رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الناقد لمغربي عبد الرحيم جيران يحاور منى حبراس السليمية "2-2"

«حوار بين جيلين»: منى حبراس السليمية: من المبكر الزعم أن لدينا نقدا في عمان

منى حبراس السليمية
منى حبراس السليمية

 

في الحلقة الفائتة تحدثت الكاتبة والباحثة العمانية منى حبراس السليمية  عن أهمية ودور التواصل بين الأجيال، ورفضها لفكرة القطيعة التى يرفعها البعض من جيل الشباب مع الكبار، إلى جانب ذلك اشارت الى دور المتابعة والبحث الجدي والانفتاح على الآخروالاشتباك معه، وتابعت حديثها حول دور النقد الثقافي وحاجته إلى ضوابط حتى لايتحول إلى أداة مائعة 

 

"الدستور" تقتح الحوار بين جيلين؛ جيل الناقد الروائي والشاعر المغربي  عبد الرحيم جيران   بكل ما حققه من انتصارات وانتشار، وجيل الشباب و وتمثله الكاتبةوالباحثة العمانية منى حبراس السليمية وتجيب عن اسئلة الناقد عبد الرحيم جيران.

 

 

ما هي آفاق منى على مستوى النقد؟ ما الذي أنت في طور إنجازه حاليا أو ما الذي تفكرين  في إنجازه؟ أستقصرين دراساتك على الرواية أم ستوسعينها في اتجاه أجناس أدبية أخرى كالقصة القصيرة والشعر؟

 

في البال مشاريع وأفكار كثيرة كانت مؤجلة، لا سيما بعدما أنهيت مرحلة الدكتوراه. لدي مشروع أرجو أن يكتمل قريباً يتناول التجربة الروائية العمانية، وهو عبارة عن نظرة بانورامية في هذه التجربة تتوقف عند أهم ملامحها ومحطاتها ومنعطفاتها. كما أنني أشتغل على مشروع بدأته منذ زمن وآمل أن يكتمل قريباً، أدرس فيه تجربة الروائي الكويتي سعود السنعوسي من خلال مجمل ما كتب. في تتبعي روايات السنعوسي أكتشفُ رؤية خاصة، وخيطاً رفيعاً يشد أعماله كلها على الرغم من اختلاف عوالمه من رواية إلى أخرى، وأجدني منغمسة في تفكيك هذه العوالم للإمساك بهذا الخيط الذي يشكل المفتاح الذي يتيح قراءة منجز السنعوسي، بما يجيب عن الكثير من الأسئلة التي يثيرها إبداعه. 

 

أما سؤالك عن احتمالية توسيع دراساتي لتشمل الأجناس الأخرى، فلدي شغفٌ بالقصة القصيرة والقصة القصيرة جداً، ولدي افتتان كبير بفن السيرة الذاتية. أما الشعر فأنا عاشقة له بصفتي قارئة، ولا أنوي مقاربته بقصد الدراسة والبحث، على الرغم من أني أحتفظ بمسودات عدد من الدراسات التي أنجزتها في الشعر، ولا أنوي نشرها. بيد أني أظن - وقد أكون مخطئة - بأن التخصص في دراسة أجناس بعينها يساعد الباحث الشاب على الإحاطة بعدّته المعرفية، ويمكّنه من اختبار إمكانياته بنحو أكثر تركيزاً، ولا أنكر قدرة بعضهم على الجمع بين الأجناس الأدبية كلها.

 

لقد قرأت لك مؤخَّرًا نصًّا سرديًّا جميلًا حول المرأة العجوز الجارة، ويُنبئ عن جانب من شخصيتك الأدبيَّة. ألّا تُفكِّر منى أن تقتحم مجال الحكي، رواية كان أم قصَّة قصيرة؟

 

يسعدني أن نص "من دخل غرفتها فهو آمن" عن جارتنا ”أمي أسما“، المنشور في عدد يونيو 2021 من نشرة التقدمي البحرينية، قد نال إعجابك. في الواقع لقد دأبت خلال فترات على كتابة عدد من النصوص الأدبية التي تعتمد بشكل أساس على مخزون الذاكرة، فأدوّن بورتريهات لأشخاص حفروا حضورهم في حياتي، أو أكتب حكايات الأماكن التي عشت فيها، وأشياء كانت لها قيمة مميزة عندي، ثم فقدتها لسبب أو لآخر. عندما أكتب عن كل هذا فأنا أدوّن ذاكرتي التي يلازمني قلق فقدها ذات يوم فأصبح بلا ذاكرة. أنا أكتب كي لا أنسى، وكي لا تُنسى أمي أسما، وأمي ميمونة، وحمدونا، وزينة وخلف، وآخرون ممن كتبت عنهم نصوصاً جمعتُها مؤخراً في مشروع كتاب أسميته "ظل يسقط على الجدار"، وأرجو أن يرى النور قريباً. 

