رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دينا عبد السلام تحاور إبراهيم عبد المجيد..

إبراهيم عبد المجيد: جيلنا أكثر حظًا مع النقد والجوائز من الأجيال الجديدة «حوار بين جيلين 2 ـ 3»

دينا عبد السلام
دينا عبد السلام تحاور إبراهيم عبد المجيد

في الحلقة الفائتة تحدث الروائي إبراهيم عبد المجيد عن رحلته من الإسكندرية إلى القاهرة مغرما  وشغوفا ومهموما بالكتابة والكثير مما أراده عبر الأدب، وفي هذه الحلقة يتحدث عن  الدوائر الثقافية  والشللية المنشغلة باحتكار المشهد وكيف كان يواجه ذلك، وعلاقته بالأجيال الجديدة، ورؤيته للمشهد الثقافي والإبداعي  المصري،في هذه الحلقة يفتح صاحب إسكندرية لا تنام عيوننا من جديد على عالمه من  البيت حتى أعلى نقطة وصلها في مشواره الإبداعي.

"الدستور" تفتح حوارًا بين جيلين، إبراهيم عبد المجيد بكل ما حققه من انتصارات وانتشار مصري وعربي، وجيل الشباب وتمثله الروائية والمخرجة دينا عبد السلام التي تطرح أسئلتها هنا ليجيبنا عليها الروائي إبراهيم عبد المجيد، وإلى نص الحوار..

 

- الإبداع يتطلب قدرا من الأنانية والتفرغ، هل تتفق مع ذلك؟ كيف ترى الزواج والأسرة والأبناء في هذا السياق؟ وهل تمثل الحياة الأسرية للمبدع الدفء والدعم، أم أنها التزام مادي ومعنوي يثقل كاهل المبدع ويعيق مسيرته؟

* ستندهشين حين أقول لك أن ذلك كله مرّ عليّ عادي جدا . بالنسبة للأنانية والتفرغ لم أصارع علي وظيفة وكنت مشهورا في العمل بالغياب، وكل منصب توليته في الثقافة الجماهيرية أو هيئة الكتاب  تركته بأسرع ما يمكن حين رايته سيشغلني عن الإبداع .

 في الحياة الزوجية  فمع زوجتي الأولى رحمها الله أمضيت 22 عاما ثم توفت بالسرطان اللعين . معها كتبت عشرين كتابا بين رواية وقصة ودراسات، والثانية هذا هو العام الخامس عشر لنا ومعها كتبت خمسة عشر كتابا غير مئات المقالات . كلاهما حملت عني عبء تربية الأولاد ومشاكلهم وعبء الحياة اليومية وصبرتا معي على كل ضيق وكنت أعتبر كرم الله لي هو لهما وبسببهما والحمد لله وكنا دائما متواضعين في مطالبنا فلم أجري وراء المال وهذه هي النعمة الأكبر في حياتي . 

- هناك دوائر ثقافية تحاول احتكار المشهد الثقافي لنفسها، كيف تعاملت مع براثن “الشللية” وتمكنت من تحقيق حلمك؟ ألم ينتابك الإحباط أحيانا وكيف تغلبت عليه؟

* جعلت شعاري من زمان هو أن أدخل إلى الحمام آخذ دُشّاً جميلا ومع الماء الساقط من على جسدي إلي فتحة الصرف إلي المجاري تسقط كل المؤامرات وأخرج اسمع الموسيقي الكلاسيكية واقرأ، أو أكتب .كنت أعرف أن من يحاربونني يفعلون ذلك لأن رواياتي جميلة، وصرحت مرة أني ساكتب رواية وحشة وأكتب اهداء إلى أولاد ال... علشان يرتاحوا. لكني لم أفعل ذلك طبعا وازداد غيظهم . رحم الله من مات منهم وأعطي العمر للاحياء . أما الاحباط فقد  سألتني صحفية أمريكية مرة وكنا نتحدث عن فيلم "شكسبير عاشقا" وكيف أن شكسبير كان يتخلص من ذلك بلقاء عشيقته، فقلت لها أننا نتخلص من ذلك بزجاجة بيبسي . ضحكت وكادت تموت من الضحك . الحقيقة أنا الوذ بالموسيقي فانسي كما أني أؤمن بان العالم واسع فسيح الأرجاء وشعاري أيضا الأعظم هو ماقاله مجد الدين دائما في رواية "لا أحد ينام في الاسكندرية " تبات نار تصبح رماد .. ويحلها من لا يغفل ولا ينام". 

