رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أنور وجدى.. الفتى الأول

14 مايو ٢٠٢١، الذكرى السادسة والستون لرحيل «أنور وجدى»، حيث رحل فى مثل هذا اليوم عام ١٩٥٥م، وكان يوافق ٢٣ رمضان ١٣٧٦هـ، ولم يكمل عامه الواحد والخمسين، حيث ولد فى ١١ أكتوبر ١٩٠٤م.

إلى أغلب الممثلين الذين يتنجمون علينا ويفرضون عدم مواهبهم وثقل دمهم وتقليدهم الغير، وربما يحصدون إيرادات عالية فى أفلام الأعياد ويحظون بمشاهدة كبيرة فى رمضان، ويغترون ويتغطرسون ويسكنون الفيلات الفاخرة ولا يضيفون شيئًا إلى الفن المصرى الراقى، إليهم جميعًا أقول: «اتفرجوا على أنور وجدى عشان تعرفوا يعنى إيه تمثيل وفن وخفة روح ووسامة ورسالة ممتعة ثرية متنوعة».

الكتابة عن «أنور وجدى» صعبة، لأنه فنان صعب، كان بالضبط فنجان القهوة «المضبوط»، الذى تحتاجه السينما المصرية فى أربعينيات القرن الماضى لكى تعدل مزاجها المتعكر.. ونقصد الموهبة، الجسارة، خفة الدم، الابتكار، التجديد، الوسامة، المغامرة، المعافرة، فورة الشباب، الدأب، الذكاء، الثقافة، الطموح غير المحدود، الكاريزما الطاغية، الشغف بالغناء والموسيقى والاستعراض والرقص.

من كومبارس صامت على خشبة المسرح، وأدوار صغيرة قانعة بالقسمة على شاشة السينما إلى البطولة المطلقة والنجومية التى لا ينافسه فيها أحد والتى تدهش زملاءه وجمهوره الذى تقبله وصفق له وتوجه بألقاب مثل: «الفتى الأول»، «الشرير خفيف الظل»، «الشاب المستهتر الطيب»، «معشوق النساء»، «عاشق المطربات»، «شارلى شابلن المصرى»، بعد أفلامه مع الطفلة فيروز.

مع «ليلى مراد» صنع الثنائى الجميل الذى أنتج لنا مجموعة من الأفلام الغنائية الاستعراضية الفاخرة وسلسلة الأفلام الممتعة التى حملت اسم «ليلى» فى البعض منها، والموهبة الفذة للطفلة «فيروز»، هل كان بالإمكان أن تجد فرصتها النادرة فى الإنتاج الثرى إلا مع فنان له شخصية «أنور وجدى»؟، وكان حريصًا على تخصيص مساحة من أفلامه لإسماعيل يس ومحمود شكوكو، بعد أن لمس موهبتيهما الفريدتين واستحسان الناس لهما فى الكوميديا والمونولوج.

رغم عمره القصير فإن «أنور وجدى» ترك لنا كنوزًا إبداعية متفردة تقدر بسبعين فيلمًا بين التمثيل والتأليف والإخراج والإنتاج، وكلها تتناول مشكلات اجتماعية وقضايا ثقافية نشهدها حتى اليوم، فيلم واحد منها بعشرات ومئات الأفلام التى مرت بعده وليست إلا خسارة فى الذوق وخسارة فى الفلوس وخسارة فى الوقت.

وهذا الإبداع الناضج وصل إلى ذروته فى فيلم «أمير الانتقام»، عام ١٩٥٠، إخراج هنرى بركات، عن قصة الكونت دى مونت كريستو، للأديب الفرنسى ألكسندر دوماس، هو الأمير الثرى الكريم العاشق الرومانسى وهو أيضًا المنتقم الجبار الذى يخطط لإبادة منْ أودعوه السجن ظلمًا لمدة عشرين عامًا.

ولا أعتقد أن هناك منْ يستطيع تأدية دور «حسن الهلالى» بالجدارة والحلاوة والتمكن والإقناع، مثل الأمير «أنور وجدى»، هذا الفيلم احتل المركز التاسع فى قائمة أفضل ١٠٠ فيلم مصرى من بداية السينما فى ١٨٩٦ حتى ١٩٩٦، ولا ننسى أفلامه الأخرى التى دخلت هذه القائمة مثل التحف العبقرية «غزل البنات، ريا وسكينة، العزيمة، غرام وانتقام، الوحش».

ولا ننسى فيلمه الرائع فى مضمونه وشكله «أربعة بنات وضابط»، كتب قصته والحوار والسيناريو، وشاركه فيه أبوالسعود الإبيارى، ومن بطولته وإخراجه وإنتاجه مع نعيمة عاكف، عواطف يوسف، رجاء يوسف، لبلبة، أمينة رزق، نجمة إبراهيم، ووضع موسيقاه النابغة منير مراد، فيلم يصور مأساة البنات المقهورات فى الإصلاحية، ويؤكد التزام «أنور وجدى» بالاشتباك مع أخطر قضايا المجتمع خاصة الفتيات.

فى فيلم «غزل البنات» ١٩٤٩، لم يكن باستطاعة أى فنان آخر أو منتج آخر إلا «أنور وجدى» أن يجمع كل نجوم السينما حينذاك لمشاركة الريحانى.

«أنور وجدى» الفنان الوحيد الذى قام بالبطولة أمام أشهر وأهم مطربات العصر حينئذ، أسمهان، ليلى مراد، أم كلثوم.

مات «أنور وجدى» فى استوكهولم بالسويد، بعد محاولاته المضنية لاكتشاف علاج لمرضه الموروث، لكن مثله لا يموت فهو فى تاريخنا السينمائى «الأنور».

من بستان قصائدى

كل الذين يجعلون حياتى.. ممكنة.. مريحة.. سعيدة

نساء ورجال من الأموات

أليس إذن.. الجزع من الموت

وأن أخاف منه.. هو كبرى الحماقات؟