رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خط «تبون» الأحمر!

الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون بخير، وتجاوز أزمته الصحية، التى أقلقتنا عليه وعلى مستقبل الدولة الشقيقة، وأجرت معه «الجزيرة» القطرية حوارًا، زعم فيه أن بلاده «كانت على استعداد للتدخل بصفة أو بأخرى»، لمنع سقوط العاصمة الليبية طرابلس، وأن «الرسالة وصلت إلى من يهمه الأمر». كما زعم أنه كان يعنى ما يقول عندما أعلن عن أن «طرابلس خط أحمر»، وشدّد على أنه يرفض «أن تكون أى عاصمة عربية أو مغاربية محتلة من طرف المرتزقة».

القناة القطرية عرضت الحوار، مساء أمس الأول، الثلاثاء، واحتفت به الصفحة الرسمية للرئاسة الجزائرية، على «فيسبوك»، واستبقته بنشر مقتطفات أو عناوين، تلك عينة منها: «الجزائر مستهدفة بالتآمر لأنها لا تسمح بالتآمر على البلدان العربية».. «يريدون إسكات صوت الجزائر وهذا لن يحدث».. «الجزائر تخلصت من الإسلام الأيديولوجى إلى غير رجعة».. «التيار الإسلامى الناشط فى الجزائر يختلف عن باقى التيارات الإسلامية فى الدول الأخرى». 

إلى جانب ما يمكنك استخلاصه من تلك العناوين، لا نتذكر أن الرئيس الجزائرى، ٧٦ سنة، وضع خطوطًا حمراء أو زرقاء، بشأن طرابلس أو غيرها. والثابت، أن الجزائر كانت تعلن دائمًا عن أنها «ملتزمة بالحياد بين طرفى الصراع فى ليبيا»، وأنها ظلت منذ بدء الأزمة الليبية تؤكد أنها «تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف»، وقامت بنفى اتهامها بالانحياز لمعسكر الإسلام السياسى، خاصة بعد أن استقبلت الإرهابى عبدالحكيم بلحاج، أحد قادة الميليشيات المتطرفة فى ليبيا، الذى يقيم، الآن، فى تركيا، ويدير إمبراطورية مالية ضخمة.

الأكثر من ذلك هو أن عبدالحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، نفسه، وجّه الشكر، منذ أيام قليلة، للجزائر لأنها «لم تتدخل فى الشأن الليبى خلال السنوات العشر الماضية». لكن بعد بحث، اكتشفنا أن الرئاسة الجزائرية أصدرت بيانًا، فى ٦ يناير ٢٠٢٠، قالت فيه إن «طرابلس خط أحمر نرجو ألا يجتازه أحد»، وطالبت «المجتمع الدولى» بتحمل مسئولياته فى فرض الوقف الفورى لإطلاق النار ووضع حد للتدخلات الخارجية، التى تؤجج الصراع الليبى.

صدر ذلك البيان عقب استقبال «تبون»، فى قصر المرادية، لفايز السراج، رئيس ما كان يوصف بـ«المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الليبية». وجاء فيه أن محادثات الطرفين كانت فرصة للتذكير بـ«الموقف الثابت للجزائر حيال الأزمة الليبية، الذى يستند أساسًا إلى مبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية للغير». وفى المقابل أعرب السراج عن «شكره للجزائر على مواقفها الأخوية الثابتة من الأزمة الليبية، وجدد ثقته فى المجهودات التى تبذلها للتخفيف من حدة التصعيد».

كان هذا أول، وربما آخر، تحرك رسمى، أو معلن، للرئاسة الجزائرية بشأن الأزمة الليبية، التى كانت تشهد، وقتها، تصعيدًا عسكريًا للسيطرة على طرابلس، بين الجيش الوطنى الليبى وميليشيات حكومة الوفاق، المدعومة من تركيا. والطريف، أن «تبون» استقبل فى اليوم التالى، ٧ يناير ٢٠٢٠، وزير الخارجية التركى، الذى بدا واضحًا أنه ذهب إلى الجزائر فى «ذيل» السراج.

الهدف المعلن لتلك الزيارة، كان «التشاور حول القضايا ذات الاهتمام المشترك»، و«دراسة تطوير العلاقات بين البلدين». وفى حسابه على تويتر، كتب وزير الخارجية التركى: «التقينا مرة أخرى، مع أخى صبرى بوقادوم، وزير الخارجية الجزائرى، بعد فترة قصيرة مدتها ثلاثة أشهر». وأضاف: «سنقوم بالتعاون على أساس مصالحنا المشتركة بشأن القضايا الإقليمية، خاصة الأزمة الليبية، وسنرفع مستوى التعاون بين البلدين إلى مستوى المجلس الاستراتيجى».

بضرب ما سبق فى الخلاط، ستجد أن الجزائر، التى طالب بيانها الرئاسى المجتمع الدولى بـ«وضع حد للتدخلات الخارجية التى تؤجج الصراع»، هى الجزائر نفسها التى قامت فى اليوم التالى بالإعلان عن تطوير علاقاتها الثنائية مع المتدخل الأجنبى الأكبر فى ليبيا. كما يمكنك استنتاج أنها باركت هذا التدخل، وانحازت لـ«حكومة الوفاق» التى كانت تحركها تركيا وتدعمها بالأسلحة والمرتزقة. وما قد يدعم ذلك، ويفسره ويبرره، هو أن «تبون» قال، الخميس الماضى، لمجلة «لوبوان» الفرنسية إن «تركيا تستثمر خمسة مليارات دولار فى بلاده دون مقابل سياسى»، فى تلميح واضح إلى أن الاستثمارات الفرنسية مرتبطة بملفات أو مساومات سياسية.

.. وأخيرًا، لسنا طرفًا فى تلك «المعجنة»، ونرى أن غالبية ما قاله الرئيس الجزائرى للقناة القطرية، أو للمجلة الفرنسية، موجّه بالأساس إلى فرنسا، ردًا على دعمها للمغرب فى ملف الصحراء الغربية، وهو ما استنتجه، أيضًا، معلّقون كثيرون على المقتطفات، أو العناوين، المنشورة فى الصفحة الرسمية للرئاسة الجزائرية، كان من بينهم المواطن الجزائرى حسين قوادرى، الذى كتب: حلمى أن أرى عناوين عن بنى تحتية يتم تطويرها، وعن مشاريع اقتصادية كبرى يجرى تنفيذها، بدل الكلام عن الصحراء الغربية.