رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: شفرة 30 يونيو «7».. .. 100 حكاية من قلب ثورة المصريين على الجماعة الإرهابية

محمد الباز
محمد الباز

الحكاية «31» مرسى يُغازل شباب الثورة بعزل النائب العام.. وعبدالمجيد محمود: قرار غير دستورى

كانت الأنفاس تتلاحق فى انتظار حكم محكمة جنايات القاهرة فى قضية الاعتداء على المتظاهرين فى موقعة الجمل، التى جرت وقائعها فى ٢ و٣ فبراير ٢٠١١. 

تحدد للحكم يوم ١٠ أكتوبر ٢٠١٢، وفى هذا اليوم قضت المحكمة ببراءة المتهمين مستندة إلى أن أوراق الدعوى خلت من أى أدلة مادية تثبت أن أيًا من المتهمين شارك بالقول أو بالفعل فى ارتكاب جريمة قتل المتظاهرين، كما خلت من أى أدلة تقطع بأن أيًا منهم حرّض بالقول أو الفعل أو بدفع أموال للهجوم على المتظاهرين. 

نزل حكم المحكمة على شباب الثورة كالصاعقة، ما دعا عددًا كبيرًا منهم إلى الدعوة إلى التظاهر فى ميدان التحرير فى يوم الجمعة ١٢ أكتوبر ٢٠١٢، وكان الاحتجاج فى الأساس ليس على حكم المحكمة، ولكن على محمد مرسى الذى كان قد وعد شباب الثورة بأن يقتص ممن اعتدوا على المتظاهرين فى أول ١٠٠ يوم من حكمه. 

حاولت الجماعة أن تخفف من الضغط الشعبى عليها، فبدأت فى التخطيط لإصدار قرار يمتص غضبة الشارع المشتعل، فأوحى مكتب الإرشاد صباح الخميس ١١ أكتوبر ٢٠١٢ لمحمد مرسى بأن يصدر قرارًا بعزل النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، فى إشارة إلى تحميله مسئولية الحكم ببراءة المتهمين فى موقعة الجمل، على اعتبار أن الأوراق التى قدمها للحكمة لم تكن كافية، وبذلك تجهض تحركات شباب الثورة ضدها. 

كانت الحملة الإعلامية الإخوانية مركزة ومكثفة، فقد سارعوا إلى الإيحاء بأن النائب العام يتحمل مسئولية عدم تقديم أدلة دامغة فى موقعة الجمل تُمكّن من إدانة المتهمين، وزعموا أنه فرط فى دماء الشهداء. 

مارس الإخوان تدليسهم المعروف عنهم، فرغم أنهم كانوا يعرفون أن النائب العام لا علاقة له من قريب أو بعيد بهذه القضية، فقد تولى التحقيق فيها قضاة تحقيق تم انتدابهم بقرار من وزير العدل، إلا أنهم وضعوا المسئولية فى عنق المستشار عبدالمجيد محمود لأنهم كانوا يريدون التخلص منه، وبذلك يضربون عصفورين بحجر واحد.. التخلص من النائب العام وكسب ثقة شباب الثورة من جديد. 

فى هذا اليوم كان مندوبو الصحف فى قصر الاتحادية يباشرون أعمالهم، وقبل انصرافهم بقليل طلبوا منهم أن يظلوا فى القصر لحضور مؤتمر صحفى تعلن فيه قرارات مهمة. 

بعد دقائق قليلة وقف أحمد عبدالعاطى، مدير مكتب محمد مرسى، فى المؤتمر الصحفى ليعلن قرارًا يقضى بتعيين المستشار عبدالمجيد محمود سفيرًا لمصر فى دولة الفاتيكان، وأنه تم تكليف أحد مساعدى النائب العام للقيام بمهامه حتى يتم تعيين نائب عام جديد خلال أيام قليلة. 

كان التعليق الأول من النائب العام عبدالمجيد محمود على هذا القرار أنه لم يطلب تعيينه سفيرًا للفاتيكان، ولن يقبل بغير منصب النائب العام، لأن قرار مرسى غير قانونى وغير دستورى، فقانون السلطة القضائية لا يجيز عزله أو إقالته من منصبه بقرار من السلطة التنفيذية. 

لم يكتف عبدالمجيد محمود بالتصريحات الصحفية، بل أصدر بيانًا قال فيه إنه باقٍ فى عمله طبقًا لقانون السلطة القضائية الذى ينص على عدم جواز عزل النائب العام أو نقله من وظيفته إلا بناء على طلبه، وأن خدمته لا تنتهى إلا ببلوغ سن التقاعد. 

