رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سارة شريف تكتب: المناورة الأخيرة

سارة شريف
سارة شريف

 

الساعة تدق.. لحظة الحسم تقترب، أصحاب القرار يعرفون، رؤساء الجيش والشاباك والموساد يعرفون، كلنا نعرف أيضًا، أن البطارية السياسية لنتنياهو آخذة فى النفاد، إلا هو لا يزال يحاول ويحاول ولا يستسلم.. إذا أُغلق أمامه الباب، سيدخل من الشباك، ألقيه من الشباك سيعود إليك من النفق.

نتنياهو لا يعرف كيف يخسر، هذا هو أحد أسرار قوته، فهو يقاتل حتى اللحظة الأخيرة، الآن هو يقاتل فى اللحظة ما بعد الأخيرة، وسيقاتل أيضًا فى اللحظة التى بعدها.

خلال الأيام الأخيرة، تحرك نتنياهو فى كل الاتجاهات، وسار فى كل الأزقة، وحرق كل الجسور، وقفز من فوق كل الحواجز، وفعل كل شىء، حرفيًا كل شىء، ليوقف تشكيل حكومة التغيير.

حاول مساومة أعضاء كنيست فى حزبى يمينا والأمل الجديد، هناك من تعرضوا لتهديدات من اليمين، هؤلاء يتحركون بحراسة مشددة حتى موعد حلف اليمين فى الكنيست، هدد بإشعال النار، أطلق تصريحات عدائية، وامتلأت شبكات التواصل الاجتماعى بخطابات عنيفة.

التحريض فاق التوقعات تلك المرة، فى أجواء ساخنة تشبه أجواء ما قبل اغتيال إسحاق رابين، عندما أمسك نتنياهو مكبر الصوت وصرخ فى اليمين ليفعل شيئًا، وفى اليوم التالى اغتيل رابين على يد المتطرف إيجال عمير.

لا يمكن الاستخفاف بخطورة تلك الأيام، كعادته، شرع نتنياهو فى حملة غسل دماغ جماعية، سعى من خلالها لتشويه الأمور وجعل الجمهور يعتقد أن غير القانونى هو قانونى، وأن الأعوج مستقيم والمُحتال ضحية. والهدف واحد هو البقاء فى السلطة.

الانفجار المقبل هو مسألة وقت، نتنياهو لا يتورع عن استخدام أى وسيلة من أجل البقاء فى السلطة، مدعومًا من مجموعة من العميان الذين خضعوا تمامًا لإرادته بدلًا من لجمه، هؤلاء لا يستطيعون التنفس بدون بيبى، مثلما يقال عنهم. 

هو كفء فى كثير من المجالات، الأمن والسياسة الخارجية والاقتصاد، لكنه كفء على نحو خاص فى المناورات، وفى خلق أجواء مشحونة، فهو من نجح فى خلق انعدام للثقة حوله وهو الآن يدفع ثمنه.

فى الأسابيع الأخيرة كانت هناك تخفيضات فى عروض بيبى، فقد حاول مساومة الجميع، «غمز بعيونه» وحاول إغراءهم بحقائب وزارية، وربما ما هو أكثر من ذلك، لكن ليبرمان وبينيت وساعر ونوابهم رفضوا عقد الصفقات معه، فكل عرض له يبدو فى نظرهم كتلاعب آخر، بيبى بالنسبة لهم «مخالف وعود متسلسل». ولهذا فشلت المناورات.

هناك من يعتقد أن قصة هوس نتنياهو ستنتهى غدًا الأحد، بعد حلف اليمين، لكن الحقيقة أن قتاله سيمتد لفترة أخرى من الوقت، هو وعد بأن هذه الحكومة لن تتشكل، وإذا تشكلت سيسقطها سريعًا، من يعرف بيبى يعرف أن الوعود خاصته تتحقق على نحو مثير للإعجاب، أما وعوده للآخرين فلا تتحقق.

الخطة الأخيرة هى كالتالى: بعد تأجيل مسيرة الأعلام التى كانت مقررة أمس الأول الخميس إلى يوم الثلاثاء المقبل، فإن نتنياهو قرر أن يمنح الحكومة الجديدة هدية خاصة، كتلة مشحونة متفجرة بعد يومين فقط من أداء الحكومة اليمين.

كل عاقل يدرك أن مسيرة الأعلام يمكن أن تؤدى إلى تصعيد أمنى وتجدد إطلاق الصواريخ على إسرائيل، ونشوب اضطرابات فى المدن المختلطة، لكن بالنسبة إلى نتنياهو فإن هذا كله لا يشكل سببًا لإلغاء المسيرة، بل لإجرائها.

المسيرة المعتادة كانت تمر بباب العمود والحى الإسلامى، فبينما رأى المستوى الأمنى أن يتم إلغاؤها تمامًا، فإن نتنياهو حاول المناورة- كعادته- واقترح أن تتم لكن دون المرور من الحى الإسلامى، يمكن أن نرى فى هذا القرار محاولة مخادعة من نتنياهو لإفشال الحكومة الجديدة فى أيامها الأولى. 

السيناريو سيكون على النحو التالى: ضغوط شديدة من اليمين المتشدد وأنصار الصهيونية الدينية والعناصر القومية على رئيس الوزراء الجديد نفتالى بينيت «اليمينى القومى»، لإتمام المسيرة بشكل سيجعل من الصعب عليه إلغاءها، وإذا تمت يمكن للنار أن تشتعل ويمكن لأى شىء أن يحدث، حتى لو جولة صواريخ جديدة مع حماس، خاصة بعد تهديدات يحيى السنوار بأن الحركة ستدافع عن الأقصى مرة أخرى، فى الوقت الذى امتنع فيه نتنياهو عن تحويل الأموال القطرية لقطاع غزة.

الحقيقة أن نتنياهو يريد الانتقام من هؤلاء الذين تجرأوا على إنهاء حكمه دون التفكير فى أى اعتبارات أخرى.

بعد انتخابات ١٩٩٩ قال نتنياهو بعد خسارته جملة أصبحت فيما بعد شعارًا: «تعالى يا سارة، نرحل، لست أنا من خسرت، أنتم خسرتم. حلال عليكم»، قيلت الكلمات فى نهاية احتفال نقل المفاتيح إلى إيهود باراك وزوجته نافا، النزيلين الجديدين فى بلفور «مكتب رئيس الوزراء». هذه المرة هو تغير.