رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا جرى مع سيدات الإسكندرية وحقيقة البطولة المزيفة لاصطياد الإنجليز؟

ريا وسكينة
ريا وسكينة

مائة عام كاملة مرّت على أبشع الجرائم في تاريخ مصر، والتي اهتز لها الشارع السكندري، ونشرت وسائل الإعلام المصرية تفاصيل ما جرى في عروس البحر المتوسط، وعالجت الدراما التفلزيونية فصول الجريمة التي باتت تعرف بأغرب القضايا.

ففي 16 مايو 1921، أسدل الستار على أشهر قضايا القتل والإجرام والتي اشتهرت بـ«ريا وسكينة» والحكم بالإعدام على التشكيل العصابي المكون من 6 أفراد، بينهما الشقيقتين ريا وسكينة ليكونن أول سيدتين ينفذ فيهن حكم الإعدام في تاريخ القضاء المصري لما افتعلاه من جرائم لم ترتكب من قبل.

«سفاحتين» هكذا اشتهرت الشقيقتين ريا وسكينة علي همام ورغم تواجد شركاء من الرجال معهن في الجريمة، إلا أن اسمائهن هى مَن سيطرت على المشهد لعدم اقتراف سيدات مثل هذه الجرائم من قبل، والتى تسببت في خلق حالة من الذعر بالإسكندرية في ذلك الوقت، والكشف عن قتل 17 سيدة خلال عام، والتي ما زالت قصتهما تروي في منطقة اللبان حتى الآن، وتغطي صورهم وصور شركائهم وضحاياهم أحد الشوارع الرئيسية المعروف بشارع منزل ريا وسكينة.

• من الصعيد إلى الإسكندرية

لم تكن ريا وسكينة علي همام من أبناء الإسكندرية، بل نزحتا في بداية حياتهما برفقة والدتهن وشقيقهن الأكبر أبو العلا من صعيد مصر إلى مركز كفر الزيات، وعملت الشقيقتين في جمع القطن، وتزوجت «ريا» من حسب الله سعيد مرعي، وأنجبت منه طفلة تُدعى «بديعة»، ثم انتقلت سكينة مع زوجها الجديد إلى الإسكندرية لتقيم في حي اللبان 1913، ولحقتها فيما بعد شقيقتها ريّا مع أسرتها، وتطلقت سكينة من زوجها وتزوجت محمد عبد العال.
 

مع الظروف الاقتصادية التي تعرضت لها الإسكندرية في ذلك الوقت أثناء الحرب العالمية الأولى وانتشار البطالة والفقر، اتجهن للعمل في الأعمال غير المشروعة مثل تسهيل تعاطي المخدرات والخمور عن طريق إنشاء محال سرية لتلك الممارسات، وتسهيل الدعارة السرية، وتغيرت الكثير من الأحداث على الإسكندرية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ليتجها الشقيقتين إلى استدراج النساء وقتلهن بهدف الإستيلاء على مصوغاتهن الذهبية، بالاشتراك مع محمد عبد العال زوج سكينة، وحسب الله سعيد مرعي زوج ريا، واثنان آخران هما عرابي حسان وعبد الرازق يوسف.

•بداية الأحداث

يقول الدكتور إسلام عاصم، استاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر والإرشاد السياحي، نقيب المرشدين السياحيين السابق بالإسكندرية، إن جرائم «ريا وسكينة» وأحداث القصة التى هزت الإسكندرية وقعت ما بين 1919 و1920 عقب انتهاء الحرب العالمية الأولي وخروج مصر من الحرب التي أثرت بشكل كبير على عروس البحر المتوسط والتي كانت في حالة مزرية من إضرابات للعمال وانقلاب الترام، حتي أن بلدية الإسكندرية كانت لا تستطيع توفير الخبز لأهل المدينة.

أضاف عاصم لـ«الدستور» أنه مع بداية اندلاع الحرب في 1915، بدأت الإسكندرية تهجير أهالي الصعيد إلى مدنهم في الجنوب مرة أخري، بسبب الأزمة التي شهدتها المحافظة، حيث إن أكثرهم كانوا يعملون في العمران حينها وكانت توقفت مشاريع البناء بسبب أزمة الحرب، لكن حل محلهم الأجانب من المصابين والجرحي المتواجدين في قاعدة الحلفاء للإسعاف «مودروس» والتي قصفت خلال الحرب لتستقبل الإسكندرية جميع الأسري والجرحى من الشام والأتراك الذين هربوا بسبب الحرب من الشام وفلسطين وكان من بينهم يهود أيضًا، وتواجدوا جميعا في الإسكندرية وفتحوا لهم المدارس ودور الأيتام ليسكنوا بها، كما فتحت الأهالي منازلها بدون مقابل، المطاعم كانت تقدم الطعام مجانًا، حيث لم يكن هناك عمل في القطن او الجلود، بجانب إضرابات المصانع وتوقف التصدير، لافتًا أن أعمال تمهيد الارض بداية من محطة الرمل وحتى الشاطبي عملوا بها أجانب لتوفير مصدر دخل لهم.


أوضح عاصم أن الحالة الاقتصادية كانت سيئة للغاية ورغم أن «ريا وسكينة» كانوا من الجنوب لم يرحلوا إلى الصعيد مع ما تم تهجيرهم، بل سكنوا بجانب الميناء ليتمكنوا من العمل في الأعمال المنافية للأداب أو «الدعارة» والتي كان مسموح بها في تلك الفترة ولكن بصورة مرخصة، وكانت سكينة احترفت الدعارة لفترة وحصلت منها على رخصة، ولكنهم أداروا منازلهم لأعمال الفجور بطريقة سرية، وكانوا يستهدفون الأجانب في فترة الحرب لأنهم  هم الفئة التي تبحث عن ذلك في تلك الآونة.  


