رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تقدير موقف.. إسرائيل فى اليوم التالى بعد نتنياهو

نتنياهو
نتنياهو

 

فى ظل «سحابة الشك» التى ستظل ترافق استمرار «حكومة التغيير» فى إسرائيل، لا يبدو أن الحكومة الجديدة، المكونة من ألوان طيف سياسية مختلفة واتفاق للتناوب على رئاستها، ستحدث تغييرًا فارقًا، باستثناء نجاحها فى إقصاء رئيس الوزراء الإسرائيلى الحالى، بنيامين نتنياهو، أطول رؤساء وزراء إسرائيل بقاء فى منصبه.

فرغم جمعها بين اليمين واليسار والوسط والعرب، فإن الملفات السياسية الرئيسية، التى تشهد عادة جدلًا واسعًا، ستظل بين أيدى أحزاب اليمين وقادته، كما كان الأمر فى عهد «نتنياهو»، لذا فليس من المتوقع أن تغير الحكومة المقبلة التوجهات المعتادة للسياسة الداخلية والخارجية والأمنية، كما أنها لن تشهد تغييرًا كبيرًا يعيد التذكير بانتقال السلطة بين اليمين واليسار أو اليسار واليمين فى عهود سابقة.

«الدستور» تستعرض، فى السطور التالية، أهم السياسات المتوقع أن تتبناها الحكومة الإسرائيلية المقبلة، وتوزيع المناصب السيادية فيها، بالإضافة إلى أهم المشكلات التى ستظل تؤرق بقاءها.

 

 

«حكومة التغيير» فرقاء جمعهم هدف إزاحة «بيبى».. وسيطرة «اليمين» على الملفات الأساسية كالمعتاد

يصوت أعضاء الكنيست، غدًا، على منح الثقة للحكومة الإسرائيلية الجديدة، التى نجح يائير لابيد، رئيس حزب «هناك مستقبل»، فى تشكيلها من عدة أحزاب، على أن تكون رئاستها بالتناوب بينه ونفتالى بينيت، رئيس حزب «يمينا»، على أن يتولى «بينيت» رئاسة الوزراء أولًا.

الحكومة الجديدة التى سميت بـ«حكومة التغيير» تكونت من ائتلاف يجمع بين أحزاب «هناك مستقبل»، برئاسة «لابيد»، الذى يحوز ١٧ مقعدًا فى الكنيست، مع حزب «يمينا»، بقيادة «بينيت»، بـ٧ مقاعد، و«الأمل الجديد»، برئاسة جدعون ساعر، بـ٦ مقاعد، و«إسرائيل بيتنا»، برئاسة أفيجدور ليبرمان، بـ٧ مقاعد، و«العمل»، برئاسة ميراف ميخائيلى، بـ٧ مقاعد، و«أزرق أبيض»، برئاسة بينى جانتس، بـ٨ مقاعد، و«ميرتس»، برئاسة نيتسان هوروفيتش، بـ٦ مقاعد، كما تحظى الحكومة بدعم من الخارج من القائمة العربية الموحدة، برئاسة منصور عباس، التى حازت ٤ مقاعد.

ويرى المراقبون أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة مُهددة دائمًا، ويمكن أن تنقطع خيوطها فى أى لحظة، فى ظل الخلافات الجوهرية بين أعضائها التى تهددها بالانفجار، فضلًا عن كونها ستواجه تحديات صعبة لا تُحتمل، لأن كل عضو فيها يمثل عبوة ناسفة يمكن أن يؤدى إلى تحطمها.

وحتى اللحظات الأخيرة كانت هنالك توقعات بحدوث انشقاقات تمنع أداء القسم فى اللحظة الأخيرة، وإن كانت هذه الفكرة قد استبعدت عندما أعلن عضو الكنيست نير أورباخ عن تأييده الحكومة الجديدة بعدما أعلن عن أنه قد يصوت ضدها، مما يحول دون تشكيلها.

