رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وعين الرضا عن كل عَيبٍ كَليلَةٌ

جميل قول الإمام الشافعي في ديوانه الشهير:
وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ
وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا
وعليه، أتمنى أن يكون حبنا لمن نحب حبًا وسطيًا، فالذى يحب بتطرف، يكره أيضًا بتطرف، وأن يكون حبنا لمن نحب حبًا رشيدًا يقوم بالخطأ ويشير إليه، ويقوم بالصواب ويصفق له، وكما قال الحسن البصرى: أحبوا هونًا وأبغضوا هونًا فقد أفرط قوم فى حب قوم فهلكوا، وأفرط قوم فى بغض قوم فهلكوا.
على صفحات الملحق الثقافي الأسبوعي البديع لجريدة الأهرام هذا الأسبوع مقال افتتاحي هام لمحرر الملحق الكاتب الصحفي المتميز محسن عبدالعزيز، المقال بعنوان "أسطورة مصطفى كامل.. بعث الوطنية المصرية" وهو مقال في حب الباشا الزعيم الشاب وتعديد مآثره ومواقفه الوطنية في فترة صراعات سياسية حزبية ساخنة.
حدثنا الكاتب، كيف أصبح مصطفى كامل عنوان قضية مصر فى المحافل الدولية، وعندما يرسل فى عام 1896 رسالة إلى جلادستون رئيس وزراء بريطانيا السابق، يسأله ألا يزال على رأيه أن الجلاء عن مصر هو الحل الوحيد للمسألة المصرية ، ويرد عليه جلادستون: إن زمن الجلاء على ما أعلم قد حان منذ سنتين.
وكان لهذه الرسالة صدى فى فرنسا وإنجلترا ومصر، وتلقفت الصحافة الرسالة والرد عليها لتصبح قضية استقلال مصر على الألسنة.. وتكتب جريدة التايمز البريطانية: إننا مستعدون للجلاء عن مصر إذا رأينا جمعا غفيرا من المصريين فى وطنية مصطفى كامل.
ويضيف الكاتب: وصل مصطفى كامل إلى ذروة عالية فى الكفاح الوطنى فألقى عام 1898 خطابا فى الجمعية الجغرافية الفرنسية، وفى نفس العام ظهر أول كتاب سياسى له "المسألة الشرقية".
كلام جميل وحقيقي ورائع واستعراض كامل لمشوار كفاح وطني مشهود له للزعيم الشاب على مساحة ثلث صفحة جريدة كانت كافية لتغطية مناسبة لتاريخ ومحطات نضال وطني ينبغي التوقف عندها، ولكن لماذا الإصرار على الرؤية بعين واحدة ولا نمنح الفرصة للرؤية الكاملة.
للأسف يخرج علينا من ينادون بالحفاظ على الصورة البهية، ويرون أن الاقتراب من زوايا أخرى من سمات رموزنا الوطنية يمثل إهانة وافتقاد لدرجة البهاء التي حفظناها لشخوصهم في حداثتنا في المدارس والجامعات، وهو تصور غريب في عالم تقلصت فيه مساحات الستر، ولا أحد يمكنه تحمل مسئولية الاكتفاء بعرض الرؤى الأحادية النظرة.
في حبه للدولة العثمانية كان الزعيم يرى أنها رائدة الحركة الإسلامية، وإننا كمصريين نحب الدولة العثمانية لأننا نريد دولة شرقية فمملكة الخلافة هي في الحقيقة مملكتنا، وقبلتنا التي نلجأ لها ونحوها نتوجه، وإذا قصرنا في واجبنا نحوها نكون بلا ريب قد قصرنا في أعظم واجب، لقد كانت قومية مصطفى كامل ذا مرجعية دينية.
وفي ختام بحثه في الكتاب حول المسألة الشرقية يقول: "أما واجب العثمانيين والمسلمين أمام عداوة إنجلترا للدولة العلية فبين لا ينكره إلا الخونة والخوارج والدخلاء، فواجب العثمانيين أن يجتمعوا حول راية الخلافة الإسلامية المقدسة، وأن يعززوها بالأموال والأرواح، ففي حفظها حفظ لكرامتهم وشرفهم ، وفي بقاء مجدها رفعتهم ورفعة العقيدة الإسلامية المقدسة".
وأُذكّر بمقال تاريخى للسياسى والزعيم "مصطفى كامل" تحت عنوان "الدين والسياسة" فى العدد 37 بجريدة اللواء بتاريخ 12 فبراير 1900، كتب: أوضحنا فى مقالات متعددة أن الدين والسياسة توأمان لا يفترقان بالبراهين المحسوسة والدلائل القوية، إن الدول الأوروبية لم تنل من المدنية والمجد والسلطة ما نالت إلا باعتمادها على مبادئ الدين فى سياستها حتى صح أن تسمى السياسة الأوروبية "السياسة المسيحية"، لكونها ترقى دائمًا إلى رفع شأن الدين المسيحى على غيره من الأديان، وتجعل رجاله آلة قوية فى الشرق الأدنى والأقصى لبلوغ غاياتها السياسية ومآربها المختلفة.. ومن يتصفح تاريخ الدولة العلية ويمعن النظر فى أحوالها من أول يوم وُضع فيه أساسها إلى هذا اليوم، يجد أن أوروبا لم تحاربها إلا بسبب الدين ولم تتدخل فى شؤونها الداخلية إلا بدعوى نصرة الدين، ولم تعادها إلا لأنها دولة إسلامية".
يقول الكاتب الكبير عباس العقاد حول شخص مصطفى كامل: "لقد قال فى جوابه لسؤال الجنرال "بارنج" شقيق لورد كرومر: هل أنت مصرى أو عثماني؟ فكان جوابه: مصرى عثماني، وعجب الجنرال بارنج فعاد يسأله: كيف تجتمع الجنسيتان؟ قال مصطفى: ليس فى الأمر جنسيتان، بل فى الحقيقة جنسية واحدة؛ لأن مصر بلد تابع للدولة العلية، والتابع لا يختلف عن المتبوع فى شيء من أحكامه!.
أمر غريب رضا الزعيم بتلك التبعية، والأكثر غرابة التأكيد على أن الغرب انتصر وتقدم عبر إعلاء الديانة المسيحية على كافة الأديان!.