رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكراه الأولى.. ماذا قال عبدالرحمن الأبنودى عن آدم حنين؟

آدم حنين
آدم حنين

كان للشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي رأي واضح في فن النحات العالمي آدم حنين، الذي يوافق اليوم الذكرى الأولى لوفاته، والذي رحل عن عالمنا بعد صراع مع المرض في 22 مايو 2020، مؤكدًا أنه فنان عبقري ويعتبر فخرًا لمصر.

وفي مقال للأبنودي بجريدة "الأسبوع" بعددها الصادر 1 يونيو 1998 بعنوان "آدم حنين"، قال: إن أكثر الفنانين إحساسًا بالظلم في بلادنا هم الرسامون والنحاتون والمثالون، مع أنهم الأبناء الشرعيون لأجدادنا الفراعنة الذين علموا الكون كيف ينشق الحجر ليصعد منه الإنسان، وكيف تنطلق الشخوص قرنًا بعد قرن من داخل خطوطها النحيلة في أماكنها على نفس الجدران القديمة.

وتابع: أصبح شعبنا الأصيل- بحكم الظروف التاريخية- لا يعرف من الفنون سوى "القولية" منها، نسى تمامًا ما هيأتنا له الدنيا- عبر التشخيص- من نور وعلم ومعارف وحضارة وديانة منذ فجر التاريخ الذي أطلقناه من عقاله الأسود لينير طريق البشرية المقبل، حتى سبقتنا البشرية فيما ابتدعناه وأتقناه، بينما قيدتنا القيود ومنعتنا من مواصلة عطائنا الفريد.

واستطرد: حين نزلنا إلى هذه المدينة الكبيرة في أوائل الستينيات، نتلمس أسباب المعرفة وأصول الثقافة عرفناه ضمن من عرفنا من خيرة كتاب وفناني بلادنا، رجلًا ذكيًا حذرًا، دمث الخلق، مصريًا حتى النخاع، لا يلتفت إلى الصغائر، يتأمل الحياة بفرحة وعمق وجدية، فنان يهتز للمعنى واللمحة والصوت، ويكتشف الجمال حتى في النشاز، لكنه حين يبدع لا تملك أمام إنجازه إلا أن تقف صامتًا خاشعًا، تتأمل باستغراق شخوصه الحجرية، إذا أعطيتها نفسك خالصة مخلصة استمعت إلى صوتها العميق وانتفضت أمامك عيونها تفك طلاسم الملامح المعذبة الصامتة حاملة الحضارات وذرات التاريخ من سعادات واضطهادات لتمنحك زادًا للاحتمال ورسوخًا في وجه الأيام وطاقات للصبر وقدرة على الاستمرار والعطاء والتمسك بالأمل في أحلك اللحظات.. هذا هو الفنان العبقري الكبير فخر مصر آدم حنين.

وذكر: كان يكفيه أن ينحت رأسًا، رأسًا فقط. لنتسمر أمامها سنين، لا تبرح الذاكرة، فكأنها تلخيص لكل الرءوس المصرية الأصيلة، لا يضيعها منك ازدحام المعارف أو ازدحام الطرقات وصخب السنين وتعاقب الظروف، يمر الزمن، وقد تنسى ملامح أمك أو شكل عمامة أبيك، ولكن أبدًا لن تنسى الغضب الصامت والقهر المعلن والحكمة التي قطرتها تجارب القرون، والأسرار الروحية المخيفة لهذه الرأس "الآدمية"، كعواميد الملح، مصلوبة بلا صلبان، تقف تماثيله قبطية الملامح، قبطية الصبر والاحتمال، قبطية السماحة، تخترق المهانة والنبذ والمزاحمة، تضج بالمصرية، المصرية النقية الهاربة من عسف القوانين والسيوف، وإذا ما تأملتها بصفاء تستحقه، قادتك إلى ملامح أجدادك الذين تعذبوا وعصفت بهم العواصف تحت نير الظلم التاريخي المتواصل يصلونك بما فقدته أو تكاد.

وأضاف: إن تماثيل آدم حنين المصرية التي تعرفها أوروبا جيدًا ولا يعرف جمهورنا عنها شيئًا هي الشهداء حين يقومون منتصبين ليدلوا بشهاداتهم في وجه الكون والزمان، يشيرون إلى الاتصال والانفصال، يحملون إصرار مصر وديمومتها، يتحدون النوازل والاستلاب، ويثبتون أننا الأبناء البررة لأجدادنا الغابرين.