رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدكتورة بصمجية.. وليست إرهابية!

الإشادة باثنين من عتاة الإرهابيين، فى كتاب جامعى، ليست مجرد خطأ، بل جريمة يعاقب عليها القانون. وهى الأبسط بين جرائم عديدة، مرتبطة، تبدأ بتحويل الكتاب الجامعى إلى وسيلة للارتزاق، ولا تنتهى بدهس قانون حماية الملكية الفكرية وانتهاك الأعراف والتقاليد الجامعية. والأهم، هو أن الواقعة طرحت سؤالًا شديد الصعوبة: كيف تمتحن أستاذة جامعية طلابها فى كتاب، قررته عليهم ويحمل اسمها، مع أنها لم تقرأه ولا تعرف محتواه؟!.

تعرف، طبعًا، أن حسن البنا هو مؤسس جماعة الإخوان، المدرجة على قائمة الكيانات الإرهابية، فى مصر وفى عدة دول عربية وأجنبية. ولعلك تعرف، أيضًا، أن سيد قطب هو أبرز منظرى تلك الجماعة، ومن أكثر الشخصيات تأثيرًا فى التنظيمات الإرهابية. لكن كتاب «تدريس اللغة العربية فى القرن الحادى والعشرين بين النظرية والتطبيق» عدّهما من «الأبطال والزعماء»، كما قال عنوان الفقرة التالية: «ولقد أنبتت مصر كثيرًا من الزعماء والقادة فى شتى ميادين الحياة السياسية والأدبية والدينية، فعلى سبيل المثال من هؤلاء مصطفى كامل وأحمد عرابى وسعد زغلول و... و.... وحسن البنا وسيد قطب وغيرهم ممن كان لهم شأن فى دفع المجتمع وتقدمه». 

بعيدًا عن الصياغة الركيكة، فإن الكتاب، طبقًا لغلافه، قام بتأليفه اثنان: الأستاذ الدكتور عبدالحميد عبدالله عبدالحميد، أستاذ تعليم اللغويات التطبيقية ورئيس قسم المناهج الأسبق بكلية التربية جامعة طنطا، والدكتورة رهام ماهر الصراف، أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغة العربية والدراسات الإسلامية، بالكلية نفسها، والتى تقول سيرتها الذاتية إنها من مواليد ٣٠ يناير ١٩٧٢، وتخرجت فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة طنطا، سنة ١٩٩٣، وحصلت على الماجستير سنة ٢٠٠٣، ثم على الدكتوراه سنة ٢٠٠٩ وتمت ترقيتها إلى درجة أستاذ مساعد، فى ١٨ مارس ٢٠١٩. ما يرجح أنها لم تحصل بعد على درجة أستاذ.

المهم، هو أن الكتاب، الذى يحمل اسم الاثنين، كان يتم تدريسه لطلاب الفرقة الثالثة بكلية التربية، جامعة طنطا، حتى طلب رئيس الجامعة، الأحد الماضى، من عميد الكلية «اتخاذ اللازم نحو حظر تداول الكتاب بشكل كامل، لما يحتويه من عبارات تخضع للتحقيق حاليًا وبما يسىء للجامعة وأعضاء هيئة التدريس بها، وكذلك للمحافظة على توجه الجامعة نحو الاعتدال فى الأفكار التى يتم طرحها على طلاب الجامعة». 

الكلام إلى هنا، جميل نسبيًا ومعقول إلى حد ما. لكن ما ليس جميلًا أو معقولًا على الإطلاق، هو أن الدكتورة الصراف قالت لزميلنا محمد أباظة، فى جريدة «الوطن»، إن الكتاب ضمن منهج تدريس الفرقة الثالثة بكلية التربية، منذ عام ١٩٩٢: «من أيام ما كنت طالبة». وأوضحت أنها شاركت فيه «بوضع اسمها عليه، بعد انضمامها لهيئة التدريس». ثم أكدت أن الكتاب لا يعبر عن انتماءاتها أو ميولها السياسية، وأنها لا تعرف شيئًا عن هذه الفقرة. وأشارت إلى أن «طريقة تأليف الكتاب قد تكون حدثت فى ضوء الإعداد والنقل من مراجع أخرى». وبمنتهى البساطة، قالت إن وجود اسمى حسن البنا وسيد قطب فى فقرة «حياة الأبطال والزعماء»، خطأ غير مقصود وسيجرى حذفهما، وتعديل الفقرة.

الدكتورة أقرت، إذن، بأنها وضعت اسمها على كتاب لم تشارك فى تأليفه ولا تعرف شيئًا عن محتواه. ولا نرى تفسيرًا لذلك، غير أنها عقدت صفقة مع المؤلف، الذى اتهمته بنقل الكتاب من مراجع أخرى، يتم بموجبها وضع اسمها على الكتاب مقابل اقتسام عائد بيعه بالإكراه لطلابها.

نحن أمام نسخة تكاد تتطابق مع تلك، التى حدثت فى كلية التربية بجامعة دمنهور، حين تم اكتشاف عبارات تسىء إلى الشيخ محمد متولى الشعراوى والداعية عمرو خالد، فى كتاب قال غلافه إنه من تأليف «الأستاذ الدكتور عبداللطيف الصباغ، أستاذ التاريخ الحديث ‏والمعاصر، كلية الآداب، جامعة بنها»، و«الدكتور أحمد محمود رشوان، مدرس التاريخ الحديث والمعاصر، بجامعة دمنهور»، ثم اكتشفنا أن الفصل، الذى تضمن تلك العبارات منقول بالكامل، «أو مسروق» حرفيًا، وبعلامات الترقيم. وأوضحنا، وقتها، فى مقال طويل، أننا أمام جريمة، نجامل مرتكبيها، أو نشاركهما فيها، حين نلخصها فى جملة تحمل إساءة إلى فلان أو علان.

.. أخيرًا، ولو افترضنا صحة تبريرات الدكتورة رهام الصراف، واقتنعنا بأن الكتاب لا يعبر عن انتماءاتها أو ميولها السياسية، وأنها لا تعرف شيئًا عن الفقرة التى أثارت الجدل، يمكننا استنتاج أنها لم تقرأ ذلك الكتاب، سواء وقت دراستها له، أو خلال قيامها، صوريًا، بتدريسه. ما يرجّح أنها «بصمجية»، لا تجيد القراءة أو الكتابة، وينفى كونها إرهابية، تعمّدت تسميم أفكار طلابها. ويطرح السؤال الصعب: كيف كانت تمتحن طلابها فى كتاب لم تقرأه ولا تعرف ما فيه؟!.