رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارة تاريخية سبقتها خطوات

زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى التاريخية إلى جيبوتى، أمس الخميس، سبقتها خطوات كثيرة، استهدفت تصحيح، أو تدارك، خطأ جسيم، بدأ سنة ١٩٧٧ واستمر حتى منتصف ٢٠١٤. وليس صحيحًا أن الهدف من الزيارة هو الاتفاق على تأديب، تركيع، أو «خنق» إثيوبيا، كما يُشاع، لأن جيبوتى، ببساطة، منذ بداية أزمة «سد النهضة»، تتفق مع مصر على ضرورة تسوية تلك الأزمة بالشكل الذى يتفادى تأثيرها السلبى على أمن واستقرار المنطقة بالكامل.

موقعها الاستراتيجى فى مدخل البحر الأحمر والمحيط الهندى، على مضيق باب المندب، جعلها قاعدة أساسية لمكافحة الإرهاب والقراصنة، وموقعًا مرغوبًا للقواعد العسكرية الأجنبية. إضافة إلى أنها عضو نشط فى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامى والاتحاد الإفريقى. ودعك، أى «سيبك»، من كونها الميناء البحرى الرئيسى لواردات وصادرات جارتها إثيوبيا.

مع كل ذلك، ومع أن المصريين القدماء كانوا أول من وصل إلى هذا الجزء من القارة السمراء، سنة ٣٠٠٠ قبل الميلاد، أى منذ أكثر من ٥ آلاف سنة، فإن الرئيس السيسى، هو أول رئيس مصرى يزور جيبوتى. وقبل أن تبدى دهشتك من عدم التفات الزعيم الراحل جمال عبدالناصر إلى هذا البلد المهم فى قارة إفريقيا التى أولاها اهتمامًا كبيرًا، وكانت أبرز دوائر سياسته الخارجية، نشير إلى أن جيبوتى ظلّت، حتى رحيله، سنة ١٩٧٠، تحت الاحتلال، وكانت تحمل اسم «الصومال الفرنسى» أو «أرض العفر والعيسى الفرنسية».

قبل وبعد استقلال الصومال، سنة ١٩٦٠، ظلت جيبوتى تحت الحكم الفرنسى، استنادًا إلى استفتاءين، تم إجراؤهما، أو تزويرهما، فى ١٩٥٨ و١٩٦٧. وبعد نضال «الرابطة الشعبية الإفريقية من أجل الاستقلال»، اختار ٩٨.٨٪، فى استفتاء ثالث، جرى سنة ١٩٧٧، الانفصال عن فرنسا. وهكذا، تم إعلان استقلال جيبوتى، وصار زعيم «الرابطة الشعبية»، حسن جوليد أبتيدون، أول رئيس للبلاد، واستمر حتى سنة ١٩٩٩، ليخلفه شريكه فى النضال من أجل الاستقلال، إسماعيل عمر جيلة، الذى فاز فى ٩ أبريل الماضى بولاية خامسة.

صحيح أن مصر كانت من أوائل الدول التى افتتحت سفارة لها ‏فى جيبوتى، فور استقلالها، إلا أن العلاقات الثنائية لم تأخذ الشكل المناسب، أو اللائق، إلا بعد أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم، فى سياق تحركات كثيرة قامت بها مصر، أرادت بها تغيير آليات التعاون الدولى، واستعادة دورها المحورى فى محيطها العربى والإفريقى، لمواجهة تهديدات وتحديات، وجودية ومصيرية، فرضتها دول وكيانات انتهازية، بشكل مباشر أو عبر وكلاء.

مرحلة جديدة من العلاقات مع جيبوتى، بدأت فى يونيو ٢٠١٤، على مختلف المستويات، وذهب إليها خبراء «الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية»، التى تأسست فى ٢٠١٣، وصار بين البلدين تنسيق وتشاور دائمين، حسب تأكيد الرئيس الجيبوتى، خلال زيارته القاهرة فى ٢٧ مارس ٢٠١٥، لحضور القمة العربية، التى استقبله خلالها الرئيس السيسى، وبحثا معًا سُبل دعم العلاقات بين البلدين. وفى العام التالى، زار الرئيس جيلة القاهرة، وانعقدت مباحثات ثنائية معمقة بين الرئيسين بمشاركة الوزراء المعنيين من الجانبين، تناولت سبل تعزيز مختلف جوانب العلاقات الثنائية، كما تمت مناقشة بعض القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المُشترك.

مرحلة أخرى مهمة فى تطور العلاقات الثنائية بين البلدين، بدأت فى ١٨ مارس الماضى، مع زيارة مهمة قام بها وفد مصرى كبير من مختلف الوزارات والشركات ورجال الأعمال، وتضمنت مباحثات مع وزراء الخارجية، الصحة، الإسكان، الطاقة، النقل، الزراعة، الثروة السمكية، الأوقاف، الثقافة، محافظ البنك المركزى و... و... وجرى تناول أوجه تطوير التعاون الثنائى بين البلدين، تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية المصرية بتعزيز العلاقات بين البلدين وتنويع أُطر التعاون، ليشمل كل المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.

أيضًا، منتصف أبريل الماضى، تلقى الرئيس السيسى اتصالًا تليفونيًا من الرئيس جيلة، تبادلا فيه الرؤى بشأن تطورات قضية السد الإثيوبى، وتم خلاله التوافق بشأن أهمية تسوية هذه القضية الحيوية لتفادى تأثيرها السلبى على أمن واستقرار المنطقة بالكامل. كما تباحث الرئيسان بشأن عدد من موضوعات التعاون الثنائى بين البلدين، خاصة على الصعيد الاقتصادى والتبادل التجارى وزيادة الاستثمارات البينية، فى ظل التعاون الثنائى والإقليمى الممتد بين البلدين لتحقيق المصالح المشتركة وصون الأمن والاستقرار، فى منطقتى القرن الإفريقى والبحر الأحمر.

.. وأخيرًا، قام الرئيس بالزيارة التاريخية، الأولى من نوعها، أمس الخميس، وانعقدت قمة مصرية جيبوتية، تبادل خلالها الرئيسان الرؤى حول أهم تطورات القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وناقشا مختلف الملفات المتعلقة بالتعاون وسبل تعزيز العلاقات الثنائية، خاصةً الأمنية والعسكرية والاقتصادية، تجسيدًا لإرادة قوية متبادلة تهدف إلى تحقيق مصالح البلدين الشقيقين.