رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السعودية تتغيَّر

كثيرون لا يحتملون سيرة التغيير الذي يجري في المملكة العربية السعودية، مع أنه تغيير جذري فعلي، وأخص هنا علاقة الدولة بالدين على وجه الخصوص، يقول هؤلاء: ما هذا التغيير؟ ما آفاقه وما حدوده؟ هل هو تغيير صادق أم لمغازلة الغرب المتربص بالمملكة؟
في الحقيقة تزامنت بدايات هذا التغيير مع المشروع السعودي الكبير "رؤية السعودية 2030".. وإذا كان مشروع الرؤية هو مشروع اقتصادي عملاق بالأساس (خطة ما بعد النفط التي تم الإعلان عنها في أبريل عام 2016 ويشترك في تحقيقها القطاع العام والخاص وغير الربحي)، إلا أن المشروع تنبه لضرورة الإصلاحات الاجتماعية التي تمس منطقة الدين بالذات؛ فمن بداياته جرى الحديث، لأول مرة، عن إلغاء نفوذ هيئة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجرت تصورات لإنشاءات ترفيهية كبيرة، تحقق بعضها بعد ذلك، وبرز اعتراف بالفنون، كالسينما، بعد سنوات طويلة من التعالي على الفن وتحريمه، ووقف رجل الرياض القوي الجسور "محمد بن سالمان" وقفة حاسمة في وجوه المتزمتين والرجعيين، وصلت- في لقائه الأخير مع الصحفي عبدالله المديفر، في السابع والعشرين من أبريل الفائت، بمناسبة مرور خمسة أعوام على إطلاق المشروع- إلى قول الأمير محمد: "إن القرآن هو دستور المملكة، وإنها لا تلتزم بمدرسة شرعية واحدة لأن باب الاجتهاد مفتوح للأبد"، وقوله: "لا مكان للفكر المتطرف في السعودية".. وفيما يخص الحديث الشريف قال: “إن الأحاديث المتواترة هي التي يجب العمل بها وأما أحاديث الآحاد، مع أنها غالبية الأحاديث، فإنها ليست برسوخ المتواترة وعلى هذا لا يصح اعتمادها لأنها غير ثابتة ومن ثم غير ملزمة”- (حديث الآحاد حديث لم يبلغ حد التواتر أو لم تكن فيه شروط الحديث المتواتر، وأنواعه المشهور والعزيز والغريب على حسب رواته).
يمكن إجمال ما قاله ولي العهد في النقاط التالية: 
- القرآن هو الأساس، لكن بعيدًا عن الالتزام بمدرسة معينة في تطبيق الأحكام (إشارة واضحة إلى عدم الانحياز إلى نمط فقهي بعينه)، وبعيدًا عما يعكس تطرفًا في فهم النصوص (دعوة صريحة إلى الاعتدال).
- باب الاجتهاد مفتوح إلى الأبد (الانتصار للتجديد وإعلان انتهاء مسألة الإجماع أو تحجيمها في الأدنى). 
- العمل بالحديث المتواتر لا حديث الآحاد (بدء ترجيح القليل الموثوق به على الكثير محل الشك، وهو ما يحد  من فوضى الخلاف باسم السنة النبوية).
أظن، بعد هذا التوضيح المبسط، أننا بحيال أكبر تغيير تشهده المملكة العزيزة منذ نشأتها، وأن آثاره الممتازة، مع اكتماله، سوف تنعكس على المنطقة، بل على العالم بأسره، وأن هذا التغيير هو ما ظل التنويريون بعالمنا العربي والإسلامي يجاهدون طويلًا لأجل نواله، وينتظرونه بفارغ الصبر، ولعلهم الآن يدعمونه ويحمونه من مختطفيه المحتملين، فواقعنا صار مليئًا بالتطرف الديني للأسف!