رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شفرة 30 يونيو

محمد الباز يكتب: 100 حكاية من قلب ثورة المصريين على الجماعة الإرهابية

جريدة الدستور

الحكاية «١»: أول القصيدة كفر.. الإخوان يهددون بحرق القاهرة إذا لم يُعلَن مرسى رئيسًا 

انتهى المصريون من التصويت فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ٢٠١٢ يوم الأحد ١٧ يونيو، وكان من المفروض طبقًا لما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات إعلان النتيجة يوم الخميس ٢١ يونيو، لكنها فى اليوم السابق لإعلان النتيجة قالت، فى بيان رسمى، إن إعلان النتيجة سيتأجل إلى أجل غير محدد، حتى تتمكن من فحص الطعون المقدمة إليها. 

استبقت جماعة الإخوان الجميع، وأعلنت يوم الإثنين ١٨ يونيو أن مرشحها محمد مرسى هو الفائز فى الانتخابات، خارجة بذلك عن كل الأعراف ومخالفة لأى قاعدة من قواعد اللياقة السياسية، وأغلب الظن أنها فعلت ذلك لتضع الجميع فى خانة اليك، فهى رسخت لدى الجميع وبأرقام أعلنتها أنها مَن حصدت المنصب الرئاسى، وعليه فأى نتيجة غير ما أعلنته ليست صحيحة. 

لم تكتفِ الجماعة بذلك، بل دعت أعضاءها من كل المحافظات إلى التوجه إلى ميدان التحرير للاعتصام والتظاهر، والسبب كما أعلنته وكالة الأناضول، التى كانت الوكالة الرسمية للإخوان وقتها، فى خبر عاجل بثته فى ٢٠ يونيو، أن القوى المعتصمة قالت إنها تهدف إلى الضغط على لجنة الانتخابات خشية حدوث تلاعب فى النتائج. 

لم يكن اعتصام الإخوان فى التحرير، الذى استمر إلى ما يقرب من السبعة أيام، سوى إرهاب واضح للجميع، وهو ما بدا فى تصريحات قيادات الجماعة، وتحديدًا محمود غزلان، المتحدث الرسمى باسم الإخوان، الذى أكد أن الاعتصام مستمر حتى تحقيق أهدافه. 

لم يكن للاعتصام إلا هدف واحد وهو إعلان مرسى رئيسًا مهما كانت النتائج التى لم يتدخل فيها أحد، فقد كان المجلس العسكرى الذى قام بالإشراف على تنظيم الانتخابات محايدًا، ويقف على مسافة واحدة من المرشحين المتنافسين. 

جذبت جماعة الإخوان إليها عددًا من القوى السياسية التى سبق وأعلنت أنها تقف فى جانب الإخوان، وهى القوى التى واصلت الاعتصام فى الميدان، لكن الجماعة كانت تخطط لشىء آخر، فلم يكن الميدان هو مركز الأحداث فقط، حيث قامت باستئجار عدد من شقق وسط البلد فى المنطقة المحيطة بميدان التحرير، وسعت إلى تكديس كمية من الأسلحة، استعدادًا لاستخدامها فى اللحظة المناسبة. 

شقق وسط البلد المستأجَرة، والأسلحة التى تم تخزينها فيها كشفت عنها تقارير أمنية، وضعت أمام الأجهزة المسئولة، كما رصدت هذه التقارير تخطيط الإخوان لحرق القاهرة بالكامل فى حالة عدم إعلان مرسى رئيسًا. 

المفارقة أن اعتصام الإخوان فى التحرير، الذى تواجد فيه عشرات الآلاف من أعضاء الجماعة من المحافظات المختلفة، لم ينفض بعد إعلان فوز مرسى رئيسًا صباح الأحد ٢٤ يونيو، بل دعت الجماعة إلى استمرار الاعتصام بكامل قوته، وكان هدفها هذه المرة- كما أعلنت هى- الضغط من أجل تسليم السلطة، فى محاولة منها إلى الادعاء أن هناك محاولات لمنع تسليم السلطة لمحمد مرسى، وهو ما لم يكن إلا وهمًا من أوهام الجماعة الإرهابية. 

