رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما هى الجمهورية الجديدة؟

سألت نفسى كثيرًا: ما هو معنى تعبير «الجمهورية الجديدة» التى تحدث عنها الرئيس السيسى أكثر من مرة... ما هو تعريفها؟.. ما هى مواصفاتها؟.. إننا نراها على أرض الواقع.. نرى ملامحها فى أشياء كثيرة، لكننا لا نمسك بتعريف محدد لها.. إنها موجودة فى الواقع لا فى الكتب.. لا بديل عن أن نجتهد إذن فى تعريف الجمهورية الجديدة.. إن أفضل تعريف للجمهورية الجديدة أنها ليست الجمهورية القديمة.. إنها لا تُشبهها فى شىء سوى فى الشكل الدستورى لها.. لكنها تختلف عنها فى المضمون.. لقد كانت الجمهورية القديمة دولة عجوزًا تعانى من الشيخوخة، وتنظر لمن بلغوا سن الخمسين على أنهم شباب لم يصبهم الدور بعد! ولكن الجمهورية الجديدة ليست كذلك.. إنها جمهورية شابة.. عفية.. مسئولوها شباب، ووزراؤها شباب، وأهم ملامح سياستها تمكين الشباب.. كان من ملامح الجمهورية القديمة أيضًا البطء.. وكان يقال إن هذا نوع من التأنى والحذر.. لكنه فى الحقيقة لم يكن سوى جمود وركود.. كان مشروع كوبرى مثلًا يمكن أن يستغرق خمس سنوات من أجل إنشائه.. علمًا بأنه قد يكون المشروع الوحيد مثلًا.. وكان يتم تصوير الانتهاء منه على أنه إنجاز كبير.. لكن الجمهورية الجديدة تسابق الزمن للانتهاء من المشروعات.. وتنتهى من مشروع لتدخل فى آخر، ولديها القدرة على أن تدير العمل فى عشرات المشاريع فى وقت واحد.. وهو معدل عمل لو كان قد تم الأخذ به منذ ثلاثين عامًا لكانت مصر فى مكان آخر.. فى الجمهورية القديمة مثلًا لم تكن حقوق الناس فى التعليم والصحة والسكن تلقى كل هذا الاهتمام، ولا يرصد لها كل هذه الميزانيات.. بل كان يتم التعامل مع الناس أحيانًا كعبء على الدولة.. كانت ميزانيتا التعليم والصحة لا تزيدان بالقدر الواجب لمجاراة الزيادة السكانية، وكانت النتيجة أن جماعة الإخوان، الممولة من الخارج، تقدمت هى وغيرها لملء هذا الفراغ.. وأنشأت المدارس والمستوصفات، وحلت محل الدولة التى واصلت الغياب دون مبالاة بالعواقب.. كانت الجمهورية القديمة، كما بدا من بعض الشواهد، لا تحترم كثيرًا فكرة الانخراط فى العمل.. وكنا نسمع أن بعض كبار المسئولين قد يقضى أيامًا طويلة فى هذا المنتجع أو ذاك، ولا يمارس سوى الضرورى من الأعمال.. وهو وضع يختلف عن وضع الجمهورية الجديدة التى يبدأ العمل فيها من الرابعة صباحًا.. ويفضل رئيسها أن يقضى أيام الجُمع والإجازات الرسمية فى تفقد المشروعات التى يجرى العمل فيها والحديث مع المواطنين الذين يتصادف وجودهم فى طريقه.. فى الجمهورية القديمة كانت القوانين غالبًا ما توضع ليتم تجاهلها.. فالكبار لا يلتزمون بالقانون لأسباب معروفة.. والصغار يقلدونهم.. وهكذا انتشرت مخالفات المبانى، وسرقات الكهرباء، وحالات التهرب الضريبى.. وما إلى ذلك مما نعرفه جميعًا.. لكن الوضع ليس كذلك فى الجمهورية الجديدة.. فالدولة تطبق القانون على الجميع.. ولا تعترف بالاستثناءات.. وتصمم على إصلاح المخالفات بقدر الإمكان، وتتشدد فى تحصيل حقوقها حتى تمول بها مشروعاتها.. وتحمى أراضى الدولة التى كانت عرضة للنهب فى الجمهورية القديمة، حتى شاع بين الناس تعبير «حيتان الأراضى»، وهو ما لم يعد موجودًا الآن.. ولا حتى نصفه ولا ربعه.. أليست هذه جمهورية جديدة إذن؟