«سارق العمر».. ضحايا «التصلب المتعدد» يروون معاناتهم مع المرض

رحلة شاقة استغرقت أشهر طويلة خاضها محمود صبري، طالب جامعي، للوصول إلى تشخيص نهائي إلى حالته الصحية، والتي ازدادت سوءًا إلى أن تطلب الأمر أن يرافقه جليس لاسيما أثناء الخروج من المنزل.

استقر الأطباء على تشخيص حالة "محمود" بإصابته بمرض التصلب المتعدد، وقد أثر تأخر التشخيص بسبب تداعيات جائحة كورونا على وضعه الصحي واحتياجه إلى كرسي متحرك وجليس يصطحبه لعدم قدرته على التواجد في اماكن عامة بمفرده.

مؤخرًا أعلنت منظومة التأمين الصحي عن توافر علاج مرض التصلب المتعدد داخل مستشفى السلام ببورسعيد بالمجان لجميع منتفعي التأمين الصحي الشامل بالمحافظة، وهي أولى محافظات المرحلة الأولى للتأمين الصحي الشامل.

وأوضحت الهيئة العامة للرعاية الصحية، أنه يتم صرف حقنتين لبعض حالات التصلب المتعدد تبلغ قيمتها 224 ألف جنيه، كل 6 أشهر بالمجان من صيدلية العيادات الخارجية بمستشفى السلام ببورسعيد، خلاف العلاج الشهري لهم.

مرض خطير

التصلب العصبي المتعدد (Multiple Sclerosis)، يُعرف اختصارًا بـ(MS) يصيب المخ والحبل الشوكي والأعصاب البصرية، وينتج عنه تآكل في الغشاء النخامي أو غلاف الميلين الحامي للألياف العصبية.

يسببب خللًا في نقل الإشارات العصبية يظهر في تباطؤ تلك الإشارات أو عدم نقلها ما يسبب مشكلات في التواصل بين العقل وباقي أعضاء الجسم تعوق الشخص عن المشي أو الكتابة أو حتى الإمساك بشوكة وسكين، إضافةً إلى ضَعف شديد في الذاكرة، وبطء في تكوين الأفكار وتبلُّد القوى العقلانية والعاطفية بشكل عام، كما يمكن أن يتسبب المرض في تدهور الأعصاب نفسها أو تلفها بشكل دائم.

استكمل "محمود" قائلًا: المعاناة النفسية أعنف وأشد من المرض، خاصةً في ظل الجهل بطبيعة المرض وأسبابه، بسبب إن المرض دا بيصيب الأعصاب بشكل مباشر، بعض الناس بتعتقد وتتعامل معي على أني مريض نفسي..وهذا أصعب من المرض نفسه".

2.3 مليون مصاب حول العالم 

حوالي 2.3 مليون شخص حول العالم يُصاب بـ "التصلب المتعدد"، الذى يستهدف الشباب دون غيرهم؛ إذ يتم تشخيص معظم المصابين به في الفترة ما بين 25 و31 سنة من العمر، والأكثر شيوعًا في الأعمار بين 15 - 40 عامًا، ولم تستبعد تقديرات أخرى احتمال ارتفاع سن الإصابة به إلى 60 عامًا، وفق تقديرات الاتحاد الدولي للتصلب العصبي المتعدد في عام 2019.

استشاري مخ وأعصاب: مرض مناعي وليس معديًا

الدكتور محمود سعد، استشارى جراحة المخ والأعصاب بجامعة عين شمس، أكد أن التصلب هو مرض مناعي وليس معديًأ، وتتلخص خطورته في تأخر تشخيص الحالات المرضية بسبب أعراضه وعدم الذهاب إلى أطباء مخ وأعصاب.

وأضاف أن التشخيص المبكر للمرض يساعد في إمكانية العلاج واستقرار الحالة وعدم تأخر الحالة الصحية للمريض، مشيرًا إلى أن تثقيف المريض بطبيعة المرض واستيعابه لحالته يسهم في الوصول لنتائج إيجابية.

لم تعد إيمان عباس، ثلاثينية، تقوى على الذهاب إلى عملها بعد تشخيصها كواحدة من أصحاب التصلب المتعدد، الذي أثر بشكل مباشر على حركتها وممارسة حياتها بشكل طبيعي.

تقول "إيمان" إن أعراض المرض بدأت بسيطة ومع مرور الأيام اشتدت لدرجة لم تستطيع تحملها، معلقة: " جسمي وعضمي كان بيوجعني، كنت معتقدة إنه إرهاق من مجهود العمل ومسئولية البيت والأسرة".

وعندما ساءت الحالة الصحية لـ "إيمان" بدأت رحلة شاقة في الوصول إلى تشخيص حالتها التي تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، مستطردة أن طبيب شخص حالتها بهشاشة في العظام.

وبعدما طافت "إيمان" على العديد من الأطباء والمستشفيات وخاضت تجربة شاقة في الفحوصات الطبية ما بين إجراء الآشعة والتحاليل وغيرهم، شُخصت بأنها مريضة بالتصلب المتعدد وفي مرحلة متوسطة من المرض تتطلب الاستمرار على كورس مكثف من الحقن والأدوية.

المرض يضرب الأعصاب 

تختلف علامات التصلب المتعدد وأعراضه بشكل كبير، وتعتمد على مقدار الضرر وماهية الأعصاب المتضررة، إذ يمكن أن يفقد بعض المصابين بالتصلب المتعدد الشديد القدرةَ على السير بشكل مستقل أو على الإطلاق، بينما يمكن أن يشهد آخرون فترات طويلة من الاستقرار دون حدوث أي أعراض جديدة.

ويتميز التصلب العصبي المتعدد بفترات الانتكاس والعودة منها (بمعنى أنه يتحسن لفترة من الوقت ولكن بعد ذلك يمكن أن يهاجم الشخصَ المريضَ من حين إلى آخر)، في حين أن البعض الآخر لديه نمط تقدمي أي أنه يزداد سوءًا بشكل ثابت مع مرور الوقت.

يذكر أنه بدأت مصر في محاصرة المرض في عام ٢٠١٢، بعد تعاون جميع ممثلي المنظومة الصحية في مصر وجمعيتي "التصلب المتعدد"، والجمعية المصرية للأمراض العصبية والنفسية وجراحة المخ والأعصاب.

جري العمل على توفير ٩ علاجات مستوردة تصرف مجانا، علي نفقة الدولة، وفي هيئة التأمين الصحي، بدون أن يدفع المريض أي "مليم"، رغم ارتفاع سعرها.

 60 ألف مريض بالتصلب المتعدد في مصر 

لا توجد إحصائية محددة توضح إجمالي عدد مرضى التصلب المتعدد، لكن تقديرات شعبة مرض التصلب المتعدد بالجمعية المصرية لطب الأعصاب تقول إن عدد المصابين قد يصل إلى 60 ألف شخص، في ظل غياب الأرقام الرسمية وعدم تشخيص المرض في بداياته بصورة صحيحة.