لم يقف المجلس العسكرى صامتًا فى مواجهة الاعتصام والدعوات إلى استمراره، وفى بيان رسمى حذر من مغبة الخروج عن القانون والمس بالصالح العامة للبلاد. 

انتقد المجلس كذلك استباق إعلان النتائج النهائية الرسمية لانتخابات الرئاسة، مع التأكيد فى الوقت نفسه على موقفه المحايد فى هذه الانتخابات، وشدد على مواجهة أى محاولات للإضرار بالمصالح العامة والخاصة بمنتهى الحزم والقوة. 

لم تتعامل الجماعة- وهى عادتها- بنزاهة سياسية، وفى الوقت الذى كانت تطالب فيه وسائل الإعلام بالالتزام بنقل الحقيقة، كانت تسعى إلى خلق واقع ليس موجودًا على الأرض، وتلح على الإعلام أن يعترف به، ففى الوقت الذى كان المجلس العسكرى يستعد فيه لتسليم السلطة بالفعل، كانت هى تحرض ضده، وهو ما ظهر فى اللافتات التى رفعها المعتصمون فى ميدان التحرير للمطالبة بتسليم السلطة. 

لقد سعت الجماعة الإرهابية، ومبكرًا جدًا، إلى صنع أزمة، وجعل المجلس العسكرى خصمًا، وحشدت أنصارها ليكونوا وقودًا فى معركة وهمية، كانت تعرف هى حدودها، وتحدد المكاسب التى ستجنيها من ورائها، وللأسف الشديد سعى خلفها كثيرون وصدقوها فى ذلك.

الحكاية «٢»: أول مواجهة قانونية مع الجماعة بعد مانشيت «الفاشى فى قصر الرئاسة» 

كنت أتابع إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية فى يونيو ٢٠١٢ فى أحد كافيهات المهندسين، كان الكافيه خاليًا تمامًا، نزل علىّ خبر فوز محمد مرسى كالصاعقة، كانت هناك مؤشرات لفوزه، لكنه عندما حدث أظلمت الدنيا فجأة. 

خرجت إلى الشارع لأقرأ وقع الخبر على ملامح الناس، كان الصمت هو اللغة التى يتحدثها الجميع، فرغم أن الأحداث كانت تقودنا جميعًا إلى هذه النتيجة فإن الناس لم تكن تتصور أبدًا أن يكون رئيس مصر إخوانيًا. 

بعد ساعات كنت أجلس بمكتبى فى جريدة الفجر، لأكتب أول مقال فى معركة طويلة قررت أن أخوضها ضد حكم الإخوان، وهو المقال الذى تم نشره فى ٢٦ يونيو ٢٠١٢. 

كانت الفكرة واضحة تمامًا، وهو ما جعل صياغة العنوان سهلة، فقد تجسد الأمر أمامى بوضوح فى «الفاشى أصبح فى قصر الرئاسة». 

لم أصف محمد مرسى بـ«الفاشى» نزولًا على أنه ينتمى إلى جماعة تمثل الفاشية الدينية، بل بحثت فى أصل الجماعة ونشأتها، وقرأت ملامح انتمائه لها. 

من بين ما جاء فى المقال: من بين ما كتبه حسن البنا فى جريدته «الإخوان المسلمون» فى عدد ١٥ جمادى الأول عام ١٣٥٢ هجرية، الموافق عام ١٩٣٣، أنه أبدى إعجابه الشديد بهتلر وموسولينى، ووصفهما بأنهما قائدا النهضات الحديثة فى أوروبا، بل أشاد «البنا» بالاتفاقيات التى عقدها هتلر وموسولينى مع الفاتيكان، آخذًا من ذلك دليلًا على أنهما يؤيدان ويثبتان الأديان والعقائد فى نفوس الأمة. 

