رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نكسات أمريكية إلكترونية

هزائم، أو نكسات، إلكترونية عديدة، دفعت الرئيس الأمريكى جو بايدن، بحسب مسئولين كبار فى إدارته، إلى دراسة جميع الخيارات المتاحة، لمواجهة جرائم الإنترنت المتزايدة، بما فيها الرد العسكرى. وأكدت جين ساكى، المتحدثة باسم البيت الأبيض، أن بايدن سيناقش هذه القضية مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، خلال قمتهما المقرر انعقادها فى ١٦ يونيو الجارى.

قبل توليه السلطة، تحديدًا فى ١٨ ديسمبر الماضى، تعهد بايدن بأن يجعل الأمن السيبرانى، أو الإلكترونى، «أولوية قصوى على كل مستويات الحكومة»، باعتباره «ضرورة حتمية»، وحذّر من وصفهم بـ«الخصوم»، فى بيان، من أنه لن يقف مكتوف الأيدى فى مواجهة الهجمات الإلكترونية. ومع ذلك، ومع أن نصف سنة تقريبًا مرت على دخوله البيت الأبيض، إلا أن الولايات المتحدة شهدت نكسات إلكترونية، تمكنت من تعطيل أنشطة قطاعات أمريكية مهمة.

القراصنة الظرفاء، الذين هبطوا على المنتجع الهادئ المطل على البحر، فى الأوبرا الكوميدية «قراصنة بينزانسى»، سنة ١٨٧٩، صاروا أكثر ظرفًا، من وجهة نظر البعض، فى المسلسل، متعدد الحلقات، المعروض الآن، لكنهم أثاروا مخاوف آخرين من قدرتهم على الإضرار باقتصاد الولايات المتحدة وتعطيل حياة مواطنيها. ولشبكة «سى إن إن»، قالت جنيفر جرانهولم، وزيرة الطاقة الأمريكية، أمس الأول الأحد، إن لدى «خصوم الولايات المتحدة» القدرة على إغلاق شبكة الكهرباء بالكامل، وأشارت إلى أن قطاع الطاقة تعرض لآلاف الهجمات الإلكترونية!

بداية الأسبوع الماضى، استهدف متسللون إلكترونيون، أى قراصنة، أكبر شركة لتعليب اللحوم فى الولايات المتحدة وأستراليا، وما زال مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى يحقق فى هذا الهجوم. وفى مايو الماضى، استهدف هجوم آخر شركة متخصصة فى توزيع الوقود، أدى إلى توقف ما يقرب من نصف إمدادات البنزين والديزل ووقود الطائرات عن الساحل الشرقى الأمريكى، واضطرت الشركة إلى دفع فدية قدرها ٥ ملايين دولار بعملة مشفرة لا يمكن تعقبها. 

الأكثر خطورة، كان ذلك الهجوم الذى تعرضت له، أواخر العام الماضى، شركة «سولار ويند» التى تدير وتتحكم فى برامج إدارة شبكات يستخدمها معظم الشركات الكبرى فى الولايات المتحدة ومجموعة من الوكالات الحكومية ومقاولى الدفاع. ومع أن روسيا نفت ضلوعها فى ذلك الهجوم، إلا أن عددًا من المسئولين الأمريكيين يصرّون على أنها المسئولة، وقالوا إن مجموعة «كوزى بير» التى قامت بتنفيذ الهجوم مرتبطة بالمخابرات الروسية.

فى مواجهة ذلك، أو فى محاولة لمواجهته، أعلنت وزارة العدل الأمريكية عن سعيها لاستخدام البروتوكولات المتبعة فى مواجهة الأنشطة الإرهابية فى مكافحة الجرائم الإلكترونية. ودعا البيت الأبيض جميع الشركات الأمريكية إلى اتخاذ «خطوات فورية» لزيادة أمنها، محذرًا من أن أى عمل تجارى يمكن أن يكون هدفًا لمجرمى الإنترنت. كما أصدرت ليزا موناكو، نائبة المدعى العام الأمريكى، الخميس الماضى، مذكرة داخلية توجه فيها المدعين العامين للإبلاغ عن جميع التحقيقات المتعلقة ببرامج الفدية التى وصفتها بأنها «تهديد عاجل لمصالح الأمة»، وطالبت وزارة العدل باستخدام جميع الأدوات الموجودة فى ترسانتها لمواجهة هذا التهديد.

هجمات البرمجيات الخبيثة المطالبة بالفدية تحولت إلى صناعة قائمة بذاتها. وشدّد خبراء على أن مفتاح تعطيل مجموعات القرصنة هو محاولة منع تدفق العملات المشفرة التى يطلبها القراصنة، عادة، لصعوبة تتبعها عبر المحافظ الرقمية والحدود الوطنية. وعليه، تدرس الإدارة الأمريكية، دور هذا النوع من العملات فى عمليات القرصنة الأخيرة، وتحاول استكشاف طرق جديدة لتتبع مدفوعات الضحايا. واقترحت «شبكة مكافحة الجرائم المالية»، التابعة لوزارة الخزانة، فرض قواعد إضافية على التعاملات بالعملات المشفرة. وبينما تم التلويح، كما أشرنا، بإمكانية الرد العسكرى، قيل إن الخطوة التالية قد تكون شل «الخوادم» المستخدمة فى تنفيذ الهجمات.

الهزائم، أو النكسات، الإلكترونية الأمريكية مستمرة، وروسيا هى المنتصر، أو المتهم الرئيسى، إذ نقلت وسائل إعلام أمريكية عن «خبراء» أنها مقر مجموعتى القرصنة «دارك سايد» و«ريفيل»، المسئولتين عن الهجومين الأخيرين. كما سبق أن وجه إليها عدد من أعضاء الكونجرس، خلال إفادات سرية، أصابع الاتهام بشأن هجوم «سولار ويند». وفى تصريحات لشبكة «سى بى إس» طالب كريس كريبس، المدير السابق لوكالة الأمن السيبرانى وأمن البنية التحتية، بضرورة اتخاذ تدابير إضافية لدفع روسيا إلى السيطرة على ما يحدث فى أراضيها! تأسيسًا على ذلك، وبزعم أنها مسئولة بشكل مباشر، أو تؤوى بعض الجناة، تعتزم إدارة بايدن اتخاذ موقف أكثر تشددًا فى مواجهة روسيا. وستكون قضية إيواء القراصنة، والهجمات الإلكترونية، على جدول نقاشات القمة الأمريكية الروسية المرتقبة. ولم تستبعد جينا رايموندو، وزير التجارة الأمريكية، حدوث «أى شىء» خلال هذه النقاشات. ولعلك تعرف أن بوتين سبق أن تمنى الصحة والعافية لنظيره الأمريكى، حين وصفه الأخير، فى حوار تليفزيونى، بأنه قاتل!