رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تاريخ لن ننساه (4)

اغتيال الدكتور الذهبي

 كان من الممكن لحادث الكلية الفنية العسكرية، أن يؤثر في تفكير الرئيس السادات. ويجعله يتراجع عن تشجيع التيار الديني، غير أن الرجل تغاضي عما حدث. بل وبدأ في الاستماع إلى تقارير مباحث أمن الدولة، التي تقول معلوماتها المؤكدة أن بعض المثقفين والعمال والطلبة يعتنقون الفكر الماركسي، ويقومون بنشره بين الطلاب والقواعد الشعبية في الجامعات، ويعملون على إثارة الشغب وتحرير مجلات الحائط المناهضة التي تهاجم قيادة الدولة وانتقاد نظام الحكم الحالي. كما بدأ في مطاردة فلول اليسار، وبقايا الشيوعية، اعتقادا منه أنهم يريدون هدم حكمه، والتخلص منه، بناء على تخطيط محكم. ولم يتنبه جهاز مباحث أمن الدولة إلى تنظيم التكفير والهجرة الذي تشكل وبدا في ممارسة نشاطه الإجرامي. 

كانت أولى العمليات التي قام بها تنظيم التكفير والهجرة هي اغتيال الشيخ محمد سيد حسين الذهبي وزير الأوقاف في عام 1977 في أيام السادات. والتي برهنت بشكل كبير على عدم كفاءة الأمن المصري في ذلك الوقت وتخبطه.

والدكتور الذهبي تخرج من الأزهر الشريف وحصل على شهادة الدكتوراه وعين أستاذا في جامعة الأزهر. وتقلب في مناصب التدريس في الجامعة الأزهرية. ومن أهم مؤلفاته كتاب التفسير والمفسرون: وفيه نقد لمناهج أهل البدع والأهواء كالصوفية والخوارج والمعتزلة والشيعة ومن نحا نحوهم من أصحاب المذاهب، وبعد وفاته قام ورثته بنشر كتيبات أهمها. الإسرائيليات، نور اليقين في هدي خاتم النبيين، وجوب الاحتكام إلى شريعة الله، ومشكلات الدعوة والدعاة. والكتاب الأخير عبارة عن تقرير كان قد قدمه لمجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية عن فساد الدعوة في المساجد ووضح فيه أسباب هذا الفساد. كما أصدرت وزارة الأوقاف في عهد الدكتور الذهبي كتاب ليس من تأليفه يهاجم الجماعات المتطرفة.

وفي التعديل الوزاري الذي أجراه السادات عام 1977 خرج الشيخ الذهبي من الوزارة، بعد أن تقدم بلاغ إبان توليه الوزارة اتهم فيه عدد من المسئولين الكبار في وزارة الأوقاف، بأنهم باعوا بعض الأراضي التابعة للوزارة بقيمة تقل كثيرا عن قيمتها الحقيقية، ولما خرج الشيخ من الوزارة كان مطلوبا للشهادة أمام محكمة الجنايات في أكتوبر 1977.

وفي 3يوليو 1977 في الساعة الثانية ظهر وعشر دقائق، قامت جماعة مسلحة باختطاف الشيخ الذهبي من منزله في ضاحية حدائق حلوان في الساعة الثانية وعشر دقائق صباحا واقتادوه إلى سيارة فيات كانت تنتظرهم أسفل المنزل. ادعى المختطفون أنهم من رجال الشرطة، وعندما حاولت الحراسة المعينة على منزل الشيخ -باعتباره وزيرا سابقا- قاموا بإطلاق النيران تجاههم. 

الغريب أن السيارة التي كانت تقل الخاطفين ومعهم الشيخ فتركوها، واستقلوا سيارة أخري استوقفوها لهذا الغرض. فر أحد المسلحين ووقع قائد السيارة التي تعطلت في قبضة الجيران الذين استيقظوا على صراخ ابنة الشيخ وإطلاق النيران، كما قام الأهالي بتفريغ إطارات السيارة التي تعطلت. 

في الساعة الثانية والربع اتصلت ابنة الشيخ ببوليس النجدة وأبلغت عن الحادث. كما قامت بعدها بالاتصال بالصحفي السوري نشأت التغلبي، من أصدقاء الشيخ، لطلب معونته لسرعة إحضار رجال الأمن. وعلى الفور وصل الصحفي الي منزل الشيخ. 

في الساعة الرابعة - بعد الحادث بساعتين-  وصل ضابط شرطة ومعه أربعة من الجنود. وتوالى بعدها وصول رجال الأمن والمحققين ورجال السلطة والنيابة.

أعلن المختطفون عن طريق وكالات الأنباء، بأنهم من جماعة التكفير والهجرة، وأن لهم مطالب لدي الدولة مقابل الإفراج عن الشيخ الذهبي وتركزت هذه المطالب في:

  • الإفراج عن جميع المضبوطين من أعضاء الجماعة.
  • دفع مبلغ مائة وخمسين ألف جنية كتعويض عما أصاب الجماعة من أضرار بسبب الإجراءات الأمنية السابق اتخاذها حيالهم.
  • اعتبار أن القضايا السابق اتهام أعضاء بها كان لم تكن.

في البداية حاولت الدولة الاستجابة لمطالب المختطفين. وتطوع عثمان أحمد عثمان، أحد رجال الأعمال القريبين من الرئيس السادات، أن يجهز المبلغ المطلوب على أن تتولي الدولة تنفيذ ما يخصها في باقي المطالب. 

بعد الاستعانة بعض المسجونين من أفراد الجماعة، وتم القبض على أفراد الجماعة وضبطت لديهم أوراق تنظيمية. وتبين وجود طفل صغير، كما عثر على أثار تدل على وجود شكري مصطفي زعيم جماعة التكفير والهجرة. وفي اليوم التالي تم ضبطه. كما تم القبض علي عضو آخر بالجماعة، وعندما أمسكه رجال الأمن حاول ابتلاع ورقة وعندما أخرجوها من فمه تبين أن بها تكليف لأحد أفراد التنظيم بالتخلص من الجثة وإلقائها في ترعة المريوطية بعد وضع كمية من النشادر بها. وكشفت التحريات عن مكان وجود الشيخ المحتجز في شقة بأحد الشوارع الجانبية بشارع الهرم. وعندما توجهت القوات إلى المكان تبين وجود جثة الشيخ ملقاة على أحد الأسرة، وقد أصيب بطلق ناري وصل إلى المخ.

كشفت التحقيقات أبعاد التنظيم بالكامل ومخططاتهم وأهدافهم، وتم اعتقال كافة أفراده، وقامت الشرطة بالاتصال بالمسئولين في المؤسسات الدينية الأزهر والأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والمجلس القومي للبحوث الجنائية وطلبوا منهم المساعدة العلمية عن أسباب انتشار تلك الأفكار في أوساط الشباب، كان هذا في عام 1977.

وقدمت القضية إلى المحكمة العسكرية وحكم بالإعدام على كل من:

  • شكري أحمد مصطفي.
  • ماهر عبد العزيز بكري.
  • محمد عبد المقصود السيد غازي.
  • احمد طارق عبد العليم.

كما حكمت المحكمة العسكرية على باقي أعضاء التنظيم بعقوبات تتراوح بين الأشغال الشاقة المؤبدة والسجن سنة.

وقد خرجت تلك الأبحاث والندوات التي عقدت بنتائج أهمها:

  • أن تلك الأفكار ليست بجديدة علي الإسلام.
  • إن المؤسسات الدينية في مصر ليست لديها اهتمامات بالبحث فيما يسوقه هؤلاء من أدلة على صحة أفكارهم.

وبدأ مسلسل القتل الذي عانت منه مصر الكثير، كما عانت منه حرية التعبير أكثر.

يتبع