إشادة «البنا» بهتلر وموسولينى جعلت مؤرخًا مهمًا هو عبدالعظيم رمضان- واحد من أهم من كتبوا عن جماعة الإخوان تاريخًا وحاضرًا- يلتقط الطابع الفاشى لجماعة الإخوان، وهو الطابع الذى برز منذ ظهور الفرق شبه العسكرية للإخوان، وهى الفرق التى كانت ترتدى القمصان الصفراء. 

كان للفاشية كمذهب تأثير على فكر حسن البنا فى تأسيسه لجماعته، فقد أخذ من نظامها وطاعتها فى بناء الجماعات، كما أخذ منها البيعة على السمع والطاعة للمرشد والثقة بالقيادة وتنفيذ القرارات وإن خالفت رأى العضو الشخصى، وجعل «البنا» من ذلك كله قوانين النظام الأساسى للإخوان. 

وخلصت من ذلك إلى أن محمد مرسى تم تكوينه فى إطار هذه الجماعة طبقًا لقوانينها كاملة، ولم يشذ عنها على الإطلاق. وضعنا صور محمد مرسى المتاحة أمامنا، وبعبقرية التقط الصديق عيد رحيل، المشرف الفنى على جريدة الفجر، صورة له وهو فى إحدى جولاته الانتخابية، كان يرفع فيها بنطاله إلى أعلى وحوله بعض أنصاره، ففرغ الصورة من المحيطين به، وظل هو وحده، يبدو متهافتًا وضائعًا وساذجًا. 

وضعنا الصورة بحجم الصفحة الأولى، وتصدر العنوان أعلى الصفحة، فى إشارة واضحة إلى موقفنا الواضح من الرئيس الإخوانى ومن جماعته. 

كان رئيس التحرير، الكاتب الكبير عادل حمودة، مسافرًا إلى الخارج أثناء إعدادنا الجريدة، وعاد يوم التقفيل، ولما رأى الصورة والعنوان، قال لى: من بدرى كده. قلت له: أعتقد أن هذه ستكون أشرس وأطول مواجهة مع الإخوان، ولا بد أن تبدأ من هنا، لأن هناك كثيرين سوف يقفون فى صف الجماعة، ونحن لم نكن أبدًا منهم.. ولن نكون. 

دون تردد وافق عادل حمودة على المعالجة التى قدمناها، وبعد النشر بـ٢٤ ساعة وجدته يحدثنى منزعجًا، فقد عرف أن هناك بعض المحامين، المنتمين إلى الجماعة الإرهابية، يستعدون لتقديم بلاغ إلى النائب العام ضدى وضد الجريدة، بسبب وصفنا لمحمد مرسى بأنه فاشىّ. 

طمأنته بأننا لم ننسب له الوصف من فراغ، وأن هناك تأصيلًا تاريخيًا فى المقال، لكننى انحزت إلى أن البلاغ لن يكون بسبب الوصف، ولكن بسبب الصورة، لأنها تحدد موقفنا من الرئيس الجديد، ففيها إهانة ملحوظة، ومحاولة للتقليل من شأنه، وحتما يريد الإخوان قطع الطريق على من يريدون الاستهانة به، لأن الاستهانة هى أول طريق إسقاطه. 

تأكدت من وجهة نظرى هذه بعد أن وجدت الدكتورة راجية قنديل، وهى أستاذة الرأى العام بكلية الإعلام جامعة القاهرة، تقول لى: على فكرة الصورة بتاعة مرسى دى رغم أنها بداية لحملة صحفية ضده، لكنها هتكون صورة نهايته، فالتعامل مع الرئيس بكل هذا القدر من السخرية، حتمًا سيقوده إلى نهاية سريعة، لأن الشعب عندما يتهكم على الحكام ولا يخشى منه، فمعنى ذلك أنه سيثور عليه وسريعًا.. وكان هذا ما حدث. 

