رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: 100 حكاية من قلب ثورة المصريين على الجماعة الإرهابية

الدكتور  محمد الباز
الدكتور محمد الباز

«تصنع الشعوب التاريخ... وتسجله النخبة».

ربما كان هذا صحيحًا قبل الثورة التكنولوجية، التى تطيح فى طريقها بأى وكل شىء تقليدى ومعتاد. 

فكل المسلمات فى حالة اختبار، وكل المتفق عليه أصبح محل شك، وخرجت للنور قواعد كثيرة جديدة علينا، نعاندها أحيانًا، لكننا سرعان ما نعترف بها ونتعود عليها.. والحقيقة التى يجب ألا نهرب منها هى أننا نخضع لها. 

لا أحدثكم عما فعلته التكنولوجيا فى المعلومات، حيث جعلتها متاحة ومباحة ومستباحة، لتتحقق ديمقراطية المعرفة، فالكل يعرف فى نفس الوقت وربما بنفس القدر. 

ولكننى أقف بكم عند ما أتاحته التكنولوجيا من إمكانية للجميع للتسجيل والتوثيق والحكى.. وأيضًا كتابة التاريخ. 

يمكننا أن نعيد الصياغة إذن. 

«تصنع الشعوب التاريخ.. وتسجله أيضًا». 

فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ خرج إلى الشوارع والميادين أكثر من ٣٥ مليون مصرى، يهتفون فى صوت واحد ضد الفاشية الدينية، وضد عصابة الإخوان التى قررت أن تختطف مصر بعيدًا عن كل أبنائها. 

وفى ٣ يوليو خرج ما يقرب من الـ٤٠ مليون مصرى، يؤكدون هتافاتهم ضد الجماعة الإرهابية ورئيسها ومرشدها، ولم يعودوا إلى بيوتهم إلا بعد الإعلان عن خارطة طريق تحدد ملامح المستقبل بعيدًا عن الفشلة والخونة من الإخوان وحلفائهم. 

وفى ٢٦ يوليو ٢٠١٣ خرج ما يزيد على ٥٠ مليون مصرى إلى كل الشوارع والميادين، يلبون نداء الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، الذى وقف يحدثهم عن العنف والإرهاب المحتمل، وطلب منهم أن يمنحوه تفويضًا للمواجهة، فنزلوا رافعين أعلام مصر وصور القائد الذى ولِد على يد الأقدار، داعمينه ومساندين له فيما فرضته الأحداث علينا جميعًا. 

فى كل مرة كانت الصورة تكتمل أمامنا، ينتظم المصريون ليس فى الداخل فقط، ولكن فى الخارج أيضًا، فقد كانت الجاليات المصرية فى دول العالم المختلفة تسبق وتخرج فى مظاهرات وتنظم وقفات منطلقة من نفس موقف الملايين الغاضبة داخل مصر. 

وفى كل مرة أستعيد هذه الأحداث أجدنى أمام أسئلة، أعتقد أن الإجابة عنها ليست سهلة. 

فمَن يملك هذا الحدث الكبير؟ 

ومَن يملك الحق فى تسجيل وقائعه؟ 

ومَن يقدر على أن يفصل بين الخيط الأبيض والخيط الأسود من الثورة؟ 

طالبت أكثر من مرة أن تكون هناك لجنة علمية تقوم بتوثيق ما حدث. 

وأعتقد أن مَن طرحت عليهم الفكرة ما زالوا يذكرون خطة عمل هذه اللجنة التى طرحتها عليهم. 

ولا يزالون يعرفون أن هناك كثيرين من المؤرخين والباحثين والصحفيين والكُتّاب يمكن أن يعملوا فى هذا المشروع تطوعًا. 

وأعتقد أيضًا أن المشروع سيأتى وقت ويكون على قائمة أولويات الجميع. 

فنحن لا نتحدث عن ثورة عابرة، بل عن قرار مفصلى فى تاريخنا، انحزنا به إلى مستقبل نصنعه بأيدينا، ونعيد صياغة وطننا بالصورة التى نستحقها وتليق به. 

لقد كتبت كثيرًا عما جرى، ولن أبالغ إذا قلت لكم إننى كتبت عنه قبل أن يحدث. 

فمن اللحظة الأولى التى دخل فيها الرئيس الإخوانى إلى قصر الاتحادية وأنا أعرف أنه لن يستمر طويلًا. 