ويؤكد المراقبون أن هذه الحكومة غير مرشحة للاستمرار، بل هى على الأرجح «حكومة طوارئ»، تهدف للإطاحة بحكم «نتنياهو»، وهى المهمة التى يراها البعض تتجاوز أى خلاف حزبى أو أيديولوجى.

ويشير كثيرون إلى أن محاولة بلورة قواسم مشتركة بين الأحزاب المشاركة فى الائتلاف الحكومى فى مجالات السياسة والأمن والاقتصاد وما شابه لن تكون ناجحة، وهو ما ظهر فى المساومات شديدة التعقيد على الحقائب الوزارية، كما سيظهر أكثر فور تولى الحكومة مهامها.

ومن حيث السياسات، لا تبدو المبالغات حول قدرات الحكومة الجديدة موضوعية، لأن الحقيقة هى أن الحكومة ستكون مجرد حكومة يمينية أخرى، بل إن حكومة «نتنياهو» قد تكون معتدلة مقارنة بالحكومة الجديدة، التى يترأسها يمينى متطرف مثل «بينيت».

ويؤكد المراقبون أن حكومة «بينيت- لابيد» هى حكومة يمينية باميتاز وليست يسارية، لأن طاقم عملها الفاعل، خاصة فى الملفات السياسية والأمنية، سيبقى يمينيًا، أو على حد تعبير بعضهم فإن «اليمين سيحل محل اليمين»، وسيأتى «يمين بدون نتنياهو بدلًا من يمين مع نتنياهو».

وينوه المراقبون إلى أن أعضاء الأحزاب اليمينية وقادتها يسيطرون بالفعل على الوزارات المهمة فى الحكومة الجديدة، فجدعون ساعر، الأكثر يمينية من «نتنياهو»، سيكون وزيرًا للعدل، كما ستكون أيلييت شاكيد، اليمينية المتطرفة، وزيرة الداخلية، وسيكون أفيجدور ليبرمان، رمز المستوطنين، فى وزارة المال، وسيظل بينى جانتس فى منصبه الحالى وزيرًا للدفاع، كما سيأتى يائير لابيد وزيرًا للخارجية.

ورغم تولى بعض الأحزاب اليسارية، مثل «العمل» و«ميرتس» حقيبتى المواصلات والصحة وغيرهما من الملفات الداخلية، فإن أغلبية يمينية ستظل متحكمة فى لجنة اختيار القضاة، كما أن كل هذه المجموعة يترأسها اليمينى المتشدد نفتالى بينيت، الأكثر يمينية من «نتنياهو».

ويحذر المراقبون فى إسرائيل من أن أى محاولة لكبح وزراء اليمين من طرف الأحزاب اليسارية ستؤدى لفوضى وخلافات شديدة، لذا يرجح كثيرون أن تستمر نفس توجهات «نتنياهو» فى معالجة القضايا الأكثر أهمية، مثل المستوطنات والجيش، وإيران وحركة «حماس» وغيرها.

ويستشهد المراقبون على ذلك بتصريح نفتالى بينيت عن تخوف البعض من عدم إقدام الحكومة الجديدة على شن عملية، قد تكون مطلوبة ضد حركة «حماس» فى غزة، خاصة فى ظل دعم منصور عباس، رئيس القائمة العربية المعروف بتوجهاته الإسلامية، الحكومة، وقول «بينيت»: «إذا لزم الأمر سنقوم بعملية من دون قيود سياسية، وإذا احتجنا إلى الذهاب إلى انتخابات سنفعل ذلك، وكل شىء سيكون على ما يرام».

وحول الملف الإيرانى، أعرب «بينيت»، أيضًا، عن استعداده للوقوف فى وجه الإدارة الأمريكية بشأن الاتفاق النووى، مؤكدًا أن أمن إسرائيل أهم مما سيقوله العالم عنها.

