رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السياسات «التقدمية» للدولة المصرية

على هامش القرارات التى اتخذها المجلس الأعلى للهيئات القضائية أمس «برئاسة الرئيس السيسى» يمكن القول إن الملامح «التقدمية» فى سياسات الرئيس السيسى تؤكد نفسها يومًا بعد يوم.. إن «التقدمية» ليست حكمًا عاطفيًا.. أو لفظًا يراد به مدح الرئيس من كاتب متحمس لحكمه.. وهى أيضًا ليست تعبيرًا عن مذهب سياسى بعينه، ولكنها تعبير عن نهج فى الحكم.. إنها، كما يشرح اسمها، تعنى أن يتقدم المجتمع للأمام.. فإذا كان وضع المرأة متراجعًا لقرون عديدة فى مصر.. وإذا كانت قد تراجعت لانتكاسة منذ سبعينيات القرن الماضى.. فقرارات الدولة المصرية الأخيرة «تتقدم» بها وبالمجتمع إلى الأمام وتغير الوضع الراكد الذى يدعمه «المحافظون» أو أنصار بقاء الوضع على ما هو عليه.. إن «التقدمية» لا تعنى السياسات «اليسارية»، رغم أن بعض الأحزاب السياسية يصف نفسه بالتقدمية «حزب التجمع مثلًا».. لكنها فى الحقيقة تعنى «الإصلاح».. وأنا من الذين يعتقدون أن الإصلاح هو جوهر حكم الرئيس السيسى وغاية ثورة ٣٠ يونيو.. إن التقدمية، وفق دائرة المعارف، هى «فلسفة سياسية عامة تدعم أو تعمل لصالح الإصلاحات التدريجية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من خلال الإجراءات الحكومية».. هذا هو تعريف التقدمية.. إنها عكس الركود وبقاء الأوضاع على ما هى عليه، كما كان الحال قبل يناير ٢٠١١ وبعد يناير أيضًا «حيث صعد المتشددون والمتطرفون»، وهى أيضًا عكس التغيير العنيف الذى يرى أن يبدأ بالهدم دون أن يكون متأكدًا ما إذا كان يستطيع أن يبنى ما هدمه أم لا «يصفون أنفسهم بالثوريين»!.. التقدمية هى الإصلاح المتدرج الهادئ.. وفق آليات الدولة القانونية وأدواتها المتاحة.. إنك لو نظرت لسياسات تمكين الشباب.. وتدريبهم واتساع نسب تمثيلهم فى مجلسى النواب والشيوخ.. فضلًا عن تعيينهم فى الوظائف القيادية فى مختلف المجالات.. ولو نظرنا لسياسات الدولة تجاه المرأة المصرية سواء من حيث زيادة عدد المقاعد الوزارية التى تحتلها وطبيعة الوزارات التى تشغلها «ليست ديكورًا وزاريًا» وتعيين المرأة فى منصب المحافظ «امرأة وقبطية أيضًا».. سنجد أن كل هذه حلقات متتالية فى سياسة تقدمية، تهدف إلى تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية القائمة، التى كان يدعم بقاءها «المحافظون» وأنصار بقاء الوضع على ما هو عليه.

أهمية قرارات الأمس بدخول المرأة سلك النيابة العامة أنها تفتح الباب لتولى المرأة كل مناصب القضاء وتقول إن وجودها فى القضاء لن يكون على سبيل الزينة.. وهو ما يعنى مساواتها مساواة كاملة بالرجل.. وهو ما ينفى الحجج غير العلمية التى زرعها بعض الدعاة وأنصار التخلف لتبرير اضطهاد المرأة، حيث روجوا لكونها أقل من الرجل قدرة على تحمل المجهود، وأنها تنتابها تغيرات فسيولوجية تمنع قدرتها على العمل، وأنها كائن عاطفى.. إلخ.. وهى كلها أقاويل غير علمية وغير إنسانية من الأساس.. بل إن أحد مشاهير الدعاة المصريين قال إنه يعترض على تولى المرأة القضاء، لأنها لو صادفت متهمًا «وجيه وجميل» محكومًا عليه بالإعدام فسترتبك عاطفيًا وتمنحه البراءة لأنها تحكم بعاطفتها!!! كان هذا مزيجًا من أفكار ريفية محافظة وتيارات دينية غير مصرية غزت مصر فى لحظة وهن حضارى.. ولكن مصر تستعيد عافيتها كأحسن ما تكون العودة.. من السياسات التقدمية أيضًا تلك القرارات التى صيغت بلغة فنية رفيعة والتى قضت بعدم تكرار أسماء المقبولين فى الهيئات القضائية المختلفة، وهى، كما فهمتها، تعنى إتاحة فرص أكبر لكل أبناء الشعب المصرى للالتحاق بالهيئات القضائية.. وألا تكون المناصب بالحجز لأسماء بعينها.. من القرارات العظيمة والتقدمية أيضًا أن يحاط المرفوضون فى اختيارات النيابة العامة علمًا بأسباب رفضهم، وأن تودع أسباب الرفض فى مجلس الدولة.. حيث يمكن لكل متقدم معرفة السبب الذى رفض من أجله، وما إذا كان موافقًا لحقوقه الدستورية ولمبدأ تكافؤ الفرص أم لا.. أضيف إلى هذا ملاحظات حول اتساع فرص القبول فى عدد من الكليات المهمة لتشمل كل أبناء الشعب المصرى دون أى اعتبارات سوى الكفاءة والاستعداد الشخصى.. وهذه هى عين التقدمية.. ملامح التقدمية فى سياسات الدولة المصرية تعبر عن نفسها أيضًا فى مشروع كبير، مثل «حياة كريمة» الذى يهدف إلى تغيير واقع الملايين من الفقراء المصريين وقيادتهم نحو غدٍ أفضل بعد أن أتى علينا وقت قبل عشر سنوات كادت فيه مدرسة الليبرالية المتوحشة أن تطبق خناقها على المجتمع المصرى.. الدولة المصرية دولة وسطية تنتهج سياسة إصلاحية تقدمية تهدف إلى تغيير واقع كان من المستحيل بقاؤه كما هو، وكان من الحماقة هدمه ومحاولة بنائه من جديد.. لذلك فإن الإصلاح هو الحل، والدولة المصرية تسير فى طريق الإصلاح بكفاءة وسرعة ووعى ونفَس تقدمى واضح.