رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أوراق وهمية».. تزوير شهادات تحليل «كورونا» وبيعها لأغراض السفر

أوراق وهمية
أوراق وهمية

ساعات قليلة كانت تفصل محمود صلاح عن رحلته المتجهة إلى الإمارات، وتحديدًا مطار الشارقة، للعودة إلى عمله، ولكن جاء موعد الطائرة دون أن يتسلم تحليل الـ«PCR» للكشف عن فيروس كورونا، بنتيجة «سلبى»، وهو أحد شروط دخول الإمارات، نظرًا لتكدس المعامل المركزية بالمواطنين، الذين يريدون إجراء التحليل ضمن متطلبات إجراءات السفر.

«واللى يخلصهولك فى كام ساعة؟».. كلمات اخترقت أذن «محمود»، الذى بدأ يبحث عن مصدر الصوت الذى يعرض عليه شهادة بخلوه من فيروس كورونا، مستغلًا ضرورة الحاجة إلى تلك الشهادة الطبية، التى دونها لا تتم إجراءات السفر إلى الخارج، على أن يحصل هذا الشخص، «السمسار»، على مبلغ مالى.

دار حديث بين «محمود» وهذا «السمسار»، الذى تحفظ على اسمه، أكد فيه الأخير أنه سيوفر شهادة «تحليل سلبى كورونا» للوجهة التى يقصدها «محمود»، على أن تكون تلك الشهادة صورة طبق الأصل من التحاليل الصادرة عن المعامل المركزية ومختومة بـ«ختم النسر» مقابل ١٥٠٠ جنيه فقط.

لحظات قليلة كانت كفيلة بأن يتخذ «محمود» قراره برفض هذا العرض الذى تلقاه من «السمسار»، ممتنعًا عن خوض هذه المخاطرة، على الرغم من كونه لن يتسلم التحليل من المعامل المركزية قبل موعد سفره، بعدما أخبرته إحدى الموظفات فى مكتب الاستعلامات بأن أمامه قائمة انتظار طويلة، وذلك خوفًا من أن يقع تحت طائلة القانون.

هذه القصة تقودنا للكشف، هنا فى هذه السطور، عما يمكن أن نصفه بـ«مافيا تزوير تحاليل الـPCR» للراغبين فى السفر، مستندين فى ذلك إلى وثائق وشهادات لا يدخل إليها الشك.

تحليل pcr  مزور

الاتفاقية الأولى: توصيل «PCR سلبى» خلال ساعات عند باب المنزل.. السعر 1200 جنيه.. والتواصل عبر «واتس آب».

بالتزامن مع تفشى «كورونا»، فرضت الدول وإدارة الحجر الصحى بالمطارات المختلفة عددًا من الإجراءات الاحترازية لوقف انتشار الفيروس، فبات من ضمن إجراءات السفر إحضار شهادة طبية لتحليل «PCR» تثبت خلو حاملها من فيروس كورونا، على أن تكون هذه الشهادة صالحة لمدة ٧٢ ساعة فقط، وتختلف المدة، حسب كل دولة.

ويتطلب إجراء «تحليل كورونا» للسفر إحضار أصل جواز السفر، وأصل بطاقة الرقم القومى، ويمكنك حجز الموعد عن طريق اختيار تاريخ التحليل، وعدد المسافرين، وجهة السفر، ومكان الفحص، ثم تحديد موعد إجراء الفحص، الذى يختلف باختلاف جهة عمل الفحص، وذلك بحسب وزارة الصحة والسكان.

 

محادثة بين محررة الدستور وسمسار تزوير تحليل

 

وتعد إدارة المعامل المركزية، التابعة لوزارة الصحة والسكان، المصدر الرئيسى المعتمد فى إصدار شهادات الخلو من فيروس كورونا المستجد لأغراض السفر للخارج، بحسب وزارة الصحة والإسكان، لكن، وبعد رحلة بحث استمرت أسبوعين، توصلت «الدستور» إلى «شبكة» تستغل أزمة تكدس المعامل المركزية بالمواطنين وتأخر صدور نتائج تحاليل فيروس كورونا فى إصدار تحاليل «PCR» لأغراض السفر إلى الخارج.

