رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أنتونى هوبكنز.. أساطير الحافة والظلال «4-5»

 

يعتبر هوبكنز من أكثر الممثلين الذين أدوا أدوارًا تجسد شخصيات تاريخية، فقدم شخصيات: ريتشارد قلب الأسد، هتلر، نيكسون، جون آدمز، بيكاسو، ألفريد هيتشكوك.

وهى شخصيات متباينة تاريخيًا، وقد نجح هوبكنز فى تجسيدها جميعًا، ففى فيلم القبو the bunker ١٩٨١، قدم شخصية هتلر فى أيامه الأخيرة، بعد ظهور بوادر الهزيمة الألمانية فى الحرب العالمية الثانية فاختبأ فى قبو معد خصيصًا لذك، حتى أطلق الرصاص على نفسه، وقد بلغ من إتقان هوبكنز لأداء شخصية هتلر أن الكومبارس الذين يؤدون دور الجنود كانوا يصطفون لتحيته بمجرد وجوده فى مكان التصوير.

قدم هوبكنز شخصية هتلر الوحش، الطاغية، المنهار بطريقة تبعث على التعاطف، وصورت مأزق الرجل الذى قتل بغروره ويقينه الملايين فى اللحظة التى كانت كل الأمور تفلت من بين يديه، وأنباء الهزيمة وانهيار الحلم تأتى من كل مكان، فقدمه هوبكنز بلمسات إنسانية لأنه فى النهاية كان بشرًا، ومن ثم يمكن لأى بشرى أن يتحول تحت ظروف معينة لهذا الوحش، وهذا ما يثير الرعب فى النفس الإنسانية.

وقد استفاد هوبكنز من كل ما أحاط به وما مر به من تجارب فى الحياة، استمد من علاقاته وأفراد عائلته وشخصياتهم كمخزون يمكنه العودة إليه عند تقديم الكثير من الشخصيات، فإضافة إلى البحوث التاريخية استلهم شخصية جده لأمه وهو يؤدى شخصية هتلر، كان الجد طاغية، قاسيًا وكان هوبكنز يخاف منه فى طفولته.

ورغم أنه تم تشخيص إصابته بمتلازمة «اسبرجر»، وهى إحدى أطياف مرض التوحد، وأنه يعانى من عسر فى القراءة (dyslexic) لكنه يتمتع بذاكرة قوية وقدرة كبيرة على الحفظ، حتى إنه أبهر طاقم العمل فى فيلم «أميستاد» عندما ألقى خطاب قاعة المحكمة المكون من سبع صفحات فى لقطة واحدة. وظل المخرج ستيفن سبيلبرج فى حالة من الرهبة، أثناء التعامل معه، وظل مصرًا على مخاطبته «سير أنتونى» طوال التصوير.

وقد كانت عزلة هوبكنز، ووحدته، وتفضيله الابتعاد عن الأضواء وصخب هوليوود، ومروره بتجربة إدمان الكحول هى ما دفعت المخرج أوليفر ستون لترشيح هوبكنز لأداء دور نيكسون، رغم تخوف هوبكنز بسبب لهجته الويلزية المختلفة عن اللهجة الأمريكية. وحتى يتمكن من الوصول إلى الملامح الشكلية والنفسية لشخصية نيكسون ارتدى باروكة شعر ووضع أسنانًا صناعية لتحقيق تشابه جسدى مع نيكسون، ولاكتساب شعور ريتشارد نيكسون، شاهد على شريط كل خطاب ألقاه نيكسون عدة مرات. كما التقى بعض الأشخاص الذين يعرفون نيكسون الذين أوضحوا له الكثير من الجوانب النفسية لشخصيته. وقد نجح فى تقديم نيكسون كشخصية معقدة تدعو للنفور، وإن كانت تثير الإعجاب فى كثير من الأحيان، وترشح عن هذا الدور لجائزة الأوسكار وأشاد الجمهور والنقاد بأدائه. وعند أدائه دور الخادم ستيفنس فى فيلم بقايا اليوم The Remains of the Day، حصل على نصائح حول كيفية لعب دور كبير الخدم من الخادم الشخصى سيريل ديكمان لملكة إنجلترا، الذى خدم لمدة خمسين عامًا فى قصر باكنجهام. قال ديكمان «لا يوجد شىء لكونك كبير الخدم، حقًا، عندما تكون فى الغرفة، يجب أن تكون فارغة أكثر».

يتميز أداء هوبكنز بالأصالة وقدرته على خلق شخصيات تظل عالقة فى الذهن، فى فيلم صمت الحملان: غيّر من صورة القاتل المتسلسل القبيح الوجه، الفظ فى سلوكه، إلى قاتل مثقف، راقى السلوك، ذكى، ولديه حس سخرية، فجعل المشاهدين يرتعبون منه، وفى الوقت نفسه يحبونه ويعجبون به.

يقول هوبكنز عن نفسه: دائمًا أوضع فى دائرة الرجال غريبى الأطوار.. أنا لست كذلك فى الحقيقة. وإن كنت أجيد لعب دور الوحوش جيدًا. أنا أفهم الوحوش وأفهم المختلين عقليًا أيضًا.

للحديث بقية.