لم تكن هذه المعرفة أُمنية ولا حلمًا، ولكنها كانت يقينًا بسبب معرفتى بتركيبة الجماعة التى لن يطيقها الشعب المصرى لأنها غريبة عنه، وكل ما فعلته أننى كنت أنتظر الشرارة التى بعدها ستشعل النار فتأتى على أخضر الجماعة قبل يابسها. 

وكتبت كثيرًا عما جرى أثناء أيام الثورة وما بعدها. 

وفى كل عام، وعندما يهل علينا شهر يونيو، أعيد النظر فى أوراقى التى نشرتها وتلك التى لم أنشرها بعد، وهى كثيرة وفيها من الأسرار ما أعتقد أنه لن يكون من السهل علىّ الإفصاح عنها الآن، لكن فى كل الأحوال هناك ما يستحق أن يُروى. 

ما رأيكم أن نقف سويًا هذه المرة عند الحكايات التى ترقد تحت جلد الثورة. 

أعرف- كما تعرف أنت تمامًا- أن هناك آلاف الحكايات التى وقفت وراء هذه الثورة، الحكايات صنعها أصحابها، وعرفها منهم من يحيطون بهم، وربما كان من حظى أننى اقتربت من كثيرين كانوا على صلة بما حدث، وهو ما كان سببًا فى تراكم القصص فى درج مكتبى. 

من بين الحكايات الكثيرة، التى شكلت الثورة، سأكتب لكم هذه المرة مائة قصة، أبطالها ما زالوا يعيشون بيننا، وهو تحدٍ أعرف أنه ليس بسيطًا، فما أكتبه سيكون تحت مرآة من شاركوا، ويستطيعون أن يراجعونى فيه إذا أرادوا. 

لن أخفى عليكم أننى سأتخفف قليلًا- وربما كثيرًا- وأنا أكتب هذه الحكايات التى تسكن فى قلب ثورة ٣٠ يونيو، لأننى على قناعة تامة أن لكل حكاية أكثر من وجه، وأنا هنا أكتب الوجه الذى أعرفه، وهو ما لا يتناقض مع الوجوه الأخرى التى تملكها الحكاية ويمكن أن يرويها لنا الآخرون، المهم أن تكون لديهم الشجاعة لأن يتحدثوا. 

حكايات الثورة ليست للتسلية ولا لتزجية الوقت. 

وهى ليست أيضًا لأخذ العظة ولا العبرة. 

فلا أنا بالواعظ.. ولا أنتم بالمذنبين. 

حكايات الثورة هنا نرويها من أجل الفهم، وهو بالنسبة لى القيمة العظمى فى الحياة، فعندما نفهم ما جرى يمكننا أن نبنى عليه، وأعتقد أن هذا ما حدث خلال السنوات التى أعقبت الثورة. 

لقد فهم المصريون بعد عقود طويلة أن جماعة الإخوان إرهابية، وأنها تمثل الخطر الأكبر على هذا الوطن، فأغلقوا فى وجهها كل أبواب المدينة، ولم يسمحوا لها بالدخول مرة أخرى، وأعتقد أنهم لن يسمحوا لها أبدًا. 

بين سطور الحكايات- التى ينشر بعضها، وهو كثير، لأول مرة- سنعرف جزءًا مهمًا من تاريخنا الذى صنعناه بأيدينا. 

ستجد أمامك بعض الأسباب التى دفعت بنا جميعًا إلى المواجهة. 

وستجد الأسباب التى جعلت هذا الشعب ينتصر على الجماعة الضالة المضللة. 

وستجد ما يقنعك ويزيد إيمانك ويقينك أننا كنا على صواب وما زلنا على صواب. 

يمكننى أن أصعد بكم الآن إلى السطور الأولى التى كتبتها، وإلى الأسئلة التى طرحتها، وتركتها دون إجابة، لأقول إننا جميعًا مَن نمتلك الحدث، ومن حقنا جميعًا أن نكتب ما جرى. 

كل واحد من الملايين التى خرجت وشاركت فى ٣٠ يونيو يملك قصته، لديه حكايته، ومن حق هذا الوطن أن نكتب جميعًا حكاياتنا، لنذكّر أنفسنا ولنعلّم القادمين من أجيال لم تكن حاضرة معنا ما فعلناه، حتى لا يتسرب إليهم من يشوّه ما حدث ويصدّر لهم صورة كاذبة تمامًا. 

هذه محاولة نبدأها هنا معًا.. ربما يلتفت إليها الآخرون، فيكتبون ما لديهم. 

هنا سنحكى.. نحكى فقط. 

لكننى أعدكم أن الأثر سيتجاوز مجرد الحكاية.