رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وائل لطفي يكتب: شطط داعية

وائل لطفى
وائل لطفى

أتابع مثل غيرى القضايا التى يثيرها الداعية عبدالله رشدى من وقت لآخر، وخطورة هذه الآراء أن صاحبها يقدم نفسه للناس على أنه داعية فى وزارة الأوقاف المصرية، وأنه عالم أزهرى.. بل إنه فى وقت من الأوقات كان يذيّل ما يكتبه على وسائل التواصل الاجتماعى بإشارة يقول فيها «الأزهر قادم»، وكأنه المتحدث الوحيد باسم الأزهر ورافع رايته. 

أما سبب الخطورة الثانية لما يقوله عبدالله رشدى فهو أنه يحقق ذيوعًا وانتشارًا بين الشباب من مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى.. وهم غالبًا من قليلى الخبرة الذين يستهويهم الطابع المتطرف والعنصرى والذكورى الذى يغلّف به رشدى فتاواه ضد الآخر المختلف بشكل عام، وضد المرأة بشكل خاص.. ولعل ما يستحق الاهتمام فيما يقوله رشدى أنه يمثل الوجه النقيض لكل خطابات الإصلاح الدينى التى يتم طرحها فى الفترة الحالية.. جوهر الإصلاح هو مراعاة مقاصد الشريعة لا زخرفها، والنفاذ إلى جوهر النص الدينى لا ظاهره، ومراعاة روح العصر، والتفرقة بين الظرف الزمانى المتغير وبين القصد الثابت للشريعة.. لكن الحقيقة أن عبدالله رشدى لا يحقق أيًا من مقاصد الإصلاح.. بل إنه على العكس من ذلك، يحقق ما هو عكسها.. فهو يستغل دراسته فى الأزهر فى استخراج مجموعة من الأحكام التى تجاوزها الزمن والحديث عنها ومحاولة تبريرها عقليًا.. من ذلك مثلًا حديثه عن إباحة العلاقة الجسدية مع الجوارى وملك اليمين من سبايا الحروب.. ورغم أنه من غير المعقول منطقيًا أو إنسانيًا أو حقوقيًا أن ينتج عن الحروب الحديثة «يفترض أن المسلمين سينتصرون فيها» وجود سبايا من النساء.. فضلًا عن معاشرتهن جنسيًا.. حيث يعتبر ذلك حاليًا من قبيل جرائم الحرب والاغتصاب.. إلا أن رشدى ينبرى للحديث عن ذلك ومحاولة تبريره وإقناع الناس بجدواه وضرورته.. نفس الأمر تكرر حين طرح أحد المسلسلات مفهوم «إجبار الزوجة على معاشرة زوجها غصبًا»، الذى يعرف باسم «الاغتصاب الزوجى»، وهو قضية جرت فيها تغييرات كبيرة لها علاقة بتغير وضع المرأة فى الحضارة الحديثة، وبمفهوم الزواج نفسه من حيث هو أُلفة وسكن بين زوجين، وبمفهوم التراضى بين شريكين ندين دون إجبار، ودون أن يكون لأحدهما حق ليس للآخر، ولها علاقة أيضًا بمفهوم إصلاح الخطاب الدينى، وضرورة ترك بعض الأحاديث التى انتفت العلة منها بتطور أحوال المجتمعات وطبائعها، وأعرافها.. لكن عبدالله رشدى تجاهل كل ذلك، وعاد إلى عادته المحببة فى جذب الانتباه، والركوب على «التريند»، وإظهار وجه مجافٍ للحقيقة فيما يخص الشريعة الإسلامية وموقفها من المرأة. 

والحقيقة أن مرض جذب الانتباه هو أحد الاضطرابات النفسية التى تنتج عن الإفراط فى سلوك طبيعى، بمعنى أن الرغبة فى لفت الانتباه هى رغبة طبيعية لدى أى إنسان، ولكن بمقدار معتدل، ودون ارتكاب سلوك مزعج، لكنها تتطور عند بعض الناس لتصبح اضطرابًا سلوكيًا، حيث لا يتخيل المصاب بهذا المرض أن تكون هناك قضية تشغل الناس دون أن تكون له مساهمة فيها، وعادة ما يتعمد أن تكون هذه المساهمة مخالفة للمألوف، ومثيرة للجدل، ومزعجة للآخرين حتى يولوه مزيدًا من الانتباه والعناية.. وفى ظنى أن بعض من يدور حولهم الجدل هذه الأيام مصابون بهذا الاضطراب السلوكى.. خاصة أن وسائل التواصل الاجتماعى قد وفّرت مناخًا مناسبًا لشيوع هذه الاضطرابات، ومناخًا مناسبًا للسلوكيات المرتبطة بها.. وأظن أن قيادات المؤسسة الدينية، مثل الإمام الأكبر، عليهم أن يوجهوا مثل هذا الداعية عبر جلسات النصح والإرشاد المختلفة.. وأن على الإمام الأكبر أن ينيب من يجلس مع هذا الداعية فى جلسات تثقيف مختلفة حول مقاصد الشريعة ومعنى الإصلاح.. ولا بأس من توجيهه لجلسات طبية علاجية يتلقى فيها علاجًا مناسبًا من اضطرابات لفت الانتباه.. خاصة أن كلية الطب فى جامعة الأزهر تضم أساتذة بارعين فى قسم الطب النفسى فى كلية الطب، يشهد لهم الجميع بالكفاءة.. ولعل هذا أيسر السيناريوهات للتعامل مع حالة الداعية عبدالله رشدى.. وإن لم ينجح فسنجتهد فى طرح سيناريوهات أخرى لعلها تكون أكثر نجاحًا ونجاعة.. والله من وراء القصد.