• انتهاء الحرب واستدراج النساء
وتابع أنه بعد انتهاء الحرب أصبح الأهالي ينفرون من الأجانب، وازداد الحس الوطني بالتزامن مع ثورة 1919، فلم يجدوا ريا وسكينة ورجالهم المادة التي كانوا يعيشون عليها، ولا يوجد عمل بعد رفض المواطنين لرؤية الإنجليز بينهم، ليبحثوا عن عمل آخر، إلا انهم رأوا في استقطاب السيدات وقتلهن وسرقة مصوغاتهن طريق سهل للحصول على المال.

وتابع ازدادت البلاغات عن اختفاء السيدات بالإسكندرية، وصار الخوف والرعب يجتاح المدينة على مدار 9 أشهر حتى انكشف أمرهن عن طريق الصدفة أثناء الحفر لإدخال المياه في أحد الغرف التي كانت تسكنها سكينة في بيت الجمال ليتم العثور على جثة سيدة بأرضية الغرفة ليكون ذلك هو بداية الخيط للإيقاع بالتشكيل العصابي والعثور على 17 جثة جميعها لسيدات تم الإبلاغ عن اختفائهن.
 

أشار إلى أن جميع السيدات كانت تربطهن علاقات جيرة أو تعارف، ولم يكونوا يستقطبوهن بهدف الدعارة، حيث إن أكثرهن تتراوح أعمارهن بين 40 و60 عامًا، وتم العثور على 17 جثة بداخل 3 منازل، اثنتين في شارع علي بك الكبير والثالثة بشارع مكاريوس، لافتًا إلى أن المنزل المتواجد حاليًا ليس أحد المنازل الشاهدة على حوادث القتل، لكن هو ما تم فيه تصوير أحداث فيلم ريا وسكينة للراحل أنور وجدي.

•مجرمتان أم مناضلتان

يؤكد استاذ التاريخ الحديث والمعاصر أن التاريخ لا يجد مبرر للتحريف فيه، والأحداث التاريخية، يكون لها مدلولات أخرى اقتصادية واجتماعية، فلا يجوز إزاحة السيئ لنضيف عمل يراه البعض جيد من وجهة نظرهم، لافتًا إلى أن التأويل بأن ريا وسكينة لم يكونا مجرمات بل كانتا مجاهدات ليس له أي شئ من الصحة، فهن أول سيدتين ينفذ فيهن حكم الإعدام، لما اقترفتاه من جرائم.
 

أشار إلى أن وراء تلك الأقاويل عمل فني أراد أحد كتاب السيناريو أن يعرضه بتلك الطريقة، والتي يمكن أن تكون رؤية فنية أو إبداعية مثل كثير من الأعمال التي تناولت قصة ريا وسكينة، لكن ذلك ليس له علاقة بالتاريخ، مؤكدًا أن وزارة الثقافة والكثير من الباحثين لديهم ملف التحقيقات في قضية «ريا وسكينة» والتي صفحاته تزيد عن 700 ورقة، ومعظم ما فيه تناوله، أيضًا، الكاتب الراحل صلاح عيسي في كتاب «رجال ريا وسكينة.. سيرة سياسية واجتماعية».
 

وأوضح أنه من آن لآخر يتم نشر أخبار تروج لهذه القصة، وكان لا بد أن نستشعر الخطر بعد أن تبنت الـBBC قصة ريا وسكية والتأكيد على أنهن بعيدتان عن الإجرام، بل كانتا تقتلان جنود الإنجليز، وهو ما يمكن أن يُسعد المصريين، لكن على الجانب الآخر لم يستشعر الكثير الخطر الذي وراء تلك القصة بعد أن قيل إن أكثر سيدتين إجرامًا في مصر قتلا وهم كانوا يقتلان الجنود الإنجليز المحتلين ليصبح المحتل في تلك الفترة ضحية من وجهة النظر البريطانية، رغم أن جنود الإنجليز كانوا يستغلون تلك الفترة في الاعتداء على النساء، وكانت تلك الأماكن مرتعًا لهم، وتداول تلك القصة هو إجراء لنفي هذه الصورة وتغيرها، وهو ما لم ينتبه إليه الكثير من المواطنين ممن فرحوا بتداول القصة المزيفة.

ولفت إلى أن ما يؤكد أن ريا وسكينة ورجالهم هم تشكيل عصابي لقتل السيدات وسرقة مصوغاتهن، وليس قتل الجنود الإنجليز، هو أنه لم يتم العثور على جثة رجل واحد وجميعهن سيدات، دفنوا جميعهن بطرق بدائية بداخل الأماكن التي كانوا يعيشون فيها، حيث احترفوا القتل ولجئوا إلى الاجرام بهدف السرقة.

ريا_وسكينة_وحسب_الله_وعبدالعال
ريا_وسكينة_وحسب_الله_وعبدالعال
 ريا وسكينة ورجالهم
ريا وسكينة ورجالهم
ريا وسكينة
ريا وسكينة
شارع علي بك الكبير
شارع علي بك الكبير
شارع محمد يوسف فخر
شارع محمد يوسف فخر

اللبان
اللبان
وثيقة اعدام رايا وسكينة
وثيقة اعدام رايا وسكينة
ريا وسكينة
ريا وسكينة
ريا وسكينة
ريا وسكينة
ريا وسكينة
ريا وسكينة
ريا وسكينة
ريا وسكينة
ريا وسكينة
ريا وسكينة