 

أما اقتحام مجال الحكي فهو رغبة تراودني دائماً، وبسببها أواظب على كتابة بعض النصوص القصصية القصيرة والقصيرة جداً، وفي البال عبارةٌ أرددها دائما، وهي: ”لا بد أن أكتب رواية قبل أموت"، رواية واحدة فقط، فأنا لا أحلم بكتابة الكثير من الروايات، ولكن رواية واحدة جيدة تكفيني. ولكن من يضمن أنني بعد تلك الرواية لا أشعر أنه لا بد من رواية أخرى؟ ولكن الآن على الأقل في البال رواية واحدة، وقد شرعت في كتابتها فعلاً منذ مدة ليست بالقصيرة. وعلى الجانب الآخر أُراكم عدداً من النصوص القصصية، التي متى ما شعرت أنها جاهزة للنشر، فلن أتردد في الدفع بها إلى القراء.

 

– أعرف- حسب مواكبتي الأدب العمانيّ الحديث أنَّ هناك زخْمًا قويًّا على مستوى الإنتاج الأدبيّ- التخييليّ، وبخاصَّة في مجال الرواية؟ وأظنُّ أنَّ الكاتبة العمانيَّة والكاتب العمانيّ أكثر تميُّزًا في منطقة الخليج وأكثر جرأة، فما هي العوامل التي أفضت إلى هذا التميُّز؟ 

 

أتصور أن الإنتاج الروائي الغزير في عمان مؤخراً كان حصيلةً لمجموعة من الظروف، ليس أولها المزاج الثقافي العام الذي دفع غالبية الكتاب -المتحققين منهم والشباب- إلى كتابة الرواية، وليس آخرها الاتكاء على الإرث التاريخي والثقافي اللذين يجد فيهما الكاتب العماني مادة خصبة لكتابة الرواية، فضلاً عن سهولة الوصول إلى قنوات النشر، سواء عبر دور النشر المعروفة، أو عبر وسائط النشر الأخرى. أما تميّز الكاتبة العمانية والكاتب العماني فلا أستطيع أن أقطع به معزولاً عن بقية المنجز الخليجي في الأقطار الأخرى، وأحسب أن أسماء مهمة أيضا برزت في البحرين والكويت والإمارات، وبطبيعة الحال في السعودية. غير أن بوكر جوخة الحارثي هو الذي أعلى كعب الرواية العمانية إلى حد ما ولفت الأنظار إليها، وهذه ميزة الجوائز على الرغم من كل شيء، وأظنها قدمت فائدة كبيرة بلفت أنظار العالم إلى أدب هذه البقعة التي بقيت طويلاً خارج المنظور العام الذي يركز دائماً على أدب المركز.

 

–  ما هي مواصفات النقد العمانيّ، وما هو مستقبله؟ 

 

لا أعرف إذا كان مشروعا أن نقول "النقد العماني" أو "النقد المغربي" أو غيره، ولكن النقد في عمان ما يزال يتلمس طريقه، وما يزال من المبكر الزعم أن لدينا نقدا في عمان. في الواقع -والحال ينطبق على غير عمان أيضاً- لا يوجد نقد له مواصفات بعد، أو هوية واضحة، ولكنها اجتهادات فردية يصعب القول إنها تشكّل حركة نقدية حتى. وأحسب أن مستقبل النقد في بلدي مرهون بعدة عوامل إذا ما توفرت يمكنه أن ينهض بدور ملموس، وأولها عدم فصل النقد الأدبي عن غيره من أشكال النقد بدءاً من السياسي، وانتهاء بأبسط أشكال النقد، والتي تحتاج إلى بيئة تنتجه، وتتلقاه، وتتعامل معه بإيجابية بصفته ضرورة، وبدونه تتعطل سيرورة الحضارة. وليس ثانيها أنه ليس على المؤسستين الثقافية والأكاديمية أن تقفا مكتوفتي الأيدي أمام أزمة النقد الحقيقية وقد شخَّصتا عوارها ومأزقها، فالمنطق يحتم القيام بشيء ما لقيام حركة نقدية فاعلة ومؤثرة، فضلاً عن الحاجة إلى استنبات الباحثين والنقاد في شتى المجالات؛ لأن النقص الذي يُعمد إلى سده في أعداد المهندسين والأطباء وغيرهم من حقول المعرفة الطبيعية، لا بد أن يُسد كذلك في أعداد الباحثين في العلوم الإنسانية بمختلف تفرعاتها بما فيها النقد والإبداع.