رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا مفر

صديقي، لما قلت له فكرتي، إنه مفيش حاجة اسمها حق ومستحق، والحياة معارك، وكل واحد بـ يحصل على "اللي يقدر عليه" قال لي:
في نقطة الحق، هـ أضرب مثال: لو أنا بـ أشتغل في مكان، والمفروض في ترقية بنسعي ليها أنا وأقراني، المفروض إن الترقية دي تعتبر معركة، ومحتاجة أسلحة زي مثلا إني آخد كورس وأطور مهارة معينة، وأحقق تارجت معين.
أنا حققت كل دا وبجدارة، وجه واحد من أقراني، وصل عن طريق معارف لرئيس مجلس الإدارة، وأخد الترقية من غير ما ياخد كورس ولا يطور مهارة ولا يحقق تارجت.
هل، في الحالة دي، ما ينفعش أقول إن دا كان حقي، واتسرق مني؟
قلت له: طيب، دلوقتي إحنا بـ نتكلم عن إيه؟أولا، مؤسسة عمل دي "المجتمع"، ثانيا، موظفين/ عمال، دول أفراد المجتمع، ثالثا، الموظفين دول مش متساويين؛ متقسمين درجات فيها أعلى وفيها أدنى، وكل ما تطلع فوق تحقق مكاسب أكتر.
رابعا، عندنا عدد من الموظفين، نفترض إنهم خمسة، عند درجة ما، ولـ تكن الدرجة الرابعة. خامسا، الموظفين الخمسة دول عند كل واحد منهم "إمكانية"يصعد لـ الدرجة التالتة (الأعلى). سادسا، رغم وجود إمكانية التصعيد عند الجميع، إحنا هـ نصعد واحد منهم بس.
هنا بقى نقف ونسأل: ليه؟ ما نصعدهم كلهم، إذا هم متساويين في الدرجة، ويمتلكوا الإمكانية، يبقى ليه نفضل واحد منهم عن واحد؟
الإجابة: عشان دا مش "متاح"، لا فيه إمكانية مادية تسمح بـ دا، ولو الدرجة الأعلى دي هـ تمنح سلطة، مدير مثلا، ما ينفعش السلطة تتقسم.
اختيار واحد فقط لـ التصعيد مالوش أبعاد أخلاقية، دي حاجة تفرضها "الفايدة" و"المصلحة".

على العكس تماما، من الناحية الأخلاقية فيه "ظلم" أكيد هـ يقع على البعض، مهما حاولت تعمل معايير "عادلة"، بل إنه غالبا، لو إنت حطيت معايير، مش هـ تتحرى فيها العدل، بـ قدر ما تتحرى الفايدة.
ليه؟ لـ إنه العدل غير قابل لـ القياس، أو خلينا نقول القياس الدقيق، بينما الفايدة ممكن تحسبها، على الأقل بـ صورة أكثر تحديدًا. 
فـ يا صديقي، الدودة في أصل الشجرة، والنظام نفسه فيه معضلة أخلاقية جمة، لا يمكن تجنبها.
نتيجة عدم إتاحة الفرصة لـ الجميع، هـ يحصل تنافس، التنافس دا معركة، المعركة دي محتاجة أسلحة، كلامك يا صديقي يفترض إنه هذه الأسلحة تنقسم إلى: أسلحة مشروعة "الكورس/ المهارات/ التارجيت/ ... إلخ" وأسلحة غير مشروعة "علاقات شخصية/ رشوة/ ... إلخ". 
ثم يفترض إنه "الحق"، مرتبط بـ مشروعية الأسلحة المستخدمة، فـ ما ينفعش نقول إنه مفيش حد له "حق" في حاجة، ويكاد كلامك يضع قاعدة:
"استخدامك الأسلحة المشروعة يمنحك الحق في كسب المعارك".
ولو أنا فهمت صح، خلينا نقول الآتي:
مين قال لك يا صديقي، إنه الأسلحة فيها "مشروع" وفيها "ممنوع"، وفي المطلق كدا؟ مشروعية أي شيء في الدنيا مسألة نسبية، ومرتبطة بـ النظام. من ثم، من يحدد مشروعية شيء من عدمه هو صاحب السلطة، مش لـ إنه صاحب "الحق" في دا، بل لـ إنه دي "طبيعة الأمور"، هي ماشية كدا طول عمرها.
في المثال المذكور: مين قال إنه الكورس/ المهارات/ التارجيت/ ... هي دي المعايير السليمة والعادلة والمشروعة؟ إنت اللي قلت كدا؟ طيب، روح رقي نفسك، إنما دا مش أكيد.
ما يمكن المنصب دا محتاج علاقات شخصية، أكتر ما هو محتاج كفاءة! ما يمكن تطورت مهاراتك في الاتجاه الخاطئ، إحنا عايزين حارس مرمى، وإنت بـ تتدرب تشوط ع الجون! ما يمكن إنت ممكن تحقق التارجيت وإنت في درجتك، بس لما تشيل مسئولية في درجة أعلى ما تقدرش تحققه، بينما ما عندكش كفاءة عالية في المسئولية الجديدة!
ما يمكن أساسا المنصب دا محتاج شخص ديرتي، وهو اللي يقدر يجيب دخل لـ الشركة، عشان إنت شخصيا تلاقي تقبض!
مليون حاجة ممكن نفكر فيها تخلي تقييمك لـ المشروعية من عدمها غير سليم، لاسيما وإنه معظم الناس شايفين إنهم يستاهلوا أكتر من اللي هم فيه، من أصغر موظف لـ حد المدير، المدير نفسه شايف إنه يستحق يدير شركة أحسن من كدا شوية.
فـ المشروعية عايزة مرجعية، إنت خصم، ما ينفعش تبقى حكم.
طيب، ماذا إذا كانت الأسلحة غير مشروعة، بناء على قوانين العمل نفسه؟ أي فيه شخص مخالف لـ شروط المؤسسة/ الدولة/ النظام العالمي؟ يبقى في الحالة دي تختصمه، ونفتح فايل جديد لـ معركة جديدة، وهي "إثبات" مخالفته لـ القانون.
تلجأ ساعتها بقى لـ رئيس مجلس الإدارة، مكتب العمل، المحكمة، الأمم المتحدة، مجلس الأمن، ولما حد منهم "يحكم" لك، فـ الحكم عنوان الحقيقة، ويبقى دا "حقك"، أو خليني أستخدم تعبيري المفضل دا "حدك".
هو حدك أو حقك أو زي ما تسميه، لـ إنك حصلت عليه فعلا مش لـ إنك شايف إنك تستاهل تحصل عليه.
بـ اختصار، المشروعية عايزة مرجعية، والمرجعية عند النجار، والنجار عايز مسمار، والمسمار عند الحداد، والحداد عايز بيضة، وحضرتك عارف كويس: البيضة تلاقيها فين، ولا مفر من ذلك المكان، لا مفر.