رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفلوس

الفلوس ممكن تشتري السرير، لكن ما تشتريش "النوم". تشتري الشقة، لكن ما تشتريش "البيت". تشتري الطب، لكن ما تشتريش "الصحة". تشتري الساعة، لكن ما تشتريش "الوقت". تشتري البطاطس، لكن ما تشتريش "الكاتشب". إلخ إلخ إلخ
هذه الجملة البليغة المنتشرة، هي نموذج رفيع لـ الحكمة، الحكمة اللي هي في العموم، ومن حيث المبدأ، بلح. بلح، إذا تعاملت معاها بـ اعتبارها "قواعد حاكمة" لـ الحياة، أو قوانين طبيعية، أو ناموس لـ هذا الكون المتسع.
الحكمة، هي عبارة موجزة بليغة تلخص فكرة ما، أو تجربة يكثر المرور بها، فـ ممكن نستدعيها لما نكون عايزين نقول نفس الفكرة، أو نسرد تجربة شبيهة، بدال ما نقول كلام كتير. 
إنما لـ إنها شديدة الإيجاز، فـ هي مخلة. لا تغطي الجوانب المختلفة لـ الفكرة أو التجربة، ولا تكشف سياقها وشروطها، بـ التالي، لا يمكنها أن تكون بديلا عن شرح الأفكار وسرد التجارب.
خلينا في قصة السرير والنوم، مشكلتي في هذه "الحكمة"، هي إنها بـ تهدر المفاهيم التلاتة: الفلوس/ السرير/ النوم. أو أي حاجتين ممكن نحطهم مكان السرير والنوم، زي الشقة والبيت، الطب والصحة، الساعة والوقت، إلخ إلخ
لو بصينا لـ الفلوس، فـ هي أساسا حاجة وهمية مالهاش أي وجود، مفيش حاجة اسمها "الفلوس"، إنما دا تعبير رقمي مجازي، يدل على نقاط معينة (زي نقاط الدوري العام كدا)نستخدمهالـ قياس "قيمة" الأشياء.
أنا عايز علبة بسكوت لـ الأولاد، رحت المكان المتوافرة فيه، فـ عشان أحصل عليها، لازم أقدم "مقابل" لها، المقابل دا هو عدد معين من النقاط، اتفقنا نسمي النقطة جنيه، والعلبة دي (الآن وهنا) بـ عشر نقاط، فـ أنا بـ أدي له ورقة ملونة، مالهاش أي قيمة في حد ذاتها، بس اتفقناإنها تساوي عشر نقاط.
بل إننا حاليابـ نستغنى حتى عن الورق الملون، وبـ نتداول النقاط دي رقميا، بـ المعنى الحرفي لـ الكلمة.
كل إنسان مننابـ يمتلك عدد معين من النقاط، حر التصرف فيه، من أول اللي رصيده بـ السالب، لـ حد أبو 100 مليار دولار. هـ نسيب دلوقتيالمعيار اللي بـ يتحدد عليهحجم ما تمتلكه من نقاط، وخلينا في الفكرة نفسها.
"الحكمة" المذكورة أعلاه، كما أفهمها، ترسم حدودا لـ قدرة هذه النقاط مهما كثرت، وتفترضأن هذه القدرةتقتصر على "الوسائل"، لكنها تعجز عن تحقيق "الغايات"، أو يمكنك بها امتلاك "المظهر"، دون القدرة على جلب "الجوهر"، وهنا فيه مشكلتين:
الأولى، هو تقسيم الأمور إلى وسائل وغايات، أو مظهر وجوهر. التانية، افتراض وجود "حدود" واضحةلـ قدرة ما نمتلكه من نقاط، بـ غض البصرالحدود دي بـ تبدأ فين وتنتهي فين. 
مين قالإنه السرير منفصل عن النوم؟النومهو عملية بيولوجية تمثل احتياجا أساسيا لـ الإنسان، فـ إذا امتنعت أو اختلت، فـ الخلل ينتقل لـ الإنسان نفسه، وقد يؤدي إلى الانهيار أو الموت.
هذه العملية البيولوجيةتستلزم أمورا كثيرة، منها وعلى رأسها السرير، ما هو لو حضرتكلا تمتلك سريرا، مش هـ تنام بـ طريقة طبيعية تخلي النوم مفيد ليك، وكل ما كان السرير مريح، بـ يزود قدرتك على النوم.
صحيح فيه عشرميت حاجة غير السريرزي صحة الجسد نفسه، عضويا وذهنيا ونفسيا، إنما "النوم" في النهايةهو محصلة كل الأمور دي، مفيش كيان مستقل اسمه النوم، ماهوش حاجة ميتافيزيقية مطلقة.
حاليافيه مراكز طبية متخصصة فقط في "النوم"وما يرتبط به من مشاكل(سبق لي التعامل معها)وبـ تعمل تحليلات دقيقة لـ كل حاجة، ولو فيه مشكلة، بـ تحاول تعرف هي فينوتعالجها.
آلاف آلاف من البشراتعالجوا في هذه المراكز، وبقوا يناموا بـ صورة أفضل، وربما بـ صورة مثلى، يعني حرفيا مش مجازا "اشتروا النوم"، ودا كلفهم عددا لا بأس بهمن النقاط اللي بـ يمتلكوها. 
هذا العدد لا يتوفر لـ عشرات الملايين من البشر، ممكن يكون عند كتير منهمنفس المشكلة، وما قدروش يحلوها، بـ سبب محدودية نقاطهم، بـ التالي، مفيش فصل خالص، بين السرير والنوم، الشقة والبيت، الطب والصحة. 
كل حاجة من دول، هي المحصلة النهائيةلـ مجموعة من الظروف والعواملوعشان توفر كل ظرف، وكل عامل، لازم تقدم له مقابل، والمقابل دا بـ يتقاس بـ نقاط، بـ نسميها جنيهات/ دولارات/ يوروهات، وقد تمتلك هذا النقاط، وقد لا تمتلكها.
أيوه، يعني الخلاصة: الفلوس تقدر تشتري أي حاجة وكل حاجة؟لا، مين قال كدا؟نهائي، إنما الصورة مش كدا، الصورة إنها حاجة من حاجات كتير، وزي ما دايما بـ نقول: كل حاجة وليها إيه؟ مظبوط، كل حاجة وليها حاجة.