رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحلم الكبير.. التفاصيل الكاملة لتصنيع اللقاح الصينى داخل مصر

الحلم الكبير
الحلم الكبير

 

لم يكن وصول المواد الخام اللازمة لتصنيع لقاح «سينوفاك» الصينى المضاد لفيروس «كورونا المستجد» داخل مصر، إلى مطار القاهرة، أمس الأول، حدثًا عاديًا، بل إيذانًا بدخول البلاد عصر تصنيع اللقاحات اللازمة للوقاية من الإصابة بالفيروس القاتل وتداعياته الخطيرة، بما يمهد لأن تكون مركزًا لذلك فى منطقة الشرق الأوسط ككل.

واستقبلت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، الدفعة الأولى من المواد الخام اللازمة لتصنيع لقاح «سينوفاك» الصينى فى مصر، بإجمالى ١٤٠٠ لتر تكفى لتصنيع حوالى ٢ مليون جرعة من اللقاحات، ضمن الاتفاقية الموقعة بين الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات «فاكسيرا» وشركة «سينوفاك» الصينية.

وأعلنت وزيرة الصحة البدء الفورى فى تصنيع اللقاح داخل مصانع «فاكسيرا»، على أن يتم ضخ ٢ مليون جرعة من هذا اللقاح المصنع محليًا فى مراكز اللقاحات على مستوى محافظات الجمهورية خلال شهرين، ضمن خطة لتصنيع ٤٠ مليون جرعة منه بالتزامن مع تسلم مزيد من شحنات المواد الخام خلال الفترة المقبلة.

ولن يقتصر الأمر على هذه الخطوة، بل يمتد ليشمل العمل على إعداد المصنع الثانى لـ«فاكسيرا» بمدينة ٦ أكتوبر، بهدف التوسع فى إنتاج اللقاحات، بما يتيح لمصر تحقيق الاكتفاء الذاتى محليًا من اللقاح، وأن تصبح أيضًا مركزًا لتصنيعه وتصديره للدول الإفريقية.

خلال السطور التالية، يتحدث عدد من كبار المتخصصين فى القطاع الطبى حول أهمية هذه الخطوة، وتبعاتها على ملف الصحة ومكافحة «كورونا»، وكيف تسهم فى تطوير صناعة الدواء محليًا، لتصبح مصر رائدة هذا المجال فى الشرق الأوسط.

 

 

 

على عوف: يقضى على قوائم انتظار التطعيم ويتيح التصدير فى وقت لاحق

قال الدكتور على عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، إن بدء تصنيع اللقاح الصينى فى مصنع «فاكسيرا» المصرى يحقق العدالة ويتيح الفرص أمام جميع فئات الشعب على اختلاف مراحلها العمرية لأخذ اللقاح والبقاء فى أمان من فيروس كورونا المستجد.

وأضاف أن مصر بإمكانها أن تصبح مركزًا عالميًا فى مجال تصنيع اللقاحات، بشهادة الجانب الصينى، الذى جاء إلى مصر ليتعرف على إمكانات مصنع «فاكسيرا» قبل منحه حق تصنيع اللقاح، موضحًا أن الشركات الصينية تأكدت أن الإمكانات المصرية قادرة على إنتاج اللقاح بنفس الجودة، وأن المصنع جاهز تمامًا للبدء فى العمل.

ورأى أن المصنع المصرى سيسهم فى خفض سعر اللقاح، بعد تصنيعه محليًا، ما يزيد من جرعات اللقاح المنتجة والمطروحة أمام جميع فئات الشعب، مشيرًا إلى أنه بعد فترة من العمل والإنتاج المستمر يمكن لمصر البدء فى تصدير اللقاحات المتعددة إلى الدول المجاورة.

وذكر «عوف» أن مصر ستكون البوابة الأولى لإفريقيا فى مجال تصنيع وتصدير اللقاحات، وستكون المركز الإقليمى للتوزيع، مشددًا على أن الريادة المصرية فى مجال تصنيع اللقاحات ستسهم فى تدعيم العلاقات المصرية الإفريقية.