فى البيان أيضًا كشف عبدالمجيد محمود عن أن المستشارين أحمد مكى، وزير العدل وقتها، وحسام الغريانى، رئيس مجلس القضاء الأعلى، مارسا عليه ضغوطًا لترك منصبه. 

 

الحكاية «32» القضاة يجبرون الرئيس الإخوانى على التراجع.. والشيخة: سنعزله من جديد 

لم يترك القضاة المستشار عبدالمجيد محمود وحده، مساء الخميس ١١ أكتوبر ٢٠١٢ دعا المستشار أحمد الزند، رئيس نادى القضاة، فى اجتماع طارئ عقده أعضاء مجلس إدارة نادى القضاة، إلى عقد جمعية عمومية صباح الجمعة ١٢ أكتوبر لمناقشة تداعيات عزل النائب العام من منصبه. 

صباح الجمعة احتشد القضاة فى ناديهم ونددوا بالقرار وأكدوا أنهم لن يستسلموا للتوغل على سلطة القضاء، وهو ما جعل رئاسة الجمهورية تتراجع عن القرار، وفى ١٣ أكتوبر ٢٠١٢ أعلن وزير العدل محمود مكى، نائب رئيس الجمهورية، عن أن المستشار عبدالمجيد محمود باقٍ فى منصبه، وأنه لم يصدر قرار عن الرئاسة بإقالته، وله مطلق الحرية فى قبول أو رفض منصب السفير. 

تراجع الرئاسة عن القرار لم يكن سهلًا، ولم يتم إلا بعد لقاء جرى فى قصر الاتحادية بين محمد مرسى وعبدالمجيد محمود، وهو اللقاء الذى حضره أعضاء مجلس القضاء الأعلى. 

بعد أن انتهى اللقاء طلب محمد مرسى أن ينفرد بالنائب العام، وعندما جلس إليه قال له: إيه أخبار القضايا اللى عندك؟ 

أبدى النائب العام دهشته، وسأل مرسى: زى إيه؟ 

فقال مرسى: قضية البلتاجى وأسامة ياسين واتهامهما بالمشاركة فى موقعة الجمل، وأيضًا البلاغات المقدمة ضد بعض الإعلاميين. 

لم يرد النائب العام، فواصل مرسى كلامه: أريد منك أن تتصل بى لمناقشة بعض هذه القضايا. 

وهنا تحدث محمود، قال: أمور القضايا لا علاقة لها بالسياسة، وقراراتنا من وحى ضميرنا واستنادًا إلى القانون. 

لم يعلق مرسى، اكتفى بأن قال: طيب.. اتصل بمحمود مكى، نائب الرئيس. 

فرد النائب العام: إذا كان هناك ما يستدعى ذلك فسأفعل، لكن بعيدًا عن سير التحقيقات. 

كان غريبًا بعد أن انتهى الاجتماع أن يقف أسعد الشيخة، نائب رئيس الديوان، ابن شقيقة مرسى، بين عدد من كبار موظفى القصر ويقول: «همّا افتكروا إنهم أجبرونا على قرار عودة النائب العام، هذا غير صحيح، وأنا أتعهد أمامكم بأنه لن يمر شهر إلا ويتم عزل المستشار عبدالمجيد محمود نهائيًا». 

وهو ما يكشف أن الإخوان كانوا يجهزون لخطة بديلة لعزل النائب العام، وهو ما جرى بالإعلان الدستورى الذى أعلنه مرسى فى ٢٢ نوفمبر ٢٠١٢. 

 

الحكاية «33» العريان يهدد النائب العام بتسجيلات الرئاسة.. والمتحدث الرسمى: لا يمثل إلّا نفسه

كان المستشار عبدالمجيد محمود قد تولى منصبه نائبًا عامًا فى ٢ يوليو ٢٠٠٦، وظل يمارس عمله حتى قامت ثورة يناير التى جعلته فى مواجهة سهام الاتهام من الجميع، رغم أنه كان يقوم بعمله لا أكثر ولا أقل، فهو يحكم بالأوراق التى بين يديه. 

وعندما تواصلت معه بعد سنوات من الثورة، قال لى إن هذه السنوات كانت معاناة كاملة بالنسبة له، لأنه كان مطاردًا طول الوقت باتهامات تليفزيونية، يخرج أحدهم ويسأل: أين النائب العام؟! ويطالب بالتحقيق فى اتهامات مرسلة لا دليل عليها، وبعد ذلك يتهمونه بالتقصير. 

وصل مرسى إلى الحكم، وكان طبيعيًا جدًا أن تنفجر الأزمة مع النائب العام. 

كانت هذه هى الأزمة الأولى بين النائب العام والإخوان، وكانت وراءها كواليس وتفاصيل وأسرار. 

أكد عبدالمجيد محمود أنه تعرض لضغوط من أحمد مكى وحسام الغريانى.. ونفت الجماعة أى تكون هناك أى ضغوط، بل ذهبت إلى أن النائب العام كان قد قبل بالفعل تعيينه سفيرًا بالفاتيكان ثم تراجع، ولم يكن ذلك حقيقيًا. 

دخل عصام العريان على خط الأزمة، حاول أن يرهب عبدالمجيد محمود بتلميحه إلى أن المكالمات التى جرت بينه وبين مكى والغريانى تم تسجيلها، فى إشارة إلى أن النائب العام لا يقول الحقيقة، وأنه مدان فى الأزمة.

العريان غرّد فى البداية على حسابه الشخصى بـ«تويتر» بأن الرئاسة توثق قراراتها ولقاءاتها عن طريق تسجيل ما يُدار خلال هذه اللقاءات. 

وعندما وجد أن الأمور ستنقلب عليه، وسيجرى التحقيق معه بتهمة ادعائه تسجيل المكالمات، عاد ليغرّد من جديد قائلًا: «إلى الكذابين الذين يتنفسون كذبًا، لم أقل إن الرئاسة تتنصت على مكالمات النائب العام، بل طالبتها بتوثيق كل مكالماتها الرسمية التى تصدر عنها قرارات».

لم يترك المستشار عبدالمجيد محمود تصريح العريان يمضى كما تمضى تصريحات أخرى له، لأنها بلا عقل ولا منطق، أرسل إلى الرئاسة خطابًا رسميًا، يطلب فيه من رئيس ديوان رئيس الجمهورية موافاته بما إذا كان العريان يشغل وظيفة برئاسة الجمهورية، تتصل اختصاصاتها بإجراء هذه التسجيلات من عدمه.

لم تكذب الرئاسة خبرًا، غسلت يديها من تقولات العريان على الفور عبر متحدثها الرسمى ياسر على، الذى نفى قيام رئاسة الجمهورية بتسجيل الاتصالات الهاتفية التى تتم بينها وبين المسئولين والأفراد، وأضاف، ربما مكايدة للعريان وتأديبًا له على جرأته: إن الكلام الذى تردد فى هذا الشأن غير صحيح تمامًا، وإن رئاسة الجمهورية لا يمثلها فى الحديث للرأى العام إلا رئيس الجمهورية أو نائبه أو المتحدث الرسمى. 

ما جرى بالفعل أن من قاما بالمكالمات مع النائب العام هما المستشار أحمد مكى، وزير العدل، والمستشار حسام الغريانى، رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس الهيئة التأسيسة ورئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، وهى المكالمات التى قيل إن لبسًا كبيرًا وحادًا حدث فيها، فكل طرف يتبنى وجهة نظر فيما جرى خلال هذه المكالمات، ولا يمكن التأكد مما جرى إلا بعد سماع المكالمات. 

أكدت رئاسة الجمهورية أنها لم تسجل أى مكالمات.. لكن لا يعنى هذا أنها ليست موجودة.

فالشاهد أنه وفى أزمة النائب العام تحدث مكى والغريانى إلى النائب العام عبر تليفوناتهما المحمولة، وهو ما يجعل من الجائز جدًا التنصت على المكالمات وتسجيلها.

 

الحكاية «34» الإخوان يعزلون النائب العام مرة أخرى.. وعبدالمجيد محمود: لماذا لا يفتحون ملف فتح السجون؟ 

لم يكن ما قاله أسعد الشيخة عن قرار الإخوان بعزل النائب العام مجرد رد فعل على إجبار الرئاسة على التراجع عن عزله الأول فى أكتوبر ٢٠١٢، بل كان فى الغالب تعبيرًا عن خطة محكمة ونيّة مبيتة، فلم تكن الجماعة قادرة على العمل فى ظل وجود عبدالمجيد محمود فى مكتب النائب العام. 

فى ٢٢ نوفمبر ٢٠١٢ نفذت الجماعة خطتها. 

فى البيان الدستورى الذى أعلنه ياسر على، المتحدث الرسمى باسم الرئاسة، الذى كان يمنح مرسى كل الصلاحيات والسلطات، كانت المادة الثالثة منه هى: يُعيّن النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب، ويشترط فيه الشروط العامة لتولى القضاء، وألا تقل سنه عن ٤٠ سنة ميلادية، ويسرى هذا النص على من يشغل المنصب الحالى بأثر فورى. 

