رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الميكروفون مع».. يوسف إدريس فى حوار نادر مع فاتن حمامة

فاتن حمامة بين يوسف
فاتن حمامة بين يوسف إدريس وصلاح أبو سيف

في نهاية الستينيات كان يوسف إدريس ضيفًا على برنامج «الميكروفون مع» الذي كان يستضيف نجوم الفكر والأدب والفن ويجعلهم يقومون بدور المذيعين، ويطلب منهم استضافة مَن يحبون وإجراء حوار معهم، وفي حلقة الدكتور يوسف إدريس استضاف سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وأجرى معها هذا الحوار الذي أعده للنشر الكاتب الصحفي أحمد السماحي بالملحق الثقافي لجريدة «الأهرام» بتاريخ 4 مايو 2018، و إلى نص الحوار الذي استضاف فيه "إدريس" سيدة الشاعة العربية.

* يوسف إدريس: اليوم نحن مع برنامج «الميكروفون مع» برنامج الارتباك واللخبطة، والواحد يفكر ألف مرة مَن يستضيف؟ ومن سيزعل، ومن لن يزعل؟ وكل هذه المشكلات التي يثيرها برنامج بسيط مثل «الميكرفون مع»، الحقيقة أنني لم أفكر في كل هذه المشكلات خالص، عندما فكرت في استضافة فنانة أقدِّر فنها جدًّا، وأحب أناقش معها بعض المسائل الفنية، ضيفتي الأولى هي السيدة فاتن حمامة، وأعتقد أنه ليس من السهل عليَّ أن أُجري حديثًا أو لقاءً مع السيدة فاتن حمامة، لكني سأحاول قدر طاقتي أن أعتصر منها بعض المعلومات المفيدة التي يمكن أن تعطينا فكرة مختلفة عن الفكرة التي نأخذها عنها من الشاشة.

* إدريس: سيدة فاتن... مساء الخير.

- فاتن: مساء النور.

* إدريس ضاحكًا: أهلًا وسهلًا بكِ... الحقيقة قبل ما أقابلك كنت أفكر في مشكلة من نوع خاص، وهي أنني أتصور أن الفنان عندما ينجح، ينجح لأنه موهوب، لكن النجاح الكبير «أوي»، النجاح الذي يتصل فيه الفنان بتيار الحياة والناس، ويصبح جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس، أعتقد أن هذه الدرجة من النجاح لا تعتمد على الموهبة فقط ولكن لها مقومات أخرى، فما هي في رأيك هذه المقومات غير الموهبة؟

- فاتن: أعتقد أنها عدة أشياء، أولها المدة التي اشتغل فيها الفنان، كلما طالت المدة عاش الفنان أكثر في وجدان الناس، لأنها تراه بانتظام، ويُهيأ لها أنها تعرفه وتعيش معه. السبب الثاني وأعتقد أنه أهم حاجة، الفنان نفسه، فيه بعض الفنانين، وأنا أتكلم على السينما حاليًا، عندما تظهر على الشاشة تجد لديهم قبولًا، يعني الناس تقبلهم على طول من دون تفكير، بغضّ النظر عن شكهم أو سنهم، هذا القبول يعطي للفنان «شوية» قوة، لكن على الفنان أن يجيد هذه القوة التي أعطاها له الله، وكيف يستطيع استعمالها، وبالنسبة للمطرب كيف يستطيع أن يجعل الناس تعيش معه وتحس به، وأهم من كل حاجة الذكاء، ذكاء الفنان مهم جدًّا جدًّا، لأنه من غير ذكاء يمكن أن يضيع الفنان كل ما بناه.

 - كلمة وحشة تضيع كل ما بناه الفنان

* إدريس: كيف يضيع الفنان ما بناه؟

- فاتن: بكلمة «وحشة» في مجلة، أو تصريح مغرور في مكان تاني، فمثلًا ممكن مطربة عظيمة جدًّا، تعمل أشياء تضيّع منها جماهيريتها تصبغ شعرها بلون أحمر أو أصفر لا يتناسب معها، أو ترتدي ملابس غير مناسبة لسنها أو لشكلها، على طول يفقد الجمهور الإحساس بجمال صوتها، لأن الجمهور يربط بين الإنسان وشخصيته وعمله الفني.

