رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ع الأصل دور

ولأن التكرار يعلم الشطار، تمت إعادة إنتاج الفيلم الرائع" ثورة علي السفينة بونتي" خمس مرات عبر التاريخ المعاصر وللأسف لم نتعلم منه الدرس، أول إنتاج كان الفيلم صامتًا إنتاج أسترالي عام ١٩١٦ وتمت إعادته بإنتاج أسترالي أيضًا ولكن فيلمًا ناطقًا عام ١٩٣٣، ثالث إنتاج كان للشركة العملاقة مترو جولدن ماير عام ١٩٣٥ بطوله النجمين العالميين كلارك جيبل وريتشالز لوتون، الإنتاج الرابع كان عام ١٩٦٢ بطوله النجمين مارلون براندو وتريفور هيوارد، ثم كان الإنتاج الخامس والأخير عام ١٩٨٤ بطوله النجمين أنتوني هوبكنز وميل جيبسون، وفي عام ١٩٨٥ تم عرض قصة الفيلم كمسرحية موسيقية علي مسرح بيكاديللي لمده زادت على ١٦ شهرًا.
القصة واقعية، بدأت في نهاية القرن الثامن عشر وبالتحديد عام ١٧٨٧، عندما اختار البحار الأشهر كابتن كوك واحدًا من أبناء عمال النظافة من أحد الأحياء الفقيرة يسمي ويليام بلاي، وقام بتعيينه قائدًا للسفينة بونتي في رحلتها لجزيرة تاهيتي محملة بالخبز والفاكهة، لم ينظر كوك إلا لكفاءة الشاب دون أي اعتبار لنشأته المذرية وبيئته وعقده الاجتماعية، ووضعه قائدًا علي من هم أعرق وأرقي منه أصلاً ونسبًا. 
كان ويليام بلاي شديد العنف مع مرءوسيه وكثير الألفاظ النابية في حديثه وأوامره لهم، فما كان من نائبه فليتشر كريستيان إلا أن قام بثوره ضده وأسره ووضعه في قارب صغير ملحق بالسفينة ومعه ١٨ من البحارة وتركه لمصيره في البحر ليبحر القارب أكثر من ٦٥٠٠ كيلو متر إلي أن وصل للأمان.
بعد وصول بلاي إلى إنجلترا في أبريل 1790، قامت الأميرالية بإرسال سفينة إتش إم إس باندورا لإلقاء القبض على المتمردين، وتم القبض على أربعة عشر منهم في تاهيتي وسجنوا على متن سفينة باندورا التي بحثت بعد ذلك دون نجاح عن جماعة كريستيان الذين كانوا مختبئين في جزيرة بيتكيرن.
بعد العودة إلى إنجلترا ارتطمت سفينة باندورا بالحاجز المرجاني العظيم وتم فقدان 31 فردًا من الطاقم وأربعة من سجناء سفينة باونتي، وصل السجناء العشرة الباقين على قيد الحياة إلى إنجلترا في يونيو 1792، وتمت محاكمتهم عسكريًا حيث تمت تبرئة أربعة منهم، وتم العفو عن ثلاثة وشنق ثلاثة آخرين.
ظلت جماعة كريستيان غير مكتشفة في جزيرة بيتكيرن حتى عام 1808، وبحلول ذلك الوقت لم يبق إلا متمرد واحد فقط على قيد الحياة وهو جون آدامز حيث تم تقريبًا قتل جميع زملائه المتمردين بمن فيهم فليتشر كريستيان قائد الثورة.
انتهت القصهة ولم نتعلم العبرة منها، ففي معاهدة ١٩٣٦ التي أبرمها حزب الوفد مع الإنجليز قررت حكومة الوفد تخفيف القيود المفروضة- وغير المقننة- علي قبول الالتحاق بكليات الحقوق والكليات العسكرية ومجلس النواب ليلتحق بهم أي فرد من الشعب دون النظر لخلفيته الاجتماعية اعتقادًا من قيادات الحزب آنذاك أن هذا الانفتاح سيزيد من ترسيخ الروح الوطنية لدي جموع الطبقات الوسطي والدنيا وكسب المزيد من الشعبية للحزب وللمزايدة علي الاشتراكيين الجدد.
وبمرور الأيام ظهرت سلبيات القرار الخاطئ وتأثيره علي المجتمع، وحينما نوه لذلك أحد وزراء العدل منذ سنوات قليلة في حديث تليفزيوني رافضًا دخول أحد أبناء عمال النظافة السلك القضائي هاجت الدنيا وماجت وتمت إقالته- رغم كفاءته ووطنيته الشديدة- وضاعت بيننا الجملة الأشهر في بروتوكول السلوكيات "ع الأصل دور".
الأصل هنا لا علاقه له بالفقر والغني بل هو مرتبط بالتربية السليمة في بيئة ملتزمة دينيًا ممتلئة بالقناعه والشبع النفسي، وهو التعريف الأمثل لـ"أولاد الأصول".