لم نسمع بعد ذلك عن التحرك القانونى بسبب ما قلته عن محمد مرسى، وإن كنت قد تأكدت أنهم كانوا قد كتبوا البلاغ بالفعل، وكانت لديهم نية مؤكدة للذهاب به إلى مكتب النائب العام.

 

الحكاية«3»: مرسى يكذب.. كان يرتدى قميصًا واقيًا وهو يؤدى اليمين فى ميدان التحرير 

قبل أن يذهب محمد مرسى إلى المحكمة الدستورية العليا لأداء اليمين الدستورية، قرر أن يذهب إلى ميدان التحرير يوم الجمعة ٢٩ يونيو ٢٠١٢، ليؤدى اليمين هناك، مدعيًا بذلك أنه يريد أن يحصل على الشرعية من الشعب. 

فى ميدان التحرير كانت هناك حركة استعراضية تعمّد مرسى أن يقوم بها، فقد فاجأ حرسه الشخصى بخروجه من المكان المخصص له فوق المنصة، ليتوجه إلى الصفوف الأولى من أنصاره، وقام بفتح جاكيت بدلته قائلًا: «أنا لا أرتدى قميصًا واقيًا من الرصاص، وأنا مطمئن بفضل الله ثم بكم»، وعندما سارع حرسه الشخصى بالإحاطة به، قال: «أنا لا أخاف إلا الله، ثم أعمل لكم ألف حساب، أنتم أصحاب السلطة والإرادة، ومن أجل ذلك أتيت إليكم». 

كان إخراج المشهد هزيلًا ومكشوفًا جدًا. 

سألت مسئولًا أمنيًا كبيرًا، كنت أعرف أنه متداخل مع ملف الإخوان ويعرف قادتهم جيدًا، عن حقيقة ما حدث فى الميدان؟ 

قال لى: مرسى قرر أن يحلف اليمين فى ميدان التحرير، وفى هذه اللحظة كانت الأجهزة السيادية تتعامل معه على أنه الرئيس الشرعى للبلاد، الذى جاء عبر صندوق الانتخابات، ولا بد من حمايته وتأمينه بشكل كامل، وقد بذل الحرس الجمهورى مجهودًا ضخمًا فى ذلك، وكانت المتابعة دقيقة جدًا من كل الأجهزة المعنية بالأمر. وفى ميدان التحرير- كما يقول المسئول الأمنى الكبير- ارتكب محمد مرسى أكبر كذبة علنية عندما فتح صدره وقال إنه لا يرتدى قميصًا واقيًا، فى إشارة إلى أن الشعب هو الذى يحميه، على الرغم من أنه كان يرتدى قميصًا واقيًا من نوع مختلف، وكان الجميع يعرف ذلك، بل كانت هناك مبالغة فى تأمينه بشكل غير عادى، لأنه كانت هناك قطاعات عريضة من الشعب المصرى رافضة توليه السلطة. 

ويضيف المسئول الأمنى الكبير: فى الوقت الذى قال فيه مرسى إنه لا يرتدى قميصًا واقيًا من الرصاص لأنه فى حراسة الله وحراسة الناس، كان يحتمى من الجميع بقميص واقٍ يعرف أنه يرتديه، لكنه أراد أن يقدم نفسه على أنه بطل شعبى، رغم أنه لم يكن كذلك على الإطلاق.

الحكاية «4»: أول صدام.. الرئيس الإخوانى يطلب أداء اليمين سرًا فى المحكمة الدستورية 

بعد إعلان فوزه فى الانتخابات الرئاسية، كان على محمد مرسى أن يؤدى اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، لكنه قرر معاندة الجميع، وعلى رأسهم المجلس العسكرى، فأعلن أنه سيحلف اليمين الدستورية فى جامعة القاهرة أمام أعضاء مجلسى الشعب والشورى، وهو ما يعنى أنه لا يعترف عمليًا بقرار حل مجلس الشعب، لكن الجماعة، التى أرادت أن تمر الأمور بسلام، قررت فى اجتماع مكتب إرشادها أن يؤدى مرسى اليمين أمام المحكمة الدستورية أولًا قبل أن يذهب إلى جامعة القاهرة؛ حتى يحظى بالشرعية الدستورية. 

