رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

روائع الأدب العالمي

رواية «موت إيفان إيليتش».. عندما يحكي «تولستوي» عن راحة الموت

غلاف رواية موت ايفان
غلاف رواية موت ايفان ايليتش

لقد انتهى الموت. لم يعد موجودا، سحب نفسا وفى منتصف الشهيق تصلب ومات. كانت هذه هى آخر عبارة فى قصة موت ايفان ايليتش. للكاتب الروسى الكبير تولستوى. الذى اختار نهاية فلسفية بامتياز.  أراد منها القول إن المرض هو الموت، أما الموت فهو النجاة من الحياة التعيسة إلى حياة بلا نهاية حياة أرحب وأجمل، ليس فيها تعب ولا نصب . 


تبدأ قصة موت ايفان ايليتش للكاتب الكبير تولستوى من مشهد أعضاء هيئة المحكمة وهم يقرأون فى الجريدة الجريدة خبر وفاة زميلهم ايفان ايليتش . بعد صراع مع المرض، وهنا يستعرض تولستوى آراء الاصدقاء الخارجية التى تترحم على الزميل الذى وافته المنية وهو فى عمر الشباب، بينما كل منهم يضمر فى نفسه أشياء أخرى. فالبعض سعيد بأنه مازال على قيد الحياة وأن الموت لم يخطفه مثلما خطف ايفان الذى كان صحيحا يرتقى المناصب منذ شهور . والبعض الآخر يتذكر تلك المشاحنات التى كانت تدور بينهم من أجل الترقيات .  
 

ثم ذهب بنا تولستوى إلى عوالم بيت ايفان حيث زوجته الصارمة وابنته وابنه أثناء مراسيم الجنازة وحمل النعش . 
 

كل هذا ونحن لا نعرف من هو ايفان ايليتش . تعمد تولستوى اخفاء شخصية بطل القصة الميت .

 الذى تدور الأحداث حوله، دون أن يكون له أى فعل أو ردة فعل . وبانسيابية تتناسب مع عنصر التشويق يذهب بنا تولستوى حيث بطل القصة ايفان ذاك الشاب الذى يعمل وكيلا للنيابة والذى لا يسلم من منغصات زوجته التى تعتبر راتبه هزيلا لا يكفى لحاجاتها مما جعل الحياة رتيبة الا من لحظات حميمية قليلة وصفها تولستوى بأنها جزر صغيرة فى محيط كبير . يستمر ايفان فى محاولة الترقى حتى يزيد من دخله وبعد محاولات عدة يتمكن من ذلك فيظن أن شمس السعادة ستشرق فى بيته، وبعد هدنة مع المنغصات يصاب ايفان بمرض الزائدة . التى كانت وقت كتابة الرواية مرضا خطيرا لا قدرة للبشر على احتماله، مما جعل الأطباء يصفون له الأفيون والعقاقير المخدرة . فى الثلث الاخير من الرواية استطاع تولستوى ببراعته المشهودة أن يصف لنا حال المريض الذى يعلم أنه ميت لا محالة . فإذا قامت زوجته بعمل يشغلها عنه ظنها تتجاهله، وترغب فى موته، أما إذا اهتمت به يغضب لانها تشفق عليه ، وإذا ما نظر إلى ابنائه ملأته الحسرة لأنه سببا فى تعاستهم فتمنى لنفسه الموت . 

 

لعب تولستوى فى روايته موت ايفان ايليتش على العامل النفسى للمريض الذى يطلب الموت وهو فى الأربعين من عمره، كى يتخلص من كل ضغوطه النفسية، حيث لا اصدقاء ولا اقارب يشعرون بمعاناته، فى المنعطف الأخير تأتى له زوجته بقس ليعترف أمامه، وهنا يقف ايفان أمام نفسه ويسألها ماهو  الشئ الخطأ الذى اقترفه  ليحتمل كل هذا؟ وإن كان قد اقترف ذنبا فكيف يصلحه؟ 
 

يغوص تولستوى فى ابعاد النفس البشرية التى لا ترتاح إلى شيء ولا تدرك المعنى الحقيقى الحياة ربما أراد تولستوى أن يقول إن السعادة تكمن فى الرضا لذا ختم روايته بمقولة لقد انتهى الموت ثم مات .