وأكد أن الفيروس لن يختفى بين يوم وليلة، وسيستمر على كوكب الأرض لفترة ليست بالقصيرة، ولهذا توجب على وزارة الصحة المصرية استباق الأحداث والعمل مع الجانب الصينى لمنع حدوث أى كوارث صحية مستقبلية. 

وقال إن وزارة الصحة والحكومة المصرية كانتا تتواصلان مع الجانب الصينى منذ أكثر من عام، وتتعاونان معه فى مجال التجارب السريرية، وبدأ التعاون بينهما يزداد وتوطدت العلاقات، خاصة أنهما تعملان بنفس الطريقة، وهى محاولة استباق الأحداث وعدم انتظار وقوع عدد كبير من الضحايا. 

وأضاف: «نتيجة لهذا التعاون المثمر، وثقت الشركات الصينية فى مصنع فاكسيرا المصرى، وأعطته حق التصنيع للقاح سينوفاك، ما سيفتح المجال للدول الأخرى منتجة اللقاحات للوثوق فى مصر أيضًا، ومنحها المزيد من حقوق تصنيع اللقاحات المنتجة فى كل بلدان العالم».

وأشار إلى أن «العالم الذى يزيد تعداده على ٧ مليارات نسمة لن تغطيه الشركات الصينية أو الأمريكية وحدها، وإنما تحتاج هذه الشركات العملاقة إلى فروع موثوق بها داخل كل بلد، حتى تتمكن من إنتاج جرعات تغطى بها كل مواطنى العالم، خاصة بالنظر لإمكانيات القارة الإفريقية البسيطة التى ستعتمد فى أغلب بلدانها على اللقاح المُصنّع فى مصر».

وتابع: «هذه الفوائد الاقتصادية التى تعود على مصر من تصنيع وتصدير اللقاح ستعود بالنفع بالتبعية على كل المواطنين، وليس هذا فقط، وإنما ستقضى على قوائم انتظار تلقى اللقاح، بعدما أخذ ٢ مليون مواطن مصرى اللقاح، وسجل آخرين للتطعيم به».

 

هانى سامح:  يمثل بارقة أمل للقارة الإفريقية والشرق الأوسط

 

وصف الصيدلى هانى سامح تصنيع لقاح «سينوفاك» الصينى محليًا داخل مصنع شركة «فاكسيرا»، بأنه «الانطلاقة الأهم فى عالم التصنيع البيولوجى»، معتبرًا أن هذه الخطوة تأتى تتويجًا لجهود التطوير الدوائى التى تشرف عليها الدولة، ونتيجة إنجازات تشريعية وجهود مضنية للتطوير على أرض الواقع، كان من بينها إنشاء مدينة الدواء.

واعتبر أن بدء الإنتاج المحلى للقاحات بمثابة بارقة أمل للقارة الإفريقية والشرق الأوسط، فى ظل الطلب الحاد على اللقاحات وصعوبات توفيرها عالميًا، لهذا فهى خطوة على الطريق الصحيح، وتفتح لمصر آفاقًا متعددة فى مجالات التصنيع الحيوى والبيولوجى والتعامل مع الفيروسات، وتُكسبها خبرة واسعة فى ذلك، بما يحولها إلى أحد روافد هذا المجال فى منطقة الشرق الأوسط.

وتوقع «سامح» أن ينهى التصنيع المحلى للقاحات زمن الاحتكار من قبل «مافيا الدواء»، حسب وصفه، موضحًا أنه «بعد أن كانت الشركات العالمية تسيطر على تصنيع الدواء واللقاحات، أصبحت مصر قادرة على التصنيع المحلى، والانطلاق بقوة نحو الريادة الدوائية والطبية فى المنطقة».

وكشف عن طريقة عمل الفيروس الصينى الذى أقرته منظمة الصحة العالمية، قائلًا: «يتم مزج ٣ أنواع من فيروس كورونا المأخوذ من مصابى المستشفيات الصينية، ثم وضعها فى خزانات كبيرة من فيروس متحور، لتُخلط بمواد معطلة للفيروس بعد ذلك، وبهذه الطريقة يكون اللقاح قادرًا على مواجهة فيروس كورونا والحد من مضاعفاته».
 

أمجد الحداد:  يُنهى احتكار الشركات العالمية ويزيد فرص نجاة مواطنى إفريقيا

 

أكد الدكتور أمجد الحداد، رئيس قسم الحساسية بالمصل واللقاح، أن تصنيع اللقاح الصينى فى مصر سيقضى على احتكار الشركات العالمية لتصنيع اللقاحات، وسيسمح لدول الشرق الأوسط الأخرى بالعمل فى المجال، ما يزيد من فرص نجاة مواطنى إفريقيا ودول العالم الثالث.

وقال «الحداد»: «تطعيم أكبر عدد ممكن من المواطنين يحد من خطر الوفاة بسبب الفيروس، بعدما أثبتت كل الدراسات العلمية أن اللقاحات تمنع الوفاة بسبب الفيروس بنسبة ١٠٠٪، فحتى لو أصيب الشخص بالفيروس المستجد بعد تلقيه اللقاح، فلن يتعرض لخطر المضاعفات الشديدة».

وأرجع اعتماد مصر على اللقاحات الصينية إلى سهولة نقلها وتخزينها، ونسبة فاعليتها الكبيرة ولتصنيعها بالطريقة التقليدية التى تعتمد على فيروس غير نشط، مثل اللقاحات القديمة الأخرى، مما يزيد من فرص الأمان ضد الآثار الجانبية والمضاعفات الخطيرة التى تحدث بسبب بعض اللقاحات. 

وأشار «الحداد» إلى انخفاض تكلفة شراء هذه اللقاحات مقارنة بنظرائها الأخرى، لافتًا إلى أن «هذه كانت أحد العوامل المهمة التى اعتمدت عليها مصر فى اختيار اللقاحات الصينية، حتى تتمكن من تصنيعها فى مصنع (فاكسيرا)، بما يضمن تسريع عملية تلقيح المصريين به، وبالتالى منع وجود أى قوائم انتظار أو أولويات فى إعطائه لشخص دون غيره». وذكر أن عدة دول عربية اعتمدت على اللقاحات الصينية، بعد ثبوت فاعليتها والتأكد من سلامتها وعدم وجود أى أعراض جانبية خطيرة على الأشخاص الذين تناولوها فى كل مكان حول العالم، كما أنها خضعت لتجارب سريرية فى مصر ودول عربية، لذا أصبح من الضرورى بدء تصنيعها محليًا، من أجل خفض التكلفة وتوسيع شبكة المواطنين الحاصلين على التطعيم.

وأشاد بقرار منظمة الصحة العالمية إدراج اللقاح الصينى فى آلية «كوفاكس»، وهو البرنامج العالمى، الذى يضمن توفير اللقاحات للبلدان الفقيرة، بما يعكس سلامة هذا اللقاح وينفى المخاوف من جودته، بعد ضمانه من المنظمة الدولية.

ماهر الجارحى: يخفف أعباء مواجهة المرض عن الأطقم الطبية

رأى الدكتور ماهر الجارحى، نائب مدير مستشفى حميات إمبابة، أن مصر تسير على طريق العالمية فى المجال الطبى، وهو ما كشفته أزمة «كورونا»، فى ظل جهود طبية فائقة، استطاعت من خلالها أن تحارب الوباء بنجاح منقطع النظير.

وشدد على قدرة مصر الواسعة على تحقيق اكتفاء ذاتى من إنتاج مضادات أى مرض وبائى، وليس فيروس «كورونا» فقط، بعدما شهد القطاع الطبى تطورًا ملحوظًا فى السنوات القليلة الماضية، خاصة فى تدريب كوادر جديدة على تصنيع اللقاحات، وإجراء التجارب السريرية على الدواء. وقال إن جهود وزارة الصحة المصرية ومراكز البحوث فى توفير جميع المستلزمات والإمكانات اللازمة أسهمت فى الوصول إلى الحلم الذى انتظره جميع الأطباء طوال حياتهم، وهو إنتاج لقاحات محلية بشكل كامل، بل وتصديرها أيضًا للخارج، لنثبت أمام العالم بأكمله مدى تطور القطاع الصحى فى مصر، وقدرته على احتواء أى أزمات قد يتعرض لها المواطنون. وتحدث «الجارحى» عن أهم الفوائد الناتجة من تصنيع لقاح «كورونا» داخل مصنع «فاكسيرا» فى الأسابيع القليلة المقبلة، مبينًا أن هذا يساعد فى توفيره لجميع الفئات العمرية بأقل تكلفة ممكنة، والتأكد من عملية توزيعه على المواطنين داخل كل منزل، وهذه أهم الخطوات الحيوية للقضاء على أزمة المرض فى مصر، وتخفيف أعباء مواجهته عن الأطقم الطبية. وتوقع أن تصبح مصر من أهم الدول الرائدة فى مجال تصنيع اللقاحات خلال الـ١٠ سنوات المقبلة، بعد أن تنجح فى توفير لقاحات محلية بأفضل شكل ممكن، بفضل الكفاءات المتوافرة فى القطاع الطبى، وتوافر المستلزمات اللازمة للتصنيع.

 

إسلام عنان: ورقة ضغط على الرافضين إسقاط «الملكية الفكرية»

 

قال الدكتور إسلام عنان، أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة، إن الطريقة المثلى للقضاء على الجائحة هى توفير اللقاحات بنسبة تتوافق مع عدد السكان فى كل دولة، بشكل منظم وسريع، لأن اللقاحات التى تم إنتاجها بالفعل لها فترة صلاحية ١٢ شهرًا فقط، ثم تُجدد مرة أخرى، وهذا يعنى اضطرار الدول لتوزيع اللقاحات المتوافرة لديها خلال عام واحد فقط. وأضاف «عنان»: «الدول التى أنتجت اللقاحات المضادة للفيروس تعمل على تخزين منتجاتها، وهناك دول استطاعت توفير اللقاحات لـ١٠٠٪ من شعبها، بينما هناك دول أخرى لم تحصل على أى جرعات حتى وقتنا هذا، لذا لم تتوافر عدالة توزيع اللقاحات فى ظل الأزمة التى يشهدها العالم، وللوصول إلى عدالة التوزيع يجب توفير اللقاح بنسبة تبدأ من ٢٠٪ من سكان الدولة وصولًا إلى ٧٠٪ منهم». وكشف عن أن بعض الشركات المنتجة للقاح ترفض إسقاط الملكية الفكرية الخاصة باللقاح، بالرغم من أن ميثاق الأمم المتحدة ينص على عدم وجود هذه الملكية فى حالات الطوارئ، وهو ما يعيشه العالم حاليًا. وذكر «عنان» أن «حل إسقاط الملكية الفكرية ليس الوحيد، فهناك حاجة لوجود تشريع من قبل جهة رسمية، سواء الاتحاد الأوروبى أو الأمم المتحدة، بعدم تخزين اللقاحات، أو شراء كميات كبيرة مستقبلية للإنتاج». وعن تصنيع اللقاح محليًا، قال إن هذا يُعد ورقة ضغط على الشركات الرافضة مبدأ إسقاط «الملكية الفكرية»، وعدم الاعتماد على اللقاحات الخاصة بها فى الوقت الراهن والمستقبلى، وهى خطوة مهمة للغاية، لكونها ستساعد على توفير أكبر قدر من اللقاحات لمصر والدول العربية والإفريقية. وناشد جميع الدول العربية سرعة تطبيق هذه الخطوة، من أجل تصنيع اللقاحات المضادة للفيروس، وتحقيق الاكتفاء الذاتى منها، وبالتالى الخروج من عباءة الدول والشركات المسيطرة على إنتاج اللقاح، وتوزيعه بطريقة عادلة على جميع فئات الشعب.