* إدريس: كلامك يثير موضوعًا مهمًا وهو أنه لا تكفي الموهبة عند الفنان؟

- فاتن: قطعًا، لكن أرجع وأقول هذه شطارة الفنان، فيه فنان ممكن يكون «كويس أوي» لكن لا يعيش فنيًّا طويلًا، وفنان آخر ممكن يعيش مدة أطول، لأن الأخير يعرف متى يقدم فنه، ومتى يبتعد بعض الشيء، ومتى يتوقف، ومتى يعود لفنه مرة أخرى وبأي شكل؟ يعني عارف كيف يصنع مستقبله الفني، هذا الفنان بالتأكيد يعيش مدة أطول في قلوب الناس.

* إدريس: كويس جدًّا لأن فيه ظاهرة غريبة في الوسط الفني، عندما يظهر فنان وينجح فعلًا ويلاقي قبولًا وفجأة نجده يموت فنيًّا... ما العوامل التي تقضي على الفنان؟

- فاتن: أعتقد أن أكثر عامل يقضي على الفنان هو الغرور والتعالي على فنه، والتعامل مع الفن بسهولة، وأعتقد أن الغرور يصيب الفنان الذي ينجح فجأة، لأنه يختلّ ويفقد توازنه، لكنّ الفنان الذي بدأ مشواره من أول السلم يتعود على النجاح، ولا يفقد توازنه، لهذا من الأشياء الخطيرة جدًّا أن ينجح الفنان مرة واحدة بسرعة.

(إدريس يتدخل ويعلق على مسألة أن الفنان لا يكون مغرورًا مهمة جدًّا، لكن الصعب كيف لا يكون مغرورًا؟!).

* إدريس: أريد أن أسألكِ سؤالًا خاصًّا، عندما يُعرض عليك دور في رواية أو تتاح لك فرصة عمل فني وأنتِ قمتِ ببطولة عشرات الأدوار وعشتِ عشرات القصص...

(وهنا تتدخل فاتن وتصحح له: مئات القصص!).

* إدريس ضاحكًا: مئات القصص... هل تأخذين وقتًا للموافقة على العمل أو بماذا تحسين بالضبط؟

- فاتن: أكيد بعد كل هذه السنوات أصبح عندي ثقة بالنفس، لكن اتضح لي أنني في كل عمل فني جديد أبدأ في تصويره، أشعر بالقلق والخوف كأنني ما زلت في بداياتي الفنية، وأرى العمل «وحشًا» مهما عملت، أو عمل فريق العمل، وأكون كارهة نفسي، وكارهة العمل، وكل حاجة، والقلق يجعلني أحيانًا أفكر في حمل حقيبتي وأجري «أستخبى» في أي مكان بعيدًا عن بلاتوه التصوير.

* إدريس: طب يا فاتن واسمحي لي أن أقولك يا فاتن لأني متلخبط ومش عارف أقولك يا مدام فاتن لأنه غلط نتكلم بلغة أجنبية أمام الميكرفون، ومش قادر أقولك يا سيدة فاتن لأنها واقفة شوية...

(تتدخل فاتن ضاحكة وتقول: خليها فاتن من فضلك).

- رأي فاتن حمامة في ارتباط الفنان بالجنون

* إدريس: ما رأيكِ في حكاية غريبة جدًّا يهمّني رأيك فيها وهي أحيانًا نسمع في الوسط الفني وفي المجلات الفنية ارتباط كلمة فنان بالجنون كأن كلمة فنان أصبحت بديلًا للجنون؟

- فاتن: الفنان في رأيي إنسان حساس ومرهف الحس جدًّا، أحيانًا تكون هذه الحساسية «زيادة شوية»، فتجعله مختلفًا عن باقي الناس، لهذا يقال بسخرية «ده فنان»، لكن الفنان شيء جميل ورائع.

* إدريس: في بعض الجلسات الخاصة أو التجمعات الثقافية التي يصادف أن تحضريها يلاحَظ أنكِ لا تتحدثين كثيرًا؟

- فاتن: أحب الإنصات ومراقبة الناس جدًّا، فالإنصات للناس يعلِّمني ويفيدني في شغلي جدًّا، وأحيانًا عندما يُعرض عليَّ عمل جديد تقفز شخصية ما في ذهني قابلتها في مكان ما، ونسيتها تمامًا، هنا أستحضرها وأسترجع بذاكرتي أدق تفاصيل حركاتها في أثناء الكلام، ومشيتها، وطريقة نطقها للكلام.

 ـ أصعب عمل قدمته سيدة الشاشة العربية 

* إدريس: ما أصعب الأعمال التي قدمتيها وأَحبها إلى قلبك؟

- فاتن ضاحكةً: الاثنان معًا: أَصعب وأَحب؟! بصراحة من أصعب الأعمال وأحبها إلى قلبي فيلم «دعاء الكروان» لأن الدكتور طه حسين كتب نصًّا مليئًا بالوصف، وأحيانًا يصف مشهدًا في ثلاث صفحات، وكل كلمة في هذه الصفحات لها ضرورتها ومعناها، ولكي نصنع من نص كهذا عملًا سينمائيًّا فذلك ليس بالأمر السهل، وأيضًا الجزء الثاني في الرواية من أصعب ما يمكن، فهو حوار بين البطل والبطلة وكل منهما يتربص بالآخر، لكنّ الحقيقة المخرج هنري بركات والكاتب والسيناريست الكبير يوسف جوهر قدما عملًا رائعًا، أما العمل الثاني فهو من تأليفك.

* وهنا يتدخل إدريس: قصدك «الحرام»؟

- فاتن: طبعًا، فالرواية صعبة ومليئة بالخشونة، وتصطدم بالواقع الاجتماعي وتتحدث لأول مرة على شاشة السينما المصرية عن طبقة لم تقدمها من قبل وهي طبقة عمال التراحيل، وبصراحة عشت أيامًا وليالي بعد قراءتي هذه الرواية وأنا لا أستطيع التفكير غير في «عزيزة» بطلة الرواية وما جرى لها من ظلم، وظل هذا التفكير معي حتى بدأت التصوير...

* إدريس متدخلًا: والحقيقة كنتِ رائعة في الفيلم، والفيلم كله كان عظيمًا...

- فاتن ضاحكة: الحمد الله.

* إدريس: ما الذي لفت انتباهكِ في «عزيزة» بطلة «الحرام»؟

- فاتن: القهر والظلم الذي تعرضت له، هي أخطأت غصب عنها، وعانت وتعرضت للظلم بسبب هذا الخطأ غير المقصود من جانبها، وهذا القهر هو ما تعانيه المرأة العربية، صحيح المرأة أخذت حقها في التعليم والعمل، لكن تظل المرأة البسيطة في المجتمعات الفقيرة تعاني القهر والظلم، خصوصًا عندما يتم طلاقها ولا تجد ما تسد به رمقها.

* إدريس: لماذا لم نعد نراكِ كثيرًا على الشاشة مثل الماضي؟

- فاتن: هذا غير مقصود، بعد كل الأعمال التي قدمتها لا أجد أعمالًا تثير في نفسي الحماس للنزول، مهم جدًّا أن ينزل الفنان من بيته وهو سعيد بما يفعله، أما أن أنزل لكي أكون تعيسة، فأنا في هذه الحالة لا أرغب في العمل إطلاقًا.

* إدريس: ما أولوياتك في قراءة الصحف؟

- فاتن بعد تفكير ثوانٍ: أقرأ عناوين الصفحات الأولى، وأواظب على قراءة الأعمدة والمقالات الصحافية لمصطفى أمين، وأحمد بهاء الدين وأنيس منصور، وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس.

* إدريس: يا ستي كتّر خيرك، نقطة في نهاية حواري معك يهمني معرفتها... لمن تعطين أُذُنك؟

- فاتن: أستمتع جدًّا بالاستماع إلى الموسيقى الكلاسيك، ولمطربينا الكبار الست أم كلثوم، والموسيقار محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، وفيروز، ووردة.