كان المعنى الواضح لهذه المادة هو عزل عبدالمجيد محمود من منصبه، وبالفعل صدر القرار الذى كان بمثابة عدوان واضح على قانون السلطة القضائية. 

فى اللحظة التى كان متحدت مرسى الرسمى يعلن إعلانه، كان المستشار عبدالمجيد محمود يتابع وقائع ما يحدث من مكتبه، وبعد أن استمع إلى المادة التى تقرر عزله طلب خفض صوت التليفزيون، وبدأ فى جمع أوراقه ومتعلقاته وانصرف دون أن يتحدث مع أحد. 

فى اليوم التالى مباشرة التقى محمود عددًا من مساعديه وأصدقائه المقربين فى بيته، وجدوه غاضبًا جدًا، وكان قراره لهم الذى أبلغهم به: أنا لن أستسلم وسألجأ إلى دائرة رجال القضاء للطعن على هذا القرار. 

التحرك الأول للنائب العام كان المشاركة فى الجمعية العمومية التى عقدها القضاة يوم السبت ٢٤ نوفمبر ٢٠١٢، والتى حضرها ٧ آلاف قاضٍ. 

خرج القضاة من هذه الجمعية بقرارات واضحة وحاسمة تتابعت منذرة لمحمد مرسى. 

طالبوا بإلزام مجلس القضاء الأعلى بتبنى جميع القرارات التى تصدر عن هذه الجمعية وتنفيذها فورًا، وفى حالة اعتبار أن المجلس غير مختص بتطبيق هذه القرارات سيتم سحب الثقة منه. 

وخاطبوا محمد مرسى بضرورة إلغاء الإعلان الدستورى، وما تترتب عليه من قرارات بعودة المستشار عبدالمجيد محمود إلى منصبه. 

وناشدوا المستشار طلعت عبدالله، الذى تم تعيينه فى المنصب ودخل مكتبه مساء الخميس فى حراسة شباب الإخوان، بالاعتذار عن منصبه فورًا. 

دعا القضاة أيضًا الجمعيات العمومية للمحاكم وأعضاء النيابة العامة إلى تعليق العمل على ألا يضر هذا التعليق بمصالح المواطن، كما شددوا على أنه سيتم شطب مَن لا يلتزم بالقرار من الجمعية العمومية للقضاة.

وقبل أن تنفض هذه الجمعية العمومية، أعلن المستشار عبدالمجيد محمود عن تمسكه بمنصب النائب العام وأنه سيلجأ إلى القضاء. 

التحرك الثانى للنائب العام كان كتابته بيانًا وتوزيعه على أعضاء الجمعية العمومية للقضاة، حرص فيه على التأكيد على عدد من الثوابت، هى: 

أولًا: إنه بغض النظر عن شرعية وعدم شرعية الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس وما تضمنه من أحكام فى حقيقتها تهدف إلى تعطيل عمل السلطة القضائية، فإننى أترك هذا الأمر للجهات القضائية المختصة لتقول كلمتها ومدى شرعية هذا الإعلان وما تمخض عنه من قرارات منعدمة، باعتبار أن جهة القضاء المختصة هى صاحبة الاختصاص الأصيل دون غيرها فى تكييف هذا الإعلان الدستورى، ومدى مطابقته للدستور والقانون. 

ثانيًا: إننى إذ أعلن عن تمسكى بجميع النصوص الدستورية والقانونية وفى مقدمتها قانون السلطة القضائية رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ وتعديلاته فيما يتعلق بمنصب النائب العام، فقد قررت اللجوء إلى الجهات القضائية المختصة لإصدار حكمها فيما يتعلق بقرار رئيس الجمهورية، بعزل النائب العام وتعيين نائب عام جديد. 

ثالثًا: أعلن أمام الجميع عن مسئوليتى الكاملة عما يتعلق بدور النيابة العامة وأدائها وحرصها على القانون وتطبيق مبدأ العدالة فى جميع القضايا التى تصدت لها طيلة الفترة الماضية. 

رابعًا: إننى أحذر من خرق المبادئ العامة للدستور والقانون، وفى ضوء ما شهدته الأيام الماضية من قرارات متعددة طالت السلطة القضائية وسعت إلى تعطيل دورها، فإنه يجب التأكيد أن العدالة المنشودة هى العدالة المطلقة وليست عدالة الإدانة فقط. 

خامسًا: لقد تعرض جهاز النيابة العامة والقضاء المصرى إلى هجمة شرسة واتهامات ظالمة وقفت خلفها قوى لا تريد للعدالة المطلقة أن تأخذ طريقها، وتسعى إلى تسييس القضاء وأحكامه لحسابات سياسية بعينها، وهو أمر مرفوض من الجميع، فقضاء مصر العادل لا يحتكم فى قراراته وأحكامه إلا للدستور والقانون. 

سادسًا: إننا نحذر من خطورة الحملة التى تستهدف القضاء واستقلاله، وتسعى إلى تشويه سمعة قضاة مصر وإهانتهم أمام الرأى العام، وإننا نرفض ذلك من منطلق الحرص على كيان الدولة المصرية التى تتعرض لحملات ممنهجة فى هذه الفترة تستهدف إسقاط جميع مؤسسات الدولة والسلطة القضائية فى مقدمتها. 

ألقى النائب العام كلمة مطولة أمام الجمعية العمومية للقضاة، وختمها بقوله: لماذا لم يقدم أحد فيهم بلاغًا للتحقيق فى فتح السجون وحرق الأقسام؟ 

وكان هذا نقلًا للمعركة مع مرسى إلى مساحة جديدة، فها هو النائب العام يُلقى بكرة النار فى ملعب الإخوان، ويتهمهم من طرف خفى بأنهم من فتحوا السجون وأحرقوا أقسام الشرطة، والدليل على ذلك أنهم لم يتقدموا ببلاغات للتحقيق فى هذه الوقائع. 

 

الحكاية «35» عبدالمجيد محمود يعود إلى منصبه بحكم قضائى يوم هزيمة الإخوان 

عندما كان القضاة يعقدون جمعيتهم العمومية فى نادى القضاة سمعوا أصوات رصاصات تنطلق خارج ناديهم، بالقرب من دار القضاء العالى، ورغم أنهم عرفوا أن عناصر من جماعة الإخوان كانوا يستهدفون اجتماعهم كنوع من الإرهاب، فإنهم لم يفضوا اجتماعهم، وواصلوا اعتراضهم على إعلان مرسى الدستورى، ومساندتهم النائب العام. 

لم يستسلم المستشار عبدالمجيد محمود بالفعل كما قال، فقد لجأ إلى القضاء، حيث أقام دعوى قضائية فى ٢٧ نوفمبر ٢٠١٢ أمام دائرة طلبات رجال القضاء، بمحكمة استئناف القاهرة، يطعن فيها على قرار عزله من منصبه، مستندًا إلى قانون السلطة القضائية الذى يمنع إقالة النائب العام من منصبه، وتأييدًا لـ«عبدالمجيد محمود» قام أكثر من ٤٠٠ عضو بالنيابة العامة بتنظيم وقفة احتجاجية أمام دار القضاء العالى احتجاجًا على عزل عبدالمجيد محمود، وتعيين المستشار طلعت عبدالله، وأعلنوا عن الدخول فى اعتصام مفتوح أمام مكتب النائب العام.

بعد أيام، وفى مساء ١٧ ديسمبر ٢٠١٢ قدم المستشار طلعت عبدالله طلبًا لمجلس القضاء الأعلى بإعفائه من منصبه كنائب عام، والعودة إلى منصة القضاء كنائب لرئيس محكمة النقض، لكن الجماعة مارست ضغوطًا هائلة عليه، فعاد فى ٢٠ ديسمبر ٢٠١٢ ليسحب هذه الاستقالة، ويؤكد أنه باقٍ فى منصبه «ولن يرضخ لأى ضغوط». 

فى ٢٤ ديسمبر ٢٠١٢ خطا النائب العام الجديد خطوة بدا منها أنه يصفى رجال النائب العام السابق، حيث فاجأ رئيس المكتب الفنى المستشار عادل السعيد بإنهاء انتدابه، والمدهش أن السعيد عرف بالقرار من وسائل الإعلام، بما يعنى أن النائب العام كان ينفذ خطة إقصاء لكن دون مواجهة. 

دخل مجلس القضاء الأعلى على الخط، وناشد طلعت عبدالله التنحى عن منصبه، لكنه لم يستجب، وظلت دائرة طلبات رجال القضاء تنظر دعوى بطلان عزل المستشار عبدالمجيد محمود، وحجزتها للنطق بالحكم بجلسة ٢٣ مارس ٢٠١٣، ثم تقرر مد أجل الحكم فيها إلى ٢٧ مارس ٢٠١٣، لتقرر بطلان العزل.

ظلت الأمور معلقة حتى يوم ٢ يوليو ٢٠١٣ عندما أصدرت محكمة النقض حكمها بعودة عبدالمجيد محمود إلى منصبه وبطلان تعيين طلعت عبدالله فى منصب النائب العام، ليأتى انتصار عبدالمجيد محمود فى نفس الوقت الذى اقترب فيه الشعب من الانتصار على محمد مرسى.

الجمعة.. حكايات جديدة