل، رغم اعتراض فريق ثالث على أساس أن الثورة لم تخرج من هذا المكان الذي لا يدل على أية رموز تاريخية.