رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تاريخ لن ننساه «3»

نرى أن حادث الكلية الفنية العسكرية، الذي وقع بعد ستة أشهر فقط، من انتصار أكتوبر عام 1973، وما تمخض عنه من تحقيقات، كان يمكن أن يثني الرئيس السادات عما بدأه من تشجيع التيارات الإسلامية، خصوصا أن اعترافات المتهمين أعلنت صراحة أن هدفهم هو اغتيال الرئيس وإعلان دولة إسلامية.. ولكنه عاند، واستجاب لبعض الكتاب من الإخوان ممن وصفوه بالرئيس المؤمن، وكبير العائلة.

وأعتقد أنه كان هناك توجيه من الرئيس بأن تسير التحقيقات في اتجاه يستبعد تورط الإخوان المسلمين، حتى لا تفسد خطط السادات في التقارب مع السعودية وأمريكا.

كانت جماعة الإخوان المسلمين قد تولت إدارة عملية الدفاع بواسطة كوكبة من المحامين التابعين لها.. ووضعت جماعة الإخوان خطة الدفاع وتولاها المحامون منهم ومن غيرهم‏.

وكان من محامي الإخوان الدكتور عبدالله رشوان، الذي ألزم بقية طاقم الدفاع بخطة الدفاع التي تعتمد على محورين‏؛ الأول: في الوقائع والموضوع‏، والثاني‏:‏ سياسي‏..‏ ففي الوقائع كانت الخطة تعتمد على إنكار التهمة ونفي محاولة الانقلاب وتصوير المسألة باعتبارها مؤامرة داخل عملية الصراع على السلطة في مصر‏، وأن القصة هي أن مجموعة من طلبة الكلية الفنية العسكرية كانت تقيم ندوات دينية داخل مسجد الكلية، ويحضرها زوار من خارج الكلية مدنيون،‏ وأن المتآمرين استغلوا هذا للإيقاع بهم‏.

وقد اهتم السفير الأمريكي في مصر، والسفير السعودي، وقتها، وأرسل كل منهما تحليلاته إلى حكومته، وقد أفرجت الحكومة الأمريكية عن وثائق الخارجية حول هذا الحادث، التي نشرتها صحيفة «المصري اليوم» في 27 أبريل 2013، جاء فيها: أرسل السفير الأمريكي وثيقة بتاريخ 27 أبريل 1974، عبارة عن رسالة إلى الخارجية الأمريكية وعدد من سفاراتها في السعودية وليبيا ولبنان، يوضح فيها هوية منفذ التفجير وعلاقته بالإخوان المسلمين، بعنوان «الاتصال بين منفذ هجوم الفنية العسكرية وجماعة الإخوان المسلمين".. وفى الوثيقة يوضح السفير أنه لا يوجد سوى تقرير واحد يفيد بأن صالح سرية كان عضواً قديماً بجماعة الإخوان المسلمين، وعدا ذلك فليس هناك ما يؤكد اتصال تنظيم الإخوان الحالي بالهجوم، ولكنها أشارت إلى بعض الدلائل التي توضح اتصاله بما سمته «التنظيم القديم للإخوان».. ولفتت الوثيقة إلى وجود تقارير صحفية تحدثت عن علاقة صال سرية بمرشد الإخوان الراحل حسن الهضيبي قبيل وفاته، كما أن وزارة الأوقاف قامت باستبدال الشيخ محمد الغزالي، مستشار وزارة الأوقاف، بإمام آخر بمسجد عمرو بن العاص حتى تنتهي التحقيقات وتتبين طبيعة موقفه من القضية، بعدما ذكر سرية اسمه في التحقيقات وادعى أنه كان على اتصال به.

وعلقت السفارة على هذه المعلومات بترجيح اتصال سرية بالإخوان، قائلة: إن المعلومات سالفة الذكر هي مثيرة حقاً، حيث توحى بأن (سرية) قد يكون قد لجأ بالفعل إلى مساعدة الإخوان مستنداً في ذلك إلى علاقته بالتنظيم القديم للجماعة.

وتقول وثيقة أخرى إن السفير السعودى ظل يلاحق وزير الداخلية المصري لمعرفة المزيد من التفاصيل، وإنه أخبره بأنه في حال عدم توفير المعلومات الكافية عن الحادث فسيعتقد الملك فيصل بأن الأوضاع الأمنية في مصر غير مستقرة، موصياً الوزير المصري بأن يخرج السادات ويفصح بنفسه في بيان واضح عن هذه المعلومات.. ورأت السفارة أن الحدث قد ألقى الضوء على واحدة أو اثنتين من الجماعات الإسلامية التي قد تكون أو لا تكون على علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، والتي تتطابق أهدافها وسياساتها مع أهداف وسياسات الإخوان، فأهدافها سياسية، وتتخذ من العنف وسيلة لبلوغ أهدافها.

وفى يوم 24 أبريل، أرسل السفير الأمريكي برقية أخرى إلى الخارجية بواشنطن، أشارت فيها إلى ما صرح به مسئول السفارة السعودية بخصوص جماعة السنة المحمدية، حيث أوضح أن جماعة السنة المحمدية تأسست خلال العقد الثالث من القرن العشرين، وكانت جماعة دينية في الأصل وبعيدة كل البعد عن المجال السياسي، حيث اهتمت بها السعودية خلال العقد الخامس من القرن نفسه، لما وجدت من تقارب بين أهدافها وفكرها والفكر الوهابي، وأفاد بأن تحقيقات النيابة كشفت عن تورط بعض أعضاء الجماعة في حادث التفجير، ولكنه يعتقد بشكل شخصي أن هؤلاء المتورطين انشقوا عن جمعة أنصار السنة المحمدية، وكونوا جماعة أخرى خاصة بهم أطلقوا عليها اسم «شباب محمد».. وعلقت السفارة الأمريكية على ذلك بأن السعودية تفتقر إلى المعلومات الكافية بشأن قضية يفترض أنها موضع اهتمامها.. ووصف المسئول المصري زعيم التفجير صالح سرية بأنه قوى البنية والشخصية، من أصل فلسطيني، ولديه جواز سفر عراقي، وعند سؤاله عن انتماء المتورطين لجماعة الإخوان المسلمين أجاب بأنهم لا ينتمون لهم، ولكنهم ينتمون إلى اليسار الإسلامي الجديد، وأنهم مجرد منفذين لا يدركون الهدف الفعلي من وراء التفجير، وكانت الخطة كالتالي: أن يقوم الفريق الأول بالهجوم على الكلية العسكرية، والاستيلاء على الأسلحة اللازمة للهجوم على مقر الاتحاد الاشتراكي العربي أثناء تواجد السادات فيه، على أن يكون الفريق الآخر مستعداً لاختطاف رهائن أي من السفارات الأجنبية حال تم القبض على منفذي هجوم الكلية.. وحول تورط ليبيا في الحادث أشار المسئول إلى أن المخطط خارجي «حتى روسيا قد تكون متورطة فيه».

وبعدها بثلاث سنوات وقع حادث آخر أبشع من حادث الفنية العسكرية، كشف عن تدني مستوى الأمن في مصر، وكشف عن ظهور تنظيم باسم التكفير والهجرة.. حيث قام التنظيم باغتيال وزير الأوقاف السابق وقتها وقتله في قلب القاهرة.

[يتبع]