رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الهواء القاتل

كارثة لنقل فيروس كورونا: احذروا مجففات الأيدي في الحمامات العامة

جهاز تجفيف الأيدي
جهاز تجفيف الأيدي

جدل كبير انتشر على مواقع التواصل خلال الفترة الأخيرة حول احتمالية انتقال الميكروبات والفيروسات عبر أجهزة تجفيف الأيدي بالهواء الساخن داخل المراحيض والأماكن العامة، واختلفت الآراء حينها بين مؤيد للفكرة ومعارض، لكن الدراسات والأبحاث التي أجريت عن الأمر كانت لها رأي آخر.
 

قد تشعر بالانزعاج الشديد إذ كنت أحد الأشخاص الذين يترددون على الحمامات العامة بشكل متواصل، وتستخدم أجهزة تجفيف الأيدي، فالدراسة التي أجراها باحثون في جامعة كونيتيكت وجامعة كوينيبياك كشفت اشتباه هذه الأجهزة في امتصاص البكتيريا من الهواء ونقلها لأيدي الوافدين المغسولة حديثًا.

لاختبار هذه النظرية، عرّض العلماء أطباق عملية لهواء الحمام في ظروف مختلفة وأعادوها إلى مختبر الأحياء الدقيقة للبحث عن نمو البكتيريا، بعد تركها للهواء الساخن من مجفف الأيدي في الحمام لمدة 30 ثانية، اكتشفوا نمو البكتيريا إلى 254 مستعمرة من البكتيريا، ليراود أذهانهم سؤال واحد: هل كانت البكتيريا تتكاثر داخل مجففات الأيدي، أم تم سحبها إلى مجففات الأيدي من الهواء داخل الحمام؟

من أجل الإجابة على هذا السؤال، قام الباحثون بإرفاق مرشحات هواء جسيمات عالية الكفاءة داخل أجهزة التجفيف، والتي من شأنها القضاء على معظم البكتيريا من الهواء الذي يمر عبر المجفف، وحين عندما عرّضوا الأطباق المعملية للهواء من مجففات الأيدي مرة أخرى، انخفضت كمية البكتيريا في الأطباق بنسبة 75٪. كذلك، ووجدوا كميات قليلة من البكتيريا على سطح مجففات الأيدي، وخلصوا إلى أن معظم البقع البكتيرية من مجففات الأيدي جاءت من هواء الحمام.

"الدستور" بحثت حول الظاهرة بدايةً من الحصول على الدراسات والأبحاث التي أجريت في هذا الشأن، وصولًا إلى الحديث مع المتخصصين الذين كشفوا حقيقة تسرب الميكروبات والفيروسات عبر أجهزة تجفيف الأيدي داخل الحمامات، ومدى احتمالية نقلها لفيروس كورونا في الوقت الراهن.

عامل صيانة: لا نعلم آليات الوقاية منها.. وصيانتها أكثر صعوبة
قبل التطرق للحديث مع المختصين والأطباء، تواصلنا مع محمد الزغبي، أحد عمال صيانة الأجهزة الكهربائية، الذي يعتاد على تركيب وتشغيل أجهزة تجفيف الأيدي داخل المولات والأماكن العامة بحكم عمله، ليوضح لنا آليات الوقاية من استخدام أجهزة تجفيف الأيدي بالهواء الساخن: معلقًا في البداية: "معرفش عنها حاجة، أنا بشغل الجهاز بس".

استكمل العامل حديثه، مؤكدًا اختلاف أنواع هذه الأجهزة من حيث نوع التنفيذ أولًا، فهناك أجهزة مفتوحة تعتمد على معيارها، وأجهزة مغلقة يجب تركيبها في غرف خاصة، فهي أكثر الأنواع المكلفة، وكذلك صيانتها تكون معقدة للغاية، أما عن درجة الأمان: "الأجهزة الأوتماتيك تعتبر أكثر أمانًا، كونها محمية من الحرارة الزائدة وإهدار الكهرباء."

كما تحدث عن أكثر الأنواع انتشارًا في بيعها داخل الأمكان التي تشهد حشودًا كبيرة من المواطنين، وهي المجففات الفولاذية والتي تتمتع بمقاومة متزايدة للضرر الميكانيكي، وتكون مصممة لفترة خدمة طويلة، لكن الطرق التي يجب اتباعها عند التركيب تكمن في تركيب الجهاز على مسافة 50 سم على الأقل من حافة الحوض لتجنب البقع أثناء غسل اليدين، كما يجب أن يكون الارتفاع من الأرض 120 سم على الأقل.

أما عن عيوب أجهزة تجفيف الأيدي، قال: "تحتاج إلى صيانة دقيقة وتنظيف متواصل، ويجرى هذا الأمر من قبل الفنيين المؤهلين فقط للتعامل معها، من خلال استخدام التيار الكهربائي، لكن يحظر نهائيًا استخدام المواد الكاشطة أو رش الماء على المجفف أثناء التشغيل والتنظيف، فعملية التنظيف تتم مرة واحدة في الشهر على الأقل، ومنها مسح الأسطح من الغبار والميكروبات، ومراقبة درجة نقاء عدسة المستشعر، وشبك القناة والمأوى".
 

مدرب زمالة مكافحة العدوى:حذرنا منه كثيرًا

وجهتنا التالية للتحقق من الأمر، كانت بالتواصل مع الدكتورة سوزي مسعود، مدرب زمالة مكافحة العدوى بمستشفى الزاوية العام، التي أشارت لـ"الدستور"، إلى أن استخدام أجهزة تجفيف الأيدي داخل المراحيض قد تتسبب في الإصابة بعدوى فيروس كورونا، مؤكدة تحذيراتها المستمرة طوال الوقت الماضي من هذا الأمر تحديدًا، وقبل انتشار الوباء، فقد كانت السيدة تتابع جيدًا الدراسات العلمية التي أوضحت أن تركيب المجفف بالمراحيض يعد أحد الأسباب الرئيسية في انتشار البكتيريا، التي يحملها هذا المكان بطبيعته.

 أضافت: "عند غسل شخص ما يديه بالماء والصابون، فإنه من المستحيل علمياً القضاء على 100% من الجراثيم المتكونة على سطح يده، وفي حال استخدم هذا الشخص المجفف، يعد ذلك سببًا واضحًا في انتشار بقايا هذه البكتيريا في المكان المحيط، ومع الاستخدام المتكرر لهذا المجفف فذلك يعني تراكم كم هائل من الميكروبات، التي تتطاير هنا وهناك، وتهدد الكثيرين بالعدوى..

نوهت سوزان إلى أن المرحاض هو بالطبع أحد الأماكن الرئيسية لانتقال فيروس كورونا، والعدوى من خلاله بسهولة، مستدلة على ذلك بالصين، التي تستخدم المسحات الشرجية لإثبات الإصابة بالوباء، لذا وجهت نصيحتها عبر "الدستور" بتحنب استخدام أجهزة تجفيف الأيدي، التي تساعد بشدة في تنقل هذا التيار المعبأ بالجراثيم.

استشاري بحميات العباسية: "الميكانزم" الخاصة به تساعد في نشر الفيروسات  

لم يختلف رأي الدكتور عثمان السوداني، الاستشاري بحميات العباسية الذي أوضح أن جهاز تجفيف الأيدي لا يتسبب في نشر الهواء الملوث، فقط، بل يمتد الأمر ليشمل مساعدته في نمو البكتيريا والميكروبات بداخله، بسبب درجة الحرارة التي يوفرها. 

أضاف في حديثه أن تواجد مجفف الأيدي داخل المرحاض وهو المكان الذي يتجمع فيه العديد من المخلفات، يعني فرصة سانحة لنقل الفيروسات، وذلك بسبب " الميكانزم" التي يعمل بها هذا الجهاز، موضحاً أنه يقوم بدفع تيار شديد من الهواء، ونشر رذاذه لمسافة تصل إلى 3 أمتار.

أشار عثمان إلى أنه حال عدم قيام أحد الحاملين لفيروس كورونا بغسل يده بالماء والصابون جيداً ثم يسارع باستخدم الجهاز مباشرة فذلك يتسبب في انتشار الفيروس داخل المنطقة المحيطة والتصاقه بالأسطح أياً كانت:"قد تلتصق بملابس شخص أخر بجوار مستخدم الجهاز، أو بالحائط أو غيره من الأماكن المحيطة"، وهو الأمر الذي قد ينتج عنه الإصابة بعدوى المرض فورًا: "حتى في حال غسيل مستخدم جهاز المجفف ليديه جيداً، فقد يكون أحد مصابي الفيروس قد بصق في حوض المرحاض، وظلت آثار بقايا هذا البصق كائنة على الحوض، فمع استخدام المجفف يتقلب في الهواء آثار هذا البصق ليلتصق بشخص أو سطح آخر، مما يتسبب أيضًا في الإصابة بالعدوى"، بحسب الطبيب.
 

اختتم الاستشاري بحميات العباسية حديثه محذرًا من ضرورة الابتعاد عن استخدام أجهزة تجفيف الأيدي داخل الأماكن العامة، في هذا الوقت تحديدًا، الذي يشهد انتشار وباء قاتل تضررت منه جميع دول العالم، ويفضل استبداله بالمناديل الورقية، حرصاً على الثغرات التي قد ينفذ منها إلينا هذا المرض.

استشاري مناعة: هناك شروط واضحة لتركيبه واستخدامه

الدكتورة نهلة عبد الوهاب، استشاري البكتيريا والمناعة والتغذية العلاجية بمستشفى جامعة القاهرة، كان لها رأي آخر مختلف موضحة لـ"الدستور"، أنه لا مانع من تركيب أجهزة تجفيف الأيدي داخل الأماكن العامة، لكن بشرط تنظيف وتعقيم الجهاز من قبل شركة الصيانة المتعهدة بتركيبه وتزويده بفلاتر ذات جودة عالية تُنزع باستمرار لتنظيفها.

لكنها في الوقت ذاته، أكدت نهلة أن استخدام المناديل الورقية والتخلص منها بعدم الاستخدام مباشرة عن طريق إلقاؤها في كيس بلاستيك، وإحكام غلقه يعد هو الأفضل، والأكثر أمانًا من استخدام أجهزة تجفيف الأيدي، مضيفة أن الأهم من كل ذلك هو الحرص الدائم على نظافة المراحيض بطريقة جيدة للغاية، وتعقيمها بالمواد المطهرة طوال الوقت، وهو الأمر الذي يقلل من احتمالية فرص انتشار العدوى في حالة استخدام أجهزة تجفيف الأيدي، وهي مسئولية تامة تقع على عاتق العمال الفنيين التابعين للشركة المنفذة لتركيب وتشغيل الأجهزة داخل الأماكن العامة.

طبيب عزل: مجفف اليدين خطر خفي لا يستهان به
وقال الدكتور أحمد التهامي، طبيب القلب والعناية المركزة بمستشفى الشروق العام، الذي بدأ حديثه محذرًا من خطر استخدام أجهزة تجفيف الأيدي: "هذا الجهاز يسحب الهواء من أكثر مكان ينتشر فيه البكتيريا والفيروسات، وهو دورات المياه داخل المقاهي والمطاعم والأماكن العامة، فهي أكثر الأماكن المعرضة لانتقال فيروس كورونا".

وأوضح الطبيب أن طريقة انتقال الفيروس عبر أجهزة تجفيف الأيدي، مشيرًا إلى اندفاع الهواء من الجهاز إلى الأيدي مباشرة، بعد استخدامه من قبل الوافدين علي المراحيض العامة، وهذا خطر لا يستهان به، وثغرة تساعد على انتشار فيروس كورونا بين المواطنين.
 

وتابع "كل ما يتلامس مع الأيدي من دوره نقل فيروس كورونا، وهذه المجففات تتعامل مع الأيدي فقط، فبالتأكيد تساعد على نقل الفيروس، و تساعد على نقل هواء غير متجدد مباشر على الأيدي، بالتالي يلتصق بها الفيروس"، عبر الطبيب عن عرضة الخطر الناتجة عن استخدام الأجهزة المختلفة داخل الأماكن العامة، والتي لا يعلم المواطنون كيفية التعامل معها في الوقت الحالي، لذا اختار أن يوجه ارشاداته عبر "الدستور".

"لا نثق سوى في المياه الجارية والمعقمات، فلا داعي للزياده أو النقصان، حتى لا نساهم في انتشار المرض دون أي دراية منا، أو تعرض أنفسنا للخطر من خلال جهاز غير أساسي في حياتنا، وعدم وجود لن يؤثر في الفترة الحالية، وإن كان يشكل خطراً بنسبة 1%، فعلينا تجنبه بشكل قطعي"، بحسب " تهامي".
 

اختتم الطبيب حديثه، موجه نصيحته للوافدين على الأماكن العامة، والذين يضطرون لاستخدام المراحيض بها، بالابتعاد الفوري عن استخدام أجهزة تجفيف الأيدي، واستبدالها بالمناديل الورقية، والتخلص منها في الوقت ذاته، للحفاظ على سلامتنا الصحية في ظل الوباء المنتشر.
 

طوارئ قصر العيني: الأماكن السياحية تشهد خطرًا داهمًا بسبب هذه الأجهزة
 

"لا نستطيع التثبت من أن أجهزة تجفيف الأيدي هي السبب الرئيسي في ارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا، لكن من المؤكد أنه أحد أسباب انتقال المرض"، ذلك ما قاله الدكتور أحمد عبدالعزيز، رئيس قسم الطوارئ بمستشفى قصر العيني، مؤكدًا أن المراحيض العامة هى أكثر الأماكن التي تشهد تنقل الفيروس بها، بسبب استخدامها المتواصل من قبل المواطنين.

وحذر الطبيب في حديثه مع "الدستور" من التهاون في استخدام مثل تلك الأشياء في الوقت الذي تشهده البلاد، من تحور وتنقل فيروس شديد الخطورة، لذا يجب الالتزام بتطبيق جميع الاجراءات الاحترازية، التي نصت بها منظمة الصحة العالمية للتعامل الآمن مع الوباء، وعلى رأسها منع استخدام المعدات والأجهزة التي تتواجد في الأماكن العامة، وقابلة للاستخدام من مواطنين عدة، كي نحافظ على الحد من انتشار المرض.
 

أشار عبد العزيز إلى المسؤولية التي تقع على ملاك المطاعم والأماكن العامة كافة، والتي تتواجد بها أجهزة تجفيف الأيدي، فيجب عليهم تعطيلها بشكل نهائي خلال وقتنا هذا، للتأكد من عدم استخدامها من قبل الوافدين عليهم أو العاملين بالمكان، وهذا بالطبع يجب إقراره عن طريق بيان واضح من وزارة الصحة، التي تسعى جاهدة طوال الوقت للحد من تضاعف الأعداد، واحتواء الأزمة للحفاظ على أرواح المواطنين.

"وسائل الإعلام أيضًا عليها دور فعال في تنبيه المواطنين من خطورة استخدام أجهزة تجفيف الأيدي داخل الأماكن العامة"، استكمل الطبيب منوهًا إلى أبعاد استخدام هذه الأجهزة، التي تنتشر بكثرة في الأماكن السياحية، ما يساهم في نشر المرض بطريقة أكبر، ومن هنا تأتي أزمة عدم تأمين السياحة خلال فترة الوباء، لذا علينا إغلاق جميع الأبواب التي تأتينا منها الرياح.

واختتم الطبيب حديثه قائلاً: “على كل مواطن معