رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كتاب جديد لـ«رضوى الأسود»

الشرير الأكبر.. «الدستور» تنشر كتابا تحت الطبع يفضح عراب التكفير

قطب الشرير الأكبر
قطب الشرير الأكبر

 

أحصى د. محمد حافظ دياب فى كتابه «سيد قطب - الخطاب والأيديولوجيات» جملة ما ترك سيد قطب، فوجده: ٢٤ كتابًا، وديوانًا واحدًا، و١١٠ قصائد، وثلاث قصص للأطفال، و٤ صور قصصية، وكتابًا يحوى خواطر له ولإخوته الثلاثة، وروايتين، وسيرة ذاتية، و٤٨٧ مقالًا، بالإضافة إلى مقدمات كتبها لعدد من المؤلفات. 

والحديث عن سيد قطب يعتبر فخًا وتحديًا، فقد تناول سيرته كثير من الأسماء اللامعة من أصحاب الرأى والفكر الحر. وليت التحدى يقف عند هذا فقط، ولكننا أمام شخصية جدلية بامتياز، حَوَت بداخلها كل ما يمكن تخيله من تباين، واختلاف، وتضاد، وجمع بين مختلف الشخصيات والفكر والنظريات، فنجد عادل حمودة فى كتابه «سيد قطب - من القرية إلى المشنقة»، يقول عنه: «لقد كان لسيد قطب أكثر من وجه، وأكثر من لون، وأكثر من لقب.. فهو معلم وشاعر، ومفكر، ومفسر، وملحد، ومسلم، ومتطرف، ومصلح، ومبدع، ومجاهد، ومجتهد، وشهيد، فتحولاته حادة وتغيراته مذهلة، وصورته لم تحبس نفسها فى إطار ثابت». لذا نحن نتحدث عن شخصية لا تدرى من أين تمسك بها، وعلى أى جانب منها تلقى الضوء، وعن أى شخصية منهم تتحدث، ومن منها الأقرب إليه والأصدق، ومن منها الأبعد عن تكوينه وقناعاته؟! إن القارئ فى سيرة قطب لن يجد حواجز وتخومًا كثيفة بين مرحلة وأخرى، وقد لا يجد مقدمات انتقل من خلالها من حالة لنقيضها، فمن الممكن أن يرى جانبين متناقضين فى نفس الوقت، بل ونفس السنة، وأحيانًا نفس الشهر، سوف يجد الليبرالى يمشى جنبًا إلى جنب مع السلفى، وسوف يرى القومى والساخر من القومية فى مقالين متتاليين!

الدخول والخروج، ارتداء وخلع عباءة كل قناعة/ فكر/ شخصية لم يكن يتطلب جهدًا عسيرًا من سيد قطب، حيث كان شديد الألفة مع كل أوجهه/ جوانبه. لذا، هو شخصية دوجمائية بامتياز، فهو لن يعتنق فكر/ مبدأ/ عقيدة/ نظرية إلا وسيكون متعصبًا لها تمامًا، إلى حين يعتنق أخرى تكون مناقضة تمامًا للأولى، لكنه أيضًا سيظل متعصبًا لها تمامًا، إلى أن تظهر ثالثة، وهكذا هو دومًا من البداية إلى النهاية. 

قد تكون براجماتيته السبب، وقد يكون عدم اتزانه النفسى سببًا آخر، وقد يكون الاثنان معًا. من هنا نستطيع القول إن هذا الكتاب هو محاولة لفك لغز هذا الرجل أسطورى التناقضات. والقارئ هنا ضلع أساسى فى التفكير، ومن ثمَّ فك الأحجية بحسب نظرية التلقى، وليس سلبيًا، متقاعد الفكر والحكم. 

وقد حاولت إبراز سيد قطب الكاتب والناقد، مع إلقاء الضوء على الجزء الأدبى والفنى فيه، والذى تم طمسه عن عمد من قِبَل فئتين: الفئة الأولى تلامذته أصحاب مصطلحات «دار الكفر ودار الإسلام»، و«التعالى بالإيمان»، وضرورة تغيير المجتمعات «الجاهلية»، لا بالكلمة، بل بالفعل «الإرهابى»، لِما رأوه فى تلك الكتابات من مروق ودلالات كفرية، فكان لا مناص من ذلك الطمس حفاظًا على صورته الذهنية كمفكر إسلامى، وتكريسًا لها، أما الفئة الثانية فهى معسكر اليسار الذى آثر إبراز وجه سيد قطب الإرهابى تارة والماسونى تارة أخرى، وله فى ذلك عذر لما لكتابيه «معالم فى الطريق»، و«فى ظلال القرآن»- كأهم مرجعين للسلفية الجهادية- من أثر شديد ومباشر فى تكوين العقل الجهادى التكفيرى الذى تبنته جماعة الإخوان- وإن كانت مارست الإرهاب قبل انضمامه إليها فى حوادث مثل قتل حكمدار القاهرة سليم زكى، والقاضى أحمد الخازندار، ورئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى، والمطربة أسمهان «كما جاء على لسان ثروت الخرباوى فى حلقة ٢٠ يوليو ٢٠١٩ من برنامج ٩٠ دقيقة مع الإعلامى محمد الباز وذلك من خلال تسجيل صوتى للقيادى محمود عبدالحليم»، وما انبثق عنها من جماعات إرهابية تتخذ الإسلام عنوانًا تنطوى تحته مطامع سياسية مثل القاعدة وطالبان وداعش وجبهة النصرة وبوكو حرام.. ولا ينغلق القوس المفتوح! 

لذلك، أوليت اهتمامًا خاصًا بذلك الجانب المخفىّ، إما بدافع الحب، أو بدافع الكراهية.

تكمن أهمية هذه الشخصية الجدلية، التى مجموع ما كُتِب عنها يفوق ما كُتِبَ عن حسن البنَّا، مؤسس الجماعة التى كان سيد قطب أحد أعضائها، فى أنها لم تكن مجرد عضو عادى، بل إن انضمامها للجماعة كان حدثًا استثنائيًا فى تاريخ الإخوان كله وحتى هذه اللحظة، نظرًا لأن الإخوان جماعة تفتقد الفكر والأدب والإبداع، وكل أعضائها وقياداتها إما أكاديميون غير فاعلين فى مجالاتهم سواء طب أو صيدلة أو هندسة أو مدرسون أو تجار. لذلك كان انضمام ناقد أدبى وشاعر ومفكر «اتفقنا أو اختلفنا حول موهبته وموضوعيته» يُعَدّ حدثًا مهمًا جدًا بالنسبة لهم، لم، وربما لن يتكرر ثانية، لما لجماعة «الولاء والبراء» من نسق فكرى يمحو ويمنع أى إبداع أو تفكير خارج نطاقها المرسوم، والذى يُقسم عليه العضو المُنتسِب إليها منذ يومه الأول.

لا يجب النظر إلى بزوغ سيد قطب بمعزل عن الظروف التاريخية والسياقات الأدبية والثقافية التى أحاطت به، ففى ظل الانتدابات الأوروبية على الدول العربية من جهة، وممارساتها القمعية من جهة أخرى، ساد اتجاه تجديدى لدى الأدباء المصريين، وكان أصحاب هذا الاتجاه يميلون لإعادة التنقيب فى موروثاتهم الثقافية الإسلامية، لإيجاد موارد أخرى للإبداع، فنجد محمد حسين هيكل يكتب «حياة محمد»، وأحمد حسن الزيات يُصدر مجلة «الرسالة»، وطه حسين يكتب «على هامش السيرة»، كما أن توفيق الحكيم يكتب «محمد الرسول البشر». وقد ظهر سيد قطب فى ذلك العصر الذى امتاز بزخمٍ فى إنتاج الأدب الدينى من تناول للسير والسنة، دعَّمَت وأذكت ما يمكن أن يطلق عليه «صحوة دينية» وعودة للتأسى بالسلف الصالح، كنوع من التمسك بالهوية لمقاومة كل ما يمكن أن يمحوها أو يطيح بها!

وقد سبقت موجة الكتابات الدينية كتابات تاريخية ممثلة فى المذكرات السياسية لأهم وأكبر الزعماء السياسيين مثل محمد فريد وسعد زغلول، كردة فعل على الاحتلال الإنجليزى «كتبت تلك المذكرات فى أوائل القرن العشرين، إلا أنها ظلت مجهولة حتى منتصف القرن، ولم تكن متاحة إلا لقلة قليلة من الباحثين، ولم تطبع للجمهور إلا فى منتصف الثمانينيات»، غير أنه- لاحقًا- كان لاحتضار «الرجل المريض» الذى تنتظر أوروبا كلها موته كى تقتسم إرثه، ثم انتهاء الخلافة الإسلامية عام ١٩٢٤، أن أذكيا التمسك بالهوية الدينية، كما أشعلا مشاعر المقت والحقد على كل مظاهر الحضارة الأوروبية، من شكل الحياة، والذوق العام من مأكل، وملبس، إلى الحريات الفردية... إلخ، فظهر الأدب الإسلامى، الذى حوى للأسف الشديد، عند بعض الكبار من الكتاب، رؤية رجعية ومتزمتة فيما يخص حرية الفكر، والحريات الفردية، والنظرة للمرأة، بتبنى فهم قاصر ورؤية سطحية يلصقونها بالذات الإلهية وبالقرآن، وهى وجهات نظرهم المحضة ورؤيتهم الشخصية الآخذة بظاهر النص وليس بمقصده. فنجد أن مصطفى صادق الرافعى الملقب بإمام الكُتَّاب، ونابغة الأدب، وحجة العرب، يهاجم طه حسين بضراوة تصل حد الوقاحة بسبب كتابه «الشعر الجاهلى» (كان هذا هو الاسم الأصلى للكتاب، قبل أن يضاف إليه- لاعتبارات ما- حرف الجر «فى») ويتهمه بالتقليد والنقل من مستشرقين مغرضين (اقرأ مقدمة كتاب «تحت راية القرآن- المعركة بين القديم والجديد» للرافعى- وكذلك كلامه فى الفصل المعنون بـ«قال إنما أوتيتم على علم- بل هى فتنة»)، لمجرد أنه فى بداية كتابه، دعا طه حسين لتبنى الشك الديكارتى فى المسلَّمات من أجل بحث جاد للوصول إلى اليقين. كما دعا الرافعى لإدراج المناهج الإسلامية فى مقررات الجامعة، دون الاقتصار فقط على مقررات مرحلة ما قبل التعليم العالى، بل إنه دعا للفصل بين الشباب والفتيات فى الجامعة (مقال «قنبلة بالبارود لا بالماء المقطَّر»- مجلة الرسالة- العدد ١٩٤- ٢٢ مارس ١٩٣٧)، وليته اكتفى بذلك، بل إنه تطاول على المرأة فوصفها بأقذع الألفاظ والنعوت وبأنها حية سامة، وشر، وشؤم، وكاذبة، وبلا عقل. (انظر لكتابه «السحاب الأحمر»- الفصل الثانى المعنون بـ«النجمة الهاوية- طائفة من الخواطر فى طائفة من النساء». وهو هنا يحدد كلامه بـ«طائفة»، لكن حينما تقرأ، تجد أنه يصم النساء جميعهن بتلك الصفات!).

أما عن العقاد، فحدِّث ولا حرج عن رجعيته فيما يخص نظرته للمرأة، فألَّف فى كرهها الكتب واحدًا تلو الآخر، ففى «المرأة فى القرآن» (١٩٥٩) ستكتشف أنه قد جانبه الصواب حينما اختار هذا العنوان، وكان حريًا به- للدقة والأمانة- أن يكون «المرأة فى رأيى»، فهو يرى أن القرآن قد حكم بأفضلية الرجل على المرأة، وأن هذا هو الحكم البيِّن، وأن تفضيله عليها مطلق، والكتاب يزخر بالنظرة الدونية للمرأة والتحقير من شأنها، أما الكتابان الآخران، وإن لم يندرجا تحت الكتابات الإسلامية، إلا أنهما انطلقا واتكآ على أحاديث مثل «ناقصات عقل ودين»، فكتابه «الإنسان الثانى» والذى يرمز فيه العنوان إلى المرأة ككائن من الدرجة الثانية، واصمًا إياها بالنقص العقلى والضعف الجسدى، كما يراها تافهة وسطحية، وأن الالتفاف نحوها ما هو إلا رغبة وشهوة وطمع بها، وأن مظاهر الحرية هى تلك الموجودة فقط فى النوادى والحانات!...إلخ. أما فى «هذه الشجرة»، فينطلق كذلك من الدين كنقطة بداية ليصوغ نظرته للمرأة، وليس أدل من العنوان المقتبس من الآية القرآنية «لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين» فيتحدث عن أن ضعف البنية، استعاضت عنه المرأة بالدهاء والخبث والمكر والخديعة، مستخلصًا من قصة آدم وحواء مع شجرة الخلد المحرمة، أن المرأة كائن عنيد مُولع بالممنوع وحب الاستطلاع، وأنها هى التى أغوت زوجها «الرجل» بالأكل من الشجرة. «سيد قطب والعقاد لم يتزوجا، وقصص حبهما لم تكلل بالنجاح، أما الرافعى فقد تزوج زواجًا تقليديًا دون حب. والعقاد والرافعى أحبا مى زيادة، لكنها لم تبادلهما الحب حيث كان قلبها معلقًا بجبران خليل جبران».

تلك الكتابات التى تجأر بالحقد والكراهية، والتى قد تنم عن مرض نفسى، وسطحية فى التناول، وتلك المفاهيم المغلوطة لآى القرآن بجهل معناها الصحيح والغرض الأساسى منها الذى أراده رب الكون، لم تهز مكانة أصحابها أو تنتقص منهم، لم تقلب الدنيا فوق رءوسهم، وربما لم تجد من يفندها، وربما وجدت من يتجاهلها، أو بمعنى أدق يغفر لأصحابها ما تأخر من الذنوب نتيجة ما تقدم من صالح الأعمال الأدبية ومن تاريخ صنعوه بأسمائهم. لكن حينما نأتى لسيد قطب.. فهذا شان آخر!

تأتى أهمية سيد قطب، ليس لكونه موهبة فذة لا مثيل لها- فكتاباته تتسم بإطناب يصل حد الملل، مكررًا الفكرة نفسها والعبارات نفسها بطول المقال الواحد، وكذلك فى المقالات المسلسلة الخاصة بموضوع واحد، مع استخدامٍ للنبرة الخطابية والمباشرة، والأسلوب الحاد والهجومى، بل الذى يحمل سبًا وقذفًا وتطاولًا فى حق من يكتب عنهم، ولا لريادته فى طرح فكر لم يسبقه إليه أحد، نظرًا لأنه ظل طوال عمره ليس فقط مقلدًا لمجايليه «العقاد مثالًا»، بل مُستنسِخًا لآرائهم ثم واضعًا فوقها خاتمه «المودودى مثالًا»، ولكنها تكمن فى شيئين أساسيين، أولهما انتماؤه للإخوان المسلمين، مفرخة كل جماعات الإسلام السياسى والسلفية الجهادية، لذا كانت كتاباته، التى تُعد إحدى أهم أدبيات الإخوان بعد كتابات البنا «بل قد تكون أهم منها»، بمثابة قنابل موقوتة تنفجر فى وجوهنا جميعًا طوال الوقت وفى كل مكان، وثانيهما أن كتاباته الدينية «المنقولة حرفيًا من غيره وتحديدًا المودودى» وصلت لقمة التحريض والإقصاء والكراهية، مع الدعوة للجهاد ضد الطواغيت «الحكام المسلمين»، وهو مَبلَغٌ لم يسبقه إليه أحد، وإن كان هناك مِن مشاهير الأدباء والشعراء الذين طرقوا الكتابات الدينية مَن وصلت رجعيتهم إلى درجة كبيرة مثل العقاد والرافعى كما أوضحنا، لكن لم يُحرض أحد منهم على اعتزال المجتمع الذى وصمه سيد قطب بالجاهلى، ولم يُكفر أحد منهم المجتمعات الإسلامية بالكامل، ولم يُحرض أحد منهم على تغيير المجتمعات بإعلان الحرب واستخدام السلاح!

سوف نستعرض فى هذه الحلقات أجزاءً من أهم المقالات التى كتبها، تلك المقالات العلامات، تلك الفارقة. فى البدء على سبيل المثال، سنتعرَّض لما نشره من كتابات نقدية لروايات نجيب محفوظ، حيث يشاع دومًا أنه أول من كتب عنه وأول من قدمه للقارئ، وسوف نوضح خطأ تلك المقولة التى رسَّخها أهم وأكبر النقاد، كما سنستعرض المقالات التى ترصد درجات تحوله الفكرى، وسوف نقدم ما يؤكد خطأ مقولة إن رحلته إلى أمريكا هى حجر الزاوية فى ذلك التحول الجذرى، والذى بالمثل أكّد عليه الكثيرون فى كتبهم ومقالاتهم. وبين هذا وذاك سوف نزيل الغبار عن معنى «الماسونية» ودلالاتها فى ذاك الوقت، وسوف نمحو ذلك اللغط الذى استمر طويلًا ولا يزال حول تلك «التهمة المشينة» التى تلازمه كلما نُطِقَ اسمه. وقد قاطعنا فى نطاق محدود جدًا- ربما مرتان اثنتان- تراتب المقالات المسلسلة، بأخرى كان لا بد من وضعها لبيان التناقض الصارخ والفج فى شخصية وتفكير سيد قطب. وقد واتتنى تلك الفكرة من فيديوهات اليوتيوب التى تعرض لشخص شهير أقوالًا تامة التناقض قبل وبعد حدث معين «ثورة يناير، نهاية حكم مبارك.... إلخ». 

وفى النهاية لا يسعنى سوى القول إن هذا الكتاب هو محاولة للإجابة عن الأسئلة الآتية:

هل كان سيد قطب الشخصية الهستيرية التى لا تستطيع التحكم فى درجة انفعالاتها، والتمييز بينها، ومن ثمَّ الحُكم الصحيح على الأمور والبشر؟ أم المتسلقة النفعية التى تصير ظلًا للشخص الأكثر شهرة وسلطة، أم المأزومة والمهزومة نتيجة الإخفاق فى أن تصير علامة فارقة ذات شأن فى عالم الأدب، فاختارت أن تكون عالية الشأن بتأليف كتب أضحت أهم مراجع السلفية الجهادية؟ أم هو الشخص الرومانسى البرىء، الذى لا يتهاون ولا يلين فى دوره كمصلح اجتماعى منوط به تغيير الكون؟ أم أن سفره لأمريكا ووجوده فى دولة بقدر ما تتنعم بثمار الثورة التكنولوجية وبحياة رغدة، لكنها فى النهاية مسيحية تقيم القداسات وتحرص على الاحتفالات بأعياد الميلاد والفصح وغيرهما، قد أيقظ عنده- فى رد فعل مضاد وكأنها حيلة دفاعية- صحوة إسلامية، تخيلها مخرجًا من أزماتنا جميعها، وضمانة للحاق بركب الحضارة؟ أم هو ضحية عصر مختَلَف الأيديولوجيات، أو «عصر التطرفات» كما سماه المؤرخ البريطانى إريك هوبزباوم «Eric Hobsbawm» (١٩١٧-٢٠١٢)، وكان للصراع بينها بالغ الأثر على كل الكتابات التى تم إنتاجها حول بناء الدولة فى المجتمعات التى خضعت للاستعمار؟

بعض مما سبق.. أم مجتمعة.. لا أحد يعلم. لكنهم يقولون إن للحقيقة وجوهًا مختلفة، وكلها صحيحة!

سأترك الحكم لك عزيزى القارئ، فأنت شريك الكاتب فى عملية الكتابة بدرجة تلقيك ووعيك.