ورغم هذه الثقة التى تحدث بها «بينيت»، يؤكد المراقبون أن الحكومة الجديدة ستواجه عقبات كبيرة فى القيام بمهامها، وستكون حكومة شلل وجمود، لأنه من غير الواضح كيف ستتخذ هذه الحكومة القرارات فيما يخص ملفات إيران و«حماس» والخطط الأمريكية فى الشرق الأوسط، فى ظل عدم وجود أى قواسم مشتركة بين أعضائها أو إجماع على القرارات المصيرية.

الاتفاق مع «القائمة العربية» تجاهل القضايا الرئيسية.. وتخوف من عدم تطبيق البنود الاقتصادية

ينظر كثيرون إلى توقيع اتفاق بين منصور عباس ونفتالى بينيت حول تشكيل الحكومة الجديدة باعتباره يمثل لحظة تاريخية، لكن المراقبين يؤكدون أن هذه اللحظة نفسها لم تكن لتأتى لولا الشرعية التى منحها «نتنياهو» للناخبين العرب، واستهدافه لهم بشكل مكثف. ويؤكد المراقبون أن «نتنياهو» هو من أدخل العرب إلى الحياة السياسية فى إسرائيل، بتبنى التصعيد ضدهم، وليس «لابيد» أو «بينيت»، اللذين تحالفا معهم، مشيرين إلى أن مواقف «نتنياهو» حطمت جدران فصل العرب عن الحياة السياسية فى إسرائيل لسنوات طويلة.

ورغم ذلك، ورغم ما أعلنته القائمة العربية الموحدة عن كون انضمامها للائتلاف يستهدف بشكل رئيسى تحقيق مكاسب للمجتمع العربى فى إسرائيل، فإن كثيرين يعتقدون أن هذه الاتفاقات لن تنفذ بالفعل على الأرض، خاصة أنها ركزت فقط على القضايا الاقتصادية للبلدات العربية، وتخصيص ميزانيات لبرامج المساعدة وتطوير البنى التحتية لبعض القرى، والدفع قدمًا بسلطات عربية فيها، مع تجاهل متعمد لقضايا سياسية رئيسية.

ودفعت هذه الاتفاقات البعض داخل الأحزاب لانتقادها، مع الإشارة إلى أن المطالب العربية ذات الأهمية القصوى لم يتم الاتفاق حولها، خاصة قانون «كامنتس»، الذى يسمح بإزالة المنازل العربية بسبب مخالفات بناء، وهو ما تم الاتفاق على تجميده لمدة عامين فقط، دون إلغائه، كما ينتقدون تجميد هدم مبان فى النقب، بنيت بدون ترخيص، لمدة ٣ أشهر فقط، إلى أن يتم إيجاد نموذج متفق عليه لمعالجة أزمة البناء غير القانونى، بالإضافة إلى الشك فى الالتزام بتطبيق البنود الاقتصادية بالكامل.

كما قال المنتقدون إن الاتفاق لا يحقق التغيير الذى يطمح إليه الجمهور العربى، فهو لا يذكر المساواة القانونية والمدنية بين اليهود والعرب، ولا يذكر قانون «القومية» الخاص بيهودية إسرائيل، ولا القوانين التى تمنع العائلات العربية من السكن فى بلدات جماعية بنيت على أراضى الدولة، ولا غيرها من القوانين التمييزية والعنصرية ضد العرب.

ويؤكد هؤلاء أن تقليص الطلبات العربية إلى مجرد قضايا محلية واقتصادية يثير المخاوف من تعرض الأحزاب العربية للمساومة، مشيرين إلى أن أى تنازل سيجر إلى تنازل جديد عن حقوق أساسية.

فى المقابل يرى آخرون أن الاتفاق، وإن كان ليس كاملًا، لا يحقق المطالب العربية، إلا أنه سيسمح خلال ٤٥ يومًا من تولى الحكومة بالاعتراف بعربية ٣ قرى بدوية فى النقب، وبلورة خطة لمكافحة العنف والجريمة فى المجتمع العربى، وهو ما استخدمه «نتنياهو» لشن حملة ضد الحكومة الجديدة واصفًا إياها بأنها «باعت النقب للعرب».