- علاقتك بالأجيال الجديدة والشباب مليئة بالحب والعطاء، تشملهم بتوجيهاتك ونصائحك، والجميع يشهد بذلك، لن أسألك كيف استطعت أن تظل محتفظا بقدرتك على العطاء، ولكن سأسألك هل كان لهذا التواصل مع الأجيال الجديدة أثرًا على مشوارك الإبداعي؟ وهل ترى الأجيال الجديدة تقابل بصمت نقدي تجاه ما تنتج من أعمال؟

*  أفعل ذلك لأني أعرف أن العالم يمضي إلى الأمام . ما معني أن تقف في وجه غيرك فتترك ذكري سيئة بينماهو سيتقدم بك أو بدونك . عانيت من ذلك وتغلبت عليه ولم أحبه . أما التأثر فهو فقط إدراكي أنه لايزال حولي مبدعون . غير ذلك فزمن التأثر انتهي مع التقدم في العمر وكثرة ما قرأت ، ثم أني مؤمن أنه مهما تقدم العمر فلابد للكاتب أن يخرج عن المألوف موضوعا وشكلا . أعيش كاتبا في شبابي رغم العمر في جسدي . وبالنسبة للنقد والأجيال الجديدة علي العكس . الفيسبوك مليئ بالحفاوة بهم . في الجامعات دراسات عنهم . كثير منهم تترجم أعمالهم . الجوائز صارت لهم فهم الأغلبية . لكن طبعا نحن كنا أكثر حظا مع النقد لأننا لم نكن بهذا العدد الكبير . كان ستة كتاب أو سبعة يسمونهم جيل الستينات، ومثلهم يسمونهم جيل السبعينات . الآن العشرات . ان لم يكن المئات 

-  ثمة تشابه واضح بين رحلة الروائي الكبير نجيب محفوظ ورحلة إبراهيم عبد المجيد لا يتمثل فقط في الكتابة ولكن في رحلته العلمية والعملية حدثنا عن ذلك، وعن اختيارك أن تكون على مسافة مع نجيب محفوظ بعد تعرفك عليه ؟

* هذا التشابه كان ولا يزال سبب سعادتي . كلانا برج القوس . كلانا اختار قسم الفلسفة في الجامعة .كلانا لم يكمل دراساته الجامعية ليكون مدرسا بالجامعة . كلانا أحب الاختلاء بالابداع . على المستوي الفني طبعا أعرفه منذ كنت في السنة الثانية الإعدادية حين قرأت في مكتبة المدرسة رواية "كفاح طيبة" وبعدها دخلت إلى كل رواياته . علي المستوي الشخصي حين أتيت إلى القاهرة حضرت مرة أو مرتين لقاءاته بالكتاب في مقهي ريش ولم أحب صخب الكتّاب حوله فابتعدت . 

أنا مع الكبار أحب أن أسمع أكثر مما أتكلم . فعلت ذلك أيضا في لقاءاتي بيوسف ادريس ومن النقد مثل علي الراعي وشكري عياد وصلاح فضل وكذلك مع أدباء مثل أمل دنقل ونجيب سرور ويحي الطاهر عبد الله وسليمان فياض وأبو المعاطي أبو النجا وصبري موسي وغيرهم فأحبوني . حين فزت بجائزة نجيب محفوظ عام 1996 من الجامعة الأمريكية طلب لقائي في منزله وذهب وكان أجمل لقاء . خرج لي يستقبلني في الطريق إلي الباب الخارجي للعمارة يرتدي الروب بعد أن أخبره أمين الشرطة بوجودي لأن الحراسة كات عليه بعد الحادث البشع لمحاولة اغتياله وهو يقول لي " أهلا ياأستاذنا" فنزلت دموعي . ظل حتي توفي يقول عني في حواراته مالم يقله على أحد من ثناء ولم أتاجر بذلك . اكتفيت بعد ذلك بزيارته في البيت مرة كل عام تقريبا لأني لم أحب صخب الجالسين حوله . هكذا كان ابتعادي . كانت جلستي معه في بيته وحدنا بعشرين جلسة مع الآخرين حوله . 

 

طول الوقت عرف عنك أنك على مسافة مع السلطة الثقافية، وعلى عكس نجيب محفوظ تماما في  اعطاء أهمية للوظيفة وترى أن بوصفك مبدع هو الأبقى من أية وظيفة.. هل تذكر لنا المعارك التى دخلتها على إثر تلك الأفكار المتعلقة بذلك؟

* زمن نجيب محفوظ كان مختلفا. لم يكن يستطيع الغياب ويستمر في الوظيفة .. لم تكن هناك مصادر للدخل من صحافة خارجية. حتي ما جاءه من السينما جاء متاخرا . زمننا أكثر انفتاحا . ماكنت أحصل عليه من الصحف والمجلات العربية كان ضعف راتبي الرسمي . علاقتي بوزارة الثقافة لم تتأثر بوظيفتي . كنت انتقد اخطاءها وأثني على إيجابياتها ولم أكن ككثيرين ينتقدونها للفوز بالمكاسب المادية .  في عملي بالثقافة الجماهيرية حين كنت أرى مؤامرات ضدي كنت أترك العمل في إجازة أو تفرغ أو ندبا لهيئة الكتاب ولم أضيع الوقت . كان الاحترام كبيرا بيني وبين سمير سرحان حين عملت معه وبيني وبين فاروق حسني . كنت مثلا مع فاروق حسني في معركة رواية وليمة لأعشاب البحر ولم أكن معه مثلا في معركة الثلاث روايات لكنه لم يبدي لي أيّ غضب . علي العكس كان يحترمني جدا لأنه يعرف أني لا أبتزّ أحدا من أجل شيئ . كلاهما كان أكبر من كل خلافات. في كتابي "الأيام الحلوة "الكثير جدا من هذه الأيام التي كانت جميلة. لقد افتقدنا هؤلاء الكبار . سمير سرحان وفاروق حسني كان الجميع متساوون عندهم . الأعداء والأصدقاء . وللأسف معظم الأعداء كانوا مبتزين من أجل مناصب أو مال. هم لم يقولوا ذلك لكني رأيته. كثير من ذلك كتبته في كتابي " الأيام الحلوة فقط" وفعلت مثلهما ولم أذكر الأسماء لكن من عاش هذه الفترة يعرفهم.

- أخيرا كيف ترى المشهد الإبداعي العربي الآن؟ وكيف تنظر إلى بعض التنظيرات السلبية للمشهد الإبداعي المصري بأنه يتم سحب البساط تدريجيا من مصر الإبداعية لصالح عواصم ثقافية أخرى؟

* المشهد الإبداعي صاخب بالرواية والعالم العربي مليء بالكتّاب الآن.. دولتنا هي المقصرة فكل الجوائز الكبرى عربية والمؤتمرات العربية في الثقافة كثيرة جدا قياسا على مصر التي تقيم مؤتمرا كل عام للرواية أو الشعر بالتناوب . لذلك من الطبيعي أن يبدأ سحب البساط تدريجيا من مصر الإبداعية “شيء مؤسف”.