رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مباريات «بايدن» خارج ملعبه

 

طائرة الرئاسة الأمريكية «إير فورس وان» هبطت، أمس الأول الأربعاء، فى قاعدة ميلدنهال الجوية البريطانية، لتبدأ أولى رحلات جو بايدن الرئاسية الخارجية، التى يجتمع خلالها مع عدد كبير من القادة الأوروبيين، ويشارك، على امتداد ثمانية أيام، فى سلسلة من القمم والاجتماعات: قمة مجموعة السبع، اجتماعات حلف شمال الأطلسى، قمة الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة. وبعد كل ذلك، يلتقى الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، فى قمة تسبقها توترات وتوقعات منخفضة.

لا يزال بايدن يواجه صعوبات فى بلده، أو على أرض ملعبه. وبعد خمسة أشهر قضاها، أو من المفترض أن يكون قد قضاها، فى مواجهة تلك الصعوبات، ومحاولة التغلب على الأزمات الداخلية، سيعمل، حسب بيان البيت الأبيض، على «استعادة دور الولايات المتحدة القيادى على المسرح العالمى»، وستكون رحلته الرئاسية الخارجية الأولى فرصة «لإثبات قدرات الولايات المتحدة على حشد الحلفاء الأوروبيين وقيادة الطريق أمامهم». و... و... ويمكننا أن نترجم ذلك بأن بايدن يريد استعادة الإيمان الأوروبى بقدرة الولايات المتحدة على تعزيز الأمن، عبر المحيطين الأطلسى والهندى، فى مواجهة تحديات وتهديدات روسية وصينية مزعومة.

عادة ما تكون رحلات الرؤساء الأمريكيين الخارجية أشبه بمباريات ملاكمة، يحاولون خلالها توجيه اللكمات لخصومهم عبر التصريحات اللاذعة والتهديد أو التلويح بقرارات، وتكون الصفقات أو الاتفاقات العلنية الناجحة هى الضربات القاضية، التى تشير إلى فوز محتمل. وعليه، ستكون رحلة بايدن، واجتماعاته بمجموعة واسعة من قادة وزعماء الدول، اختبارًا لقدراته على إطلاق التصريحات وعقد الصفقات والاتفاقات وإجراء تغييرات فى المواقف المتوترة.

فى قاعدة ميلدنهال، التقى بايدن أفراد القوات الجوية الأمريكية، الأربعاء. واجتمع مع بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطانى، أمس الخميس، لضخ دماء جديدة فى «العلاقة الخاصة» بين البلدين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى. وقال الجدول، الذى أعلنه البيت الأبيض، إنه سيلتقى قادة مجموعة السبع، الجمعة والسبت والأحد، فى القمة السابعة والأربعين لهذا التكتل الاقتصادى وبعدها، سيلتقى وزوجته الملكة إليزابيث الثانية قبل سفره إلى بروكسل، يوم الإثنين، للقاء قادة حلف الناتو، فى أول قمة بعد تفشى الوباء. والثلاثاء، ستنعقد أول قمة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، منذ سنة ٢٠١٤، وتستضيف مدينة جنيف السويسرية، الأربعاء المقبل، المباراة الأصعب: القمة الأمريكية الروسية، التى ستنتهى بها الرحلة.

لدى صعوده الطائرة الرئاسية قال الرئيس الأمريكى إن الرحلة تهدف إلى حشد الديمقراطيات فى العالم، وتوجيه رسالة واضحة إلى روسيا والصين بأن الروابط بين الولايات المتحدة وأوروبا قوية. وقالت جين ساكى، المتحدثة باسمه، إنه يستعد لهذه الرحلة «منذ ٥٠ عامًا»، فى إشارة إلى الحياة السياسية الطويلة للرئيس، الذى يحتفل فى نوفمبر المقبل بعيد ميلاده التاسع والسبعين. وفى مقال نشرته جريدة «واشنطن بوست»، السبت الماضى، تعهد بايدن بدعم «تحالفات واشنطن الديمقراطية» فى مواجهة التهديدات المتزايدة من موسكو وبكين». وعن القمة الأمريكية الروسية، كتب: «يدرك الرئيس بوتين أننى لن أتردد فى الرد على أى أنشطة مستقبلية مؤذية، وعندما نلتقى سأؤكد مجددًا التزام الولايات المتحدة وأوروبا بالدفاع عن حقوق الإنسان».

ملف التعامل مع «أو التآمر على» الصين وروسيا، سيتصدر النقاشات، إذن، أملًا فى تحقيق توافق أمريكى أوروبى، لمواجهة تنامى القدرات الصينية والروسية الاقتصادية والعسكرية. ومع قضايا خلافية كثيرة، مثل التعزيزات العسكرية الروسية الأخيرة على الحدود الأوكرانية، والهبوط القسرى لطائرة ريان إير فى بيلاروسيا، وقضايا حقوق الإنسان، واضطهاد المعارضين، ستكون قضية إيواء القراصنة، والهجمات السيبرانية، أو الإلكترونية، التى شهدتها الولايات المتحدة، كما ذكرنا فى مقال سابق، على جدول نقاشات القمة الأمريكية الروسية المرتقبة. ولا مانع من الإشارة، مرة أخرى، إلى أن بوتين سبق أن تمنى الصحة والعافية لنظيره الأمريكى، حين وصفه الأخير، فى حوار تليفزيونى، بأنه قاتل.

المباراة مع بوتين، ستسبقها مباريات مع الحلفاء الأوروبيين، بشأن كيفية تحقيق انتعاش اقتصادى عقب خسائر الاقتصاد العالمى بسبب الوباء، والقضايا المتعلقة بتوزيع اللقاحات، والتعاون فى مجال مكافحة التغير المناخى، والبرنامج النووى الإيرانى والانسحاب من أفغانستان ومشروع خط أنابيب «نوردستريم» بين روسيا وألمانيا و... و... ولا نعتقد أن أوروبا مستعدة لتحمل تكلفة حرب باردة مع الصين وروسيا، إضافة إلى أن لديها مخاوف بشأن المطالبات الأمريكية بزيادة تمويل دفاعات حلف «الناتو»، والمساهمة بدرجة أكبر فى تدريبات وعمليات الحلف.

.. وأخيرًا، لا نعتقد أن الرئيس الأمريكى سيكسب غالبية تلك المباريات، لأن استطلاعًا للمواقف الأوروبية، نشره صندوق مارشال الألمانى «GMF»، الإثنين الماضى، انتهى إلى أن أغلبية أوروبية ضئيلة ترى أن الولايات المتحدة شريك «موثوق به». كما أكدت نتائج الاستطلاع أن هناك انخفاضًا ملحوظًا فى النفوذ الأمريكى، وأن تأثير إدارة بايدن محدود للغاية.