تحدد لأداء اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا صباح السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢، بعد ساعات من حلف اليمين فى ميدان التحرير، لكن الجماعة التى ارتضت أن يؤدى رئيسها اليمين أمام المحكمة قررت أن تلجأ إلى الحيلة، وهو ما عرفته المستشارة تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة وقتها.

فقد وصلت إليها معلومات أن مرسى سيحاول حلف اليمين بعيدًا عن كاميرات التليفزيون، وأنه يريد أن يؤدى اليمين بشكل سرى، فاجتمعت بأعضاء المحكمة وأطلعتهم على ما لديها من معلومات، وقالت إن ما سيفعله مرسى يمثل تحديًا كبيرًا، ولا بد من تفويت الفرصة عليه، وهو ما وافق عليه أعضاء المحكمة بالإجماع. كانت سيارات التليفزيون موجودة منذ الصباح الباكر أمام المحكمة الدستورية استعدادًا لنقل حلف اليمين على الهواء، لكن كانت هناك معلومات عن تعطيل عمل هذه السيارات أو قطع الكهرباء عن مبنى المحكمة أثناء حلف اليمين، فطلبت تهانى من صديقة لها أن تتابع التليفزيون وأن تبعث لها برسالة إذا لم يقم التليفزيون بالإذاعة، وقررت أنه إذا وصلت إليها هذه الرسالة أن تتوقف مراسم أداء اليمين الدستورية. 

لم تكن هناك مفاجأة فى انتظار قضاة المحكمة الدستورية العليا حين وجدوا محمد مرسى يطلب منهم أن يكون أداء اليمين فى جلسة سرية، وأنه لا داعى لأن يحدث هذا على الهواء مباشرة، فقد أدى اليمين علنًا فى ميدان التحرير، وسيفعل ذلك بعد قليل فى جامعة القاهرة. 

التقطت تهانى الجبالى الفكرة التى يحاول محمد مرسى تمريرها، فأوقفت استرساله تمامًا، وقالت له بسخرية: سيادة الرئيس الجلسات السرية لا تكون إلا لقضايا، أنت تعرف طبيعتها جيدًا، وأعتقد أننا أمام حلف يمين رئاسة جمهورية مصر العربية، ولا يليق أن يكون الأمر سريًا، لأنه لا يوجد شىء فاضح فى الأمر. لم يعلق محمد مرسى على ما قالته تهانى الجبالى، لكنه أسرَّ الأمر فى نفسه، ولم يجد أمامه إلا أن يستجيب لأداء اليمين علنًا، وأمام كاميرات التليفزيون التى نقلته على الهواء مباشرة، ولم تصل الرسالة التى كانت تنتظرها تهانى الجبالى. 

الحكاية«٥»: الإخوان يحرضون شبابهم للهتاف ضد المجلس العسكرى

كانت قيادات المجلس العسكرى تعرف جيدًا أن جماعة الإخوان الإرهابية هى التى تقف بقوة خلف الهتافات المسيئة للمؤسسة العسكرية، وهى الهتافات التى دفعت بها ليتبناها الشباب الذى يتظاهر فى الميادين، ولأن المشير حسين طنطاوى، رئيس المجلس العسكرى، كان سيحضر أداء اليمين فى جامعة القاهرة، فقد جرى التنبيه على قيادات الجماعة أن يلتزم الجميع، وألا يكون هناك أى هتاف غير لائق من أى نوع، وهو ما أبدى قيادات الجماعة موافقتهم عليه والتزامهم به. لم تمر سوى لحظات على دخول المشير طنطاوى قاعة الاحتفال حتى انطلقت هتافات من الأدوار العليا فى القاعة التى يجلس فيها شباب الإخوان صارخين «يسقط حكم العسكر». سرت موجات من الكهرباء العنيفة على وجوه الموجودين فى القاعة، فتوجه اللواء ممدوح شاهين، عضو المجلس العسكرى، إلى محمد بديع، مرشد الإخوان، وقال له بعتاب غاضب: هل هذا ما اتفقنا عليه يا دكتور بديع؟!. 

هز محمد بديع رأسه علامة على أنه سينهى الموقف على الفور، وهو ما حدث. استدعى المرشد محمد البلتاجى، الذى كان فيما يبدو أحد المشرفين على تنظيم الحفل، فأشار إلى الشباب الموجودين فى القاعة، الذين تولوا الهتاف، فتغيرت هتافاتهم على الفور، وسمع الموجودون هتافًا مزلزلًا: الجيش والشعب إيد واحدة.

 

الحكاية «٦»: فخ الرئيس الإخوانى لشيخ الأزهر فى معسكر الهايكستب

كان الدكتور أحمد الطيب، الإمام الأكبر، مدعوًا لحضور أداء اليمين الدستورية فى جامعة القاهرة، وطبقًا للبروتوكول كان من المفروض أن يجلس الدكتور الطيب فى الصف الأول، لكنه عندما دخل القاعة وجد أن الكرسى المُعد له فى الصفوف الخلفية، وعرف أن الكرسى الخاص به تم نزع اسمه من عليه، ووضع مكانه اسم سعد الكتاتنى، رئيس مجلس الشعب المنحل، فى محاولة لتصدير أن الكتاتنى موجود، وأن مسألة عودة المجلس أمر مفروغ منه. 

انسحب شيخ الأزهر من القاعة غاضبًا، رافضًا أى رجاءات بالانتظار، اكتفى فقط بالنظر إلى عدد من قيادات الجماعة الذين يعرفهم ويعرفونه جيدًا، وقال لهم: «إنتم هتبدأوها من الأول؟». كانت كلمة شيخ الأزهر دالة وموحية وكاشفة عن أنه يعرف أن الجماعة ستدخل معه فى صراع من أجل إخضاع الأزهر لسيطرتها، لكن لم يكن يتوقع أن تبدأ المعركة مبكرًا، وفى اليوم الأول للرئيس الإخوانى فى منصبه، فقد كان ما حدث لشيخ الأزهر إهانة بالغة لا تغتفر. عاد شيخ الأزهر إلى مكتبه فى مشيخة الأزهر، وقد حاولت الجماعة أن تخفف من وطأة ما جرى، فصورت الأمر على أنه مجرد خطأ غير مقصود بالمرة، ونشرت الجماعة تقارير قالت فيها إن محمد مرسى سارع إلى الاتصال بشيخ الأزهر واعتذر له عما جرى. 

هناك من شكك فى هذا الاتصال، لكن أغلب الظن أنه حدث، بدليل أن شيخ الأزهر، الدكتور الطيب، بعد ساعات قليلة من واقعة جامعة القاهرة شارك فى حفل تسليم السلطة فى معسكر الهايكستب، حيث قرر المجلس العسكرى تسليم السلطة لمحمد مرسى هناك.

دخل محمد مرسى إلى الحفل، وبدأ فى مصافحة من وقفوا له، وفجأة وبعد أن مد شيخ الأزهر يده ليسلم على محمد مرسى تجاهله تمامًا، وسلم على الذى يليه، وكأن الرئيس الإخوانى تعمد أن يهين شيخ الأزهر مرة ثانية وفى يوم واحد. أغلب الظن أن مكالمة مرسى لشيخ الأزهر لم تكن أبدًا من أجل الاعتذار وتطييب الخاطر، بقدر ما كانت محاولة منه لاستدراجه إلى فخ جديد.