وبدأت رحلة «الدستور» فى كشف هذا الملف بالتجول فى محيط المعامل المركزية التابعة لوزارة الصحة بمنطقة عابدين، وتحدثت مع أحد الباعة الجائلين عن أزمة تأخر صدور نتيجة تحليل كورونا الخاص بالسفر، وما قد يسببه التأخير فى ضياع وقت الرحلة، وعلى الفور أعلن هذا البائع المساعدة من خلال أرقام تليفونات لأشخاص بإمكانهم حل الأزمة فى خلال ساعات وبسعر مناسب.

محادثة بين محررة الدستور وسمسار تزوير تحليل

وبالتواصل مع أحد تلك الأرقام عبر «الواتس آب» تبين أنه «سمسار» لتزوير تحليل «سلبى كورونا» لراغبى السفر، لكنه رفض أى نوع من التواصل سوى من خلال المراسلات النصية فقط عبر التطبيق، وأكد أنه بمقدوره أن ينجز هذه المهمة وسبق أن وفَّر بالفعل لعدد من راغبى السفر شهادات طبية لتحليل كورونا.

وقبل إتمام أى اتفاق طلب «السمسار» صورة تذكرة الطيران وجواز السفر، للتأكد من هوية الشخص الذى يتفق معه، لكن بعد التحايل على الأمر، أخبرت «محررة الدستور» هذا «السمسار»، الذى يدعى «مجدى عبدالشافى»، معلومات عن رحلة سفر وهمية وعن مدى حاجتها لشهادة طبية لتحليل «pcr» يحمل نتيجة «سلبى كورونا»، على أن تكون تلك الشهادة معتمدة من المعامل المركزية، نظرًا لدقة الفحوصات التى يجريها الحجر الصحى بالمطارات فى الفترة الأخيرة.

 

El Dostor · _blank" style="color: #cccccc; text-decoration: none;">اتفاق يثبت إرسال تحليل كورونا للسفر حتى باب المنزل

أراد «السمسار» أن يعرف وجهة الرحلة وموعدها وبعض المعلومات الأخرى الخاصة بالرحلة، وأكد أنه بمجرد إرسال صورة من جواز السفر وتذكرة الطيران سيتمكن من إنجاز التحليل المطلوب، وذلك بمقابل مبلغ ١٢٠٠ جنيه فقط شاملًا رسوم التسليم بمنطقة المهندسين بالجيزة.

وقال «السمسار»: «أنا بجمع العملاء القريبين من بعض ويبدأ المندوب يتحرك على حسب كل عنوان، ولو فلوسك جاهزة يوصلك التحليل فى نفس اليوم بعد كام ساعة بس.. ابعتيلى الصور عشان ألحق أعملك التحليل وتوصلك الشهادة مختومة بختم النسر وإنتى قاعدة فى بيتك».

هنا أنهت «الدستور» الاتفاق مع «السمسار» لتجهيز المبلغ المطلوب وهو ١٢٠٠ وإرسال الصور المطلوبة، على أن يسلم «المندوب» شهادة تحليل السفر بمنطقة المهندسين.

 

الاتفاقية الثانية: 1600 جنيه لأبناء محافظة الغربية «عرض خاص»

لم يكن الأمر حالة فردية بمحافظة الجيزة فقط، وإنما كثفنا البحث خارج نطاق حدود الجيزة، إلى أن تواصلنا مع أحد السماسرة من مركز زفتى بمحافظة الغربية، يُدعى «أبومروان»، الذى قال فى بداية حديثه: «مش هنختلف على السعر بس عشان إنتى من الجيزة هيبقى آخر كلام ١٧٠٠ وكدا عامل معاكى واجب».

 

محادثة بين محررة الدستور وسمسار تزوير تحليل

رفض «أبومروان» التواصل تليفونيًا بحجة عدم مناسبة التوقيت، وفضَّل إجراء الاتفاق من خلال تطبيق «ماسنجر»، كما رفض أيضًا إعلان موقعه بمركز زفتى، معلقًا: «أنا هجيلك لغاية عندك فى المكان اللى نتفق عليه، بس ابعتيلى تفاصيل الرحلة».

ولدى هذا «السمسار» العديد من الشهادات الطبية لتحليل «PCR» الخاصة بالسفر مُدون عليها «سلبى كورونا»، ولكن بيانات تلك النتائج فارغة فقط ينقصها المعلومات الخاصة بالمسافر مثل رقم جواز السفر وتفاصيل أخرى عن الرحلة والوجهة المقصودة، وحصلت «الدستور» على نسخ من شهادات نتائج هذا التحليل، ومنها الجاهز على التسليم لأشخاص بالفعل أجروا اتفاقًا مع «السمسار» وأخرى احتياطى تحت الطلب لإجراء اتفاقات جديدة.

تحليل pcr  مزور

 

وخلال التواصل مع «السمسار» أخبرته «محررة الدستور»، خلال الاتفاق الموثق، بأنه ليس أمامها سوى يومين فقط على موعد رحلتها المتجهة إلى البحرين، لذا هناك حاجة ضرورية للحصول على شهادة تحليل الـ«PCR» خلال ساعات فقط، وإلا من الممكن ألا تلحق بموعد الرحلة.

أكد «أبومروان» أو «السمسار» أنه لديه بالفعل «شهادات طبية جاهزة ومختومة وموثقة لتحليل كورونا للمسافرين» وباقية فقط على ملء البيانات الخاصة بالشخص الذى سيسافر، وذلك حسب رقم جواز سفره ورحلة الطيران، مشددًا على أن تلك الشهادات مضمونة، وتعد صورة طبق الأصل، كما الشهادات الصادرة من المعامل المركزية.

 

محادثة بين محررة الدستور وسمسار تزوير تحليل

وبعدما تأكدت «محررة الدستور» من توافر شهادات تحليل كورونا الخاصة بالمسافرين لدى السمسار وتبلغ سعر الواحدة منها ١٦٠٠ جنيه لأبناء محافظة الغربية، ولكن تصل إلى ١٧٠٠ جنيه لمن هو خارج نطاق محافظة الغربية، أنهت الاتفاق عند تلك المرحلة بحجة تأكيد حجز الطيران والعودة لتأكيد الاتفاق معه.

الاتفاقية الثالثة: ٣٥٠ جنيهًا «عربون».. و1260 جنيهًا بعد التسليم

الاتفاق الثالث كان مع «سمسار» من مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وذلك من خلال التواصل معه تليفونيًا وعبر تطبيق «ماسنجر»، واشترط «السمسار» فى بداية الحديث أن يتسلم «عربون» من مبلغ الاتفاق على أن تصله بقية المبلغ حين تسلم الشهادة الطبية.

وعن المبلغ المطلوب، كشف «السمسار»، الذى يُدعى محمد البنا، أنه لا يطلب سوى ١٢٦٠ جنيهًا رسوم سعر التحليل بالمعامل المركزية، التابعة لوزارة الصحة، بالإضافة إلى ٣٥٠ جنيهًا فقط «عمولة»، معتبرًا هذا المبلغ بسيطًا مقارنةً بالعرض الذى يقدمه.

وجرى الاتفاق مع «سمسار الزقازيق» على إرسال صورة جواز السفر و«عربون»، من المبلغ المتفق عليه، وهو ١٦١٠ جنيهات، مبررًا: «عشان أتأكد من جدية الحجز ومصداقية الاتفاق مش هشتغل غير لما تبعتيلى التفاصيل دى».

وقال «السمسار»: «دلوقتى أنا بطلب منك ١٦١٠ فقط لأن لسه ٣ أيام على موعد السفر، لكن مع مرور الوفت وقرب موعد الرحلة ممكن السعر يزيد عن كدا وتبقى العمولة أكثر فخدى قرارك بسرعة ومنتظر الرد».

أنهت «محررة الدستور» الاتفاق مع «السمسار»، وفى اليوم التالى جرى اتصال معه حيث أكد أن شهادة التحليل جاهزة وبمجرد تأكيد الاتفاقية وإرسال العربون سيأتى هو إلى الجيزة لتسلم بقية المبلغ وتسليم شهادة التحليل مختومة ومعتمدة، ولكن مكان التسليم سيكون عند محطة مترو سيحددها هو حين يصل من الزقازيق.

ومنذ أسابيع قليلة تمكنت مديرية أمن المنيا، بالتنسيق مع قطاعى الأمن العام وأمن القاهرة، من ضبط تشكيل عصابى تخصص فى تزوير المحررات الرسمية وتقليد الأختام الحكومية، لاسيما الشهادات الطبية للمسافرين «PCR» والتى تفيد خلو حاملها من الإصابة بفيروس كورونا لاستخدامها فى السفر.

وبالفعل ضُبط اثنان من المتهمين وعثر بحوزتهما على ١١ جواز سفر بأسماء أشخاص مختلفين من ضحاياهم، و١٠١ شهادة تحليل مسافر «PCR» خالية البيانات عدا ٣ منها تحمل أسماء أشخاص مختلفين منسوب صدورها لإحدى الجهات الحكومية، جميعها ممهورة ببصمة خاتم شعار الدولة المقلد، وذلك وفق ما أعلنت عنه وزارة الداخلية.

وبمحافظة كفرالشيخ تمكنت قوات الشرطة، بالتنسيق مع إدارة المعمل المركزى للفيروسات بقرية الزعفران بمركز الحامول، من ضبط ٤ شهادات مزورة، بحوزة عدد من الراغبين للسفر بالخارج، تحتوى على نتائج خاصة بتحليل فيروس كورونا «كوفيد- ١٩»، ومنسوب صدورها للمعامل المركزية على غير الحقيقة.

قانونى: السجن عقوبة المتورطين.. و«الأطباء»: لسنا مسئولين

من جهته، قال أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، إن عقوبة التزوير فى المحررات الرسمية أو العرفية أو كليهما هى السجن، إذ إن التزوير يعد أداة لتغيير الحقيقة ويتسبب فى وقوع الضرر.

وأضاف أن التزوير جريمة تقوم على عنصرين، أولًا: تغيير الحقيقة فى محرر رسمى أو عرفى، ثانيًا: وقوع الضرر، ويختلف الأمر ما إذا كان التزوير فى محرر رسمى أو عرفى، وكلاهما يعاقب عليه بالسجن.

 

المعامل المركزية

أما الدكتور أشرف حاتم، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، فذكر أن قضايا تزوير الأوراق الرسمية وأختام الدولة هى من مسئولية الجهات الرقابية، التى لديها سلطة الضبطية القضائية بالدولة، على أن تضبط هذه الجهات، مثل مباحث الأموال العامة، الأشخاص الخارجين على القانون بتهمة تزوير الأوراق الرسمية وتقليد الأختام.

أما عن دور لجنة الصحة فى قضية مثل تزوير الشهادات الطبية، التى تصدر عن المعامل المركزية وتقليد الأختام، فأوضح أنها تتلخص فى تقديم طلبات الإحاطة بشأن تلك الوقائع، فضلًا عن تغليظ العقوبات والتشريعات القانونية، إذا ما احتاج الأمر ذلك، مشددًا على ضرورة ضبط هؤلاء الأشخاص، الذين يستغلون الأزمات المختلفة التى تواجه المواطنين والدولة من أجل تحقيق أرباح شخصية دون النظر إلى عواقب تلك الجرائم على أمن وسلامة المجتمع.

وقال الدكتور رشوان شعبان، الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء، إن إدارة العلاج الحر هى الجهة المسئولة بوزارة الصحة عن ضبط المنشآت الطبية غير المرخصة، وكذلك الأشخاص الذين يعملون بمهنة الطب دون تسجيلهم درجة علمية، وذلك من خلال شن الحملات الرقابية على هذه الأماكن والأشخاص، ولكن الأزمة هنا تجاوزت حتى دور إدارة العلاج الحر أو نقابة الأطباء.

 

المعامل المركزية

 

وأوضح: «نحن هنا نتحدث عن التلاعب فى تحاليل فيروس كورنا للسفر وتزويرها، وفى هذه الحالة لا بد من تدخل السلطات التنفيذية لضبط المتهمين الخارجين على القانون باحتيالهم على المواطنين فى تزوير الشهادات الطبية لتحليل فيروس كورونا الخاص بالراغبين فى السفر إلى الخارج».

واستبعد أن يكون هناك أى خلل أو شبهة فى منظومة المعامل المركزية بشأن التلاعب فى نتائج الشهادات الطبية الصادرة عنها، مرجعًا ذلك إلى أن إدارة المعامل المركزية هى واحدة من أنجح وأفضل إدارات وزارة الصحة، نظرًا لوجود رقابة كبيرة بمختلف المعامل المركزية على مستوى محافظات الجمهورية.

وأكدت نانسى الجندى، مدير المعامل المركزية بوزارة الصحة والسكان، حصول المعامل على الاعتماد الدولى من المجلس الوطنى للاعتماد (EGAC) كأول معامل معتمدة فى مصر والشرق الأوسط لإجراء تحاليل الـPCR وتحاليل الأجسام المضادة لفيروس كورونا المستجد.