رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر التي «كبرت وضربتهم»

وائل لطفي
وائل لطفي

«الرد على الأرض».. هذا التعبير كان يكتبه مسئول مثقف ووطنى كلما برز تحدٍ واجه مصر.. وكلما نفّذ ضباع الإرهاب عملية جديدة.. أعجبنى التعبير وسكن فى ذاكرتى.. وكان المعنى أن الرد لا يكون بالكلام.. ولا بالإنشاء.. ولا بالعنتريات.. ولكن بالأفعال.

والأفعال عادة تلتزم الصمت وتعلن عن نفسها بعد أن تظهر كحقيقة لا قبلها بثانية ولا بعدها بثانية.. تأمّل كل الانتصارات التى تحرزها مصر الآن ستجد أنها تترجم هذه العقيدة التى تعتنقها الدولة المصرية وتعمل من خلالها.. خذ مثلًا موضوع غزة الأخير.. والملف الفلسطينى كله وعلاقة إسرائيل بالعالم العربى.. ستجد أن مصر التى التزمت الصمت وهى تشاهد تحركات هنا وهناك.. التزمت الصمت.. ثم قالت كلمتها الأخيرة بالفعل.. لا بالكلام.. يستطيع الأشقاء هنا وهناك أن يمارسوا كثيرًا من الأنشطة.. وأن يعقدوا المعاهدات.. وأن يلتقطوا الصور التذكارية فى البيت الأبيض وخارج البيت الأبيض. لكن فى وقت الأزمات تتحدث الحقائق.. تبرز حقيقة مصر كقوة إقليمية كبيرة وراسخة.. وتبرز كفاءة مؤسساتها كمؤسسات قادرة.. تمسك بملفاتها بمهنية واحتراف.. يلجأ الجميع إلى مصر.. تطلب الإدارة الأمريكية تدخل مصر للتهدئة والسيطرة.. وتستجيب مصر الكبيرة بكل ثقة.. كان هذا نموذجًا واحدًا لعقيدة «الرد على الأرض».. أو الفعل بدلًا من الكلام.

إننى ما زلت أذكر ذلك التعبير البسيط الذى أطلقه الرئيس السيسى فى خطاب له وهو يشرح للناس رؤيته حين قال «بكرة أكبر وأضربكم».. كان هذا تبسيطًا لفكرة عميقة ولعقيدة تعتنقها الدولة فى عهد الرئيس السيسى.. جهز نفسك قبل أن تخوض المعارك.. استدعى هذا التعبير العميق والبسيط معًا نكاتًا سمجة من كتائب إلكترونية كانت- وستظل- معادية.. وانخرط فى التعليق بعض المتظارفين.. ومن اعتادوا إساءة الظن بشكل عام.. وبعض المعارضين لمجرد المعارضة.. المهم.. ما الذى حدث بعد سنوات من إطلاق الرئيس هذا التعبير؟ لقد كبرت مصر فعلًا.. وضربتهم.. ولكن بطريقتها.. الهادئة.. الواثقة.. الصامتة.. لقد سكتت الأصوات التى كانت تعوى ضد مصر فى هذا البلد أو ذاك.. انكسر صلف من كانوا يتعمدون استفزاز مصر ومهاجمة ثورة ٣٠ يونيو ومصر فى كل خطاب.. استقرت الأوضاع فى ليبيا وفق ما تريده مصر.. التزم الجميع بخطها الأحمر وبأكثر منه بكثير.. الوضع فى غزة تحت السيطرة ويسير إلى ما هو أفضل بكثير.. السودان أصبح جهة دعم وتأييد بعد أن ظل ثلاثين عامًا وكرًا للتآمر على مصر وخنجرًا فى ظهرها.. قد تظن أنت وأنا أيضًا أن ما حدث كان صدفة.. لكنه فى الحقيقة لم يكن كذلك.. الإدارة الأمريكية التى كانت تنطلق من أفكار نظرية تحلق بها بعيدًا تدرك قيمة الحقائق على الأرض وتتصل بمصر وتثمن دورها.. وتجلس على مائدة الحوار بكل تواضع.. أما ملف التنمية الداخلية فهو ملف مشرف وملىء بالعمل الجاد والمتابعة الدقيقة والتخطيط.. قد كبرت مصر إذن، كما قال الرئيس، وضربتهم جميعًا دون صوت، ودون استعراض.. ودون ضجيج.. لقد هزمتهم بالفعل والعمل لا بالكلام.. ما أعظم حاجتنا أن نتوقف عن الكلام وأن نؤمن بالعمل.