رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حفلة على الشوبكى!

 

 

أربعة أصدقاء وزملاء أعزاء «استلموا» عمرو الشوبكى، أو أقاموا عليه «حفلة»، بالمعنى الدارج، خلال اليومين الماضيين: أحمد الطاهرى فى «الوطن»، محمود بسيونى فى «مبتدا»، يوسف أيوب فى «صوت الأمة»، وأحمد ناجى قمحة، الذى استعرض تاريخه الأسود المناصر للإخوان والمعادى لمؤسسات الدولة، فى مقال طويل نشرته «بوابة الأهرام»، من المفترض أن يدفع مستعملى الشوبكى إلى تسريحه أو تكليفه بمهام أخرى غير التنظير أو «الهبد» أو الكتابة.

الحفلة ظريفة وممتعة، وشراسة المحتفلين تُغرى بالاحتفال معهم، على شرف، أو «لا شرف»، ذلك الذى لم يتوقف عن خدمة جماعة الإخوان، أو التخديم عليها، قبل وبعد مكافأته، بمقعد فى برلمانها، لدرجة أنه وصفها بأنها «تمتلك تصورًا شاملًا وعامًا للإسلام يسمح للإخوان أن يكونوا سياسيين إذا أرادوا، وأن يكونوا دعاة فقط للأخلاق الحميدة إذا أحبوا، وأن يكونوا شيوخًا على منابر المساجد أو نوابًا تحت قبة البرلمان، وأن يكونوا صوفيين وأن يكونوا أحيانًا ثوارًا، وأن يكون بين قادتهم القاضى المحافظ حسن الهضيبى والمناضل الثورى سيد قطب».

يوصف المذكور، حين يحل ضيفًا على قناة «الجزيرة» القطرية، بأنه «مستشار» بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. وبالصدفة، عرفنا أنه عمل فى مركز «كارنيجى» للشرق الأوسط، لكننا لم نجد له فى موقع المركز غير ثلاثة مقالات هزيلة، منشورة فى يوليو وأغسطس ٢٠١٣، والإشارة، هنا، قد تكون مهمة إلى أن ذلك المركز تابع لـ«مؤسسة كارنيجى للسلام»، التى ظل يرأسها وليام بيرنز، حتى تم تعيينه مديرًا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

يزعم «الشوبكى» أنه يؤيد دون تطبيل، ويعارض دون تحريض، ويحافظ على قواعده المهنية. والنكتة، أن هذا الزعم جاء فى سياق «وصلة نفاق» لصلاح دياب نشرتها جريدة الأخير، أى بـ«فلوسه»، فى ١١ نوفمبر ٢٠١٥، وفيها ادعى أنه «حوصر» بعد أن غامر وأسس «صحيفة مستقلة مسئولة حافظت على قواعدها على مدار أكثر من ١٠ سنوات». ولأن فعل «حوصر» مبنى للمجهول، فشلنا فى محاولة التوصل إلى الفاعل، لعدة أسباب، أبسطها أن مَن كان بوسعه محاصرة رجل بحجم وعلاقات دياب، أى الرئيس الأسبق، ربطته علاقة مصاهرة بشريكه محمود الجمال، واستنادًا إلى هذه الشراكة وتلك المصاهرة أو النسب، عاش الاثنان عصرهما الذهبى فى النهب والتهليب، لسنوات طويلة، بينها تسع سنوات من العشر!

الباحث أو الخبير يتفانى، إذن، فى خدمة مستعمليه. وبسبب إخلاصه فى التدليس والـ«هبد» دفاعًا عنهم، الذى يلامس حد الطيش أو التهور، أقيمت على شرفه، أو «لا شرفه»، حفلات كثيرة سابقة. وحدث، مثلًا، فى ٢٩ مايو ٢٠١٩ أن نشر موقع «يورونيوز» عنوانًا يصف الإرهابى هشام عشماوى بـ«المعارض البارز»، فكتب زميلنا وصديقنا محمد المعتصم تدوينة عقلانية جدًا ينتقد فيها العنوان، وفوجئنا بـ«الشوبكى» يكتب التعليق التالى: «مستحيل يكون فى يورونيوز عنوان بهذا الشكل، واضح أنه مفبرك، ويا ريت ندخل على لينك الموقع الأصلى لنكتشف زيف هذه الأخبار، والحقيقة أن فى ناس يفترض أنهم ليسوا لجانًا (أو هكذا أتصور) يرددون مثل هذا الكلام الفارغ، فعلًا صعب جدًا ويدل على أن أزمتنا فعلًا كبيرة».

لم تفتنى تلك الحفلة وكتبت: «أزمتنا كبيرة فعلًا بوجود باحث (أو هكذا أتصور) يمتلك جرأة أو بجاحة القطع باستحالة حدوث شىء، ثبت حدوثه واعتذر عنه فاعله». وأرفقت مع التعليق صورة شاشة «سكرين شوت» لاعتذار يورونيوز: «قمنا بتعديل العنوان الأصلى للخبر من خلال تصحيح توصيف المدعو هشام عشماوى، نأسف لهذا الخطأ.... إلخ». وبغض النظر عن تسرعه واندفاعه، الذى لا يليق بباحث مبتدئ، لم نجد تفسيرًا لعنفه وتشنجه، غير غيرته على أحد مستعمليه. وهو ما أكده «المعتصم» بإشارته إلى أن «الشوبكى» سبق أن استقبل هجومه عليه، فى مقال، بمنتهى الهدوء، والمعنى نفسه كرّره زميلنا وصديقنا خالد حريب: «ربنا ما يكتب شوبكى عليكم.. أكل العيش مر».

التربية قد يكون لها دور فعلًا، وفى ذلك قال الأقدمون «اللى ربّى خير من اللى اشترى»، وطبيعى أن يكون العيش مرًّا، ويكون الطريق إليه محفوفًا بـ«المرار الطافح»، لو كان مشروطًا بالتدليس وإلباس الحق ثوب الباطل أو العكس. ومع ذلك، أبدى صديقنا وزميلنا محمود بسيونى، دهشته، من استمرار «الخبير» عاشق الشو الإعلامى فى ترديد الأطروحات «إخوانية الهوى» المنفصلة عن الواقع المصرى الجديد، رغم ثبوت فشلها، خاصة بعد أن نجحت دولة ٣٠ يونيو فى فرض واقع جديد داخل مصر وخارجها. والحقيقة هى أن تلك الدهشة تكشف عن طيبة محمود الزائدة، أو ضعف ذاكرته، لأن كتابه «المصيدة» أوضح أن تلك الأطروحات لا تخرج عن قناعات، بل تستخرجها الدولارات أو الريالات: جمع ريال، وليس ريالة!