رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بالأرقام.. حصاد المكاسب والخسائر في حرب غزة 2021

حرب غزة 2021
حرب غزة 2021

بعد التصعيد الأخير بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة «حماس»، لا يزال من المبكر تقدير المكاسب التى حققتها الأطراف المختلفة من الصراع، والخسائر التى تكبدها كل طرف من جراء المواجهات، فى ظل غموض الأهداف الاستراتيجية لدى كل طرف من هذا التصعيد.

ورغم ذلك، فإن بعض المكاسب والخسائر المبدئية تبدو واضحة للعيان، ويمكن رصدها من مسار سير المواجهات خلال الأيام الماضية، خاصة فيما يتعلق بالنواحى العسكرية أو الدعائية لكلا الطرفين، وهو ما نرصده فى السطور التالية.

إضعاف القدرات القتالية لـ«حماس» واغتيال عدد من كبار قادة الحركة

منذ عدة سنوات استقر العسكريون فى إسرائيل على هدف أساسى، يتمثل فى منع حركة «حماس» من تطوير قدراتها القتالية، عبر مهاجمتها كل فترة؛ لإعادتها عدة سنوات إلى الوراء، دون أى محاولة لإسقاطها كليًا أو تنفيذ اجتياح برى للقطاع.

وخلال المواجهة الحالية، وعندما تزايد إطلاق الصواريخ من قطاع غزة؛ ردًا على الخطوات الإسرائيلية الاستفزازية فى المسجد الأقصى، وأزمة حى الشيخ جراح فى القدس الشرقية، بدأت إسرائيل التصعيد فى اتجاه القطاع، فى وقت تمر فيه بأزمة حرجة تتعلق بصعوبات تشكيل حكومة جديدة. ورغم أن التوقيت لم يكن مناسبًا لإسرائيل، فإن خطط المعركة كانت جاهزة منذ عدة سنوات، بعدما تحددت أهدافها منذ اليوم الأول فى إضعاف القدرات القتالية لـ«حماس»، عبر تنفيذ حملة اغتيالات ضد ١٠ من كبار مسئولى الحركة، وضرب قدرتها على إنتاج القذائف والصواريخ، بالإضافة إلى إلحاق الضرر بوسائلها القتالية والدفاعية والمركزية، على رأسها الأنفاق الهجومية وأنفاق التسلل إلى إسرائيل. وأشار مراقبون إلى نجاح الجيش الإسرائيلى فى منع مفاجآت أعدتها «حماس» للمواجهة، من بينها تنفيذ هجوم بواسطة طائرات مفخخة، وإغارة قوات كوماندوز بحرى على مناطق فى عسقلان وأشدود، وعمليات خطف جنود إسرائيليين وغيرها.

كما أشار المراقبون إلى الهجوم الكبير الذى شنه سلاح الجو الإسرائيلى على شبكة الأنفاق القتالية والدفاعية التى حفرتها «حماس» فى القطاع، خاصة هجوم ليلة الـ١٤ من مايو الجارى، الذى استهدف ضرب المنظومة القتالية وقت تواجد كثير من العناصر فى الأنفاق.

وأوضحوا أن هذه الخطة سبق أن أقرتها وزارة الدفاع الإسرائيلية فى أغسطس الماضى، بهدف حرمان «حماس» من قدرتها على محاربة قوات الجيش الإسرائيلى داخل القطاع، أو الانطلاق من الأنفاق للهجوم وخطف الجنود ثم العودة إلى الأنفاق مجددًا، وذلك بعد دراسة عملية خطف الحركة جنديين إسرائيليين فى عملية «الجرف الصامد» فى عام ٢٠١٤. 

وذكروا أن تنفيذ تلك الخطة اعتمد على تكتيكات الخداع والاستدراج، وذلك عبر تسريب أنباء عن استعداد إسرائيل لتنفيذ هجوم برى ضد القطاع، ما دفع عناصر الحركة للخروج من الأنفاق واتخاذ مواقع قتالية، ثم وجهت إليهم الضربة، لافتين إلى أنها جاءت محدودة مقارنة بما كان مخططًا له فى الأصل.

وقالت تقارير إعلامية إن حجم الخسائر والأضرار الحقيقية التى لحقت بالمنظومة القتالية لحركتى «حماس والجهاد الإسلامى»، من جراء التصعيد على مدار الأسبوعين الماضيين، لم تتضح بعد، وإن كانت أثرت بشكل كبير على أعداد الصواريخ التى تنطلق من القطاع، فى أعقاب تنفيذ الضربات الإسرائيلية، رغم عودتها إلى الارتفاع مجددًا بعد ذلك.

وأضاف المراقبون أن إسرائيل نجحت، خلال الأيام الأولى من التصعيد، فى استخدام صور الهجوم على تل أبيب وضواحيها، وبث هذه الصور للرأى العام العالمى، لتبرير الهجوم العنيف على القطاع، مشيرين إلى أن الأمر تغير بعد الأيام الأولى، فى أعقاب انتشار صور التدمير الذى لحق بالقطاع، وبيان حقيقة الأضرار والإصابات فى الجانب الإسرائيلى مقارنة بالجانب الفلسطينى.

إجهاض تشكيل حكومة دون وجود نتنياهو.. وورطة لـ«الأحزاب العربية»

اعتبر مراقبون أن رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، نجح كعادته فى تحقيق استفادة شخصية من المواجهة، بعدما عطل التصعيد تشكيل حكومة جديدة بقيادة منافسه يائير لابيد، كانت ستعتمد على تأييد من الأحزاب العربية.

وأوضحوا أن التصعيد جعل الأحزاب العربية تواجه صعوبات كبيرة فى الانضمام أو دعم الحكومة الإسرائيلية المقبلة، ما يفتح الباب أمام انتخابات إسرائيلية خامسة، فى غضون عامين، مع تأييد أكبر لـ«نتنياهو»، خاصة أن الجمهور الإسرائيلى يصوت عادة لصالح الأحزاب اليمينية بعد أوقات الحروب. وفى سياق آخر، حذر عدد من المحللين من تأثير استمرار التصعيد الإسرائيلى على خطط التطبيع مع عدد من الدول العربية، مع التأكيد على أن العلاقة بين تل أبيب والإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس جو بايدن، مستقرة تمامًا، لأن واشنطن ما زالت تؤيد ما تفعله إسرائيل «دفاعًا عن نفسها». كما أكد المحللون أن لقاءات واتصالات مسئولى إسرائيل والولايات المتحدة، على جميع المستويات السياسية والدبلوماسية والعسكرية، تظهر تفهم الأمريكيين المواقف الإسرائيلية، رغم ما توقعه البعض مسبقًا من أن إدارة «بايدن» ستكون أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين. 

«حماس»

تغيير قواعد المواجهة بتطوير الإمكانيات الهجومية

فى المقابل، حققت حركة «حماس» عددًا من المكاسب الأساسية، أولها التمكن من إطلاق صواريخ كثيفة على وسط إسرائيل، بما فى ذلك تل أبيب وضواحيها، فى المرة الأولى التى يكون فيها العمق الإسرائيلى فى مرمى أهداف الحركة، بالإضافة إلى أنها أعادت تصدير صورتها باعتبارها الوحيدة القادرة على حماية القضية الفلسطينية.

ورغم قلة الخسائر الإسرائيلية، فإن استمرار الحركة فى إطلاق القذائف والصواريخ اعتبر مؤشرًا على جرأتها وقدرتها على الاستمرار فى القتال رغم خسائرها، مما مثل نجاحًا معنويًا كبيرًا، وأوضح أنها قادرة على تطوير قدراتها رغم الحصار الإسرائيلى. وقال مراقبون إن حركة «حماس» أظهرت خبرة استراتيجية جيدة فى استمرارها فى إطلاق الصواريخ، بعدما نوعت مراكز الإطلاق، وخبأت معظمها تحت الأرض، وجعلتها محصنة ومحمية نسبيًا من الهجوم عليها، الأمر الذى دفع إسرائيل لاستهداف الأنفاق نفسها وبعض مراكز الإطلاق خلال الأيام الأولى من القتال.

كما نجحت «حماس»، عبر إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية، وعلى رأسها تل أبيب، وعبر استهداف مطار بن جوريون، فى شل الحياة فى إسرائيل، مع إشعال الأوضاع فى المدن التى يسكنها العرب مثل اللد وحيفا، ما رآه المراقبون مؤشرًا على نجاح الحركة فى ربط نفسها بالهوية الفلسطينية، بالإضافة إلى إعادة القضية للمشهد الدولى.

نجاحات سياسية على الأرض

وبعيدًا عن كل ذلك، فإن المكسب السياسى الأكبر الذى حققته «حماس» تمثل فى ترسيخ مكانتها فى الشارع الفلسطينى، بعدما صورت نفسها باعتبارها المدافع الوحيد عن القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى والقدس، فى الداخل، الأمر الذى أضعف كثيرًا من موقف منافستها حركة «فتح»، وكذلك السلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس محمود عباس «أبومازن»، فى الشارع. أما عن الخسائر، فقد تمثلت فى مزيد من التدهور فى أحوال القطاع، مع تدمير مزيد من بنيته التحتية، بالإضافة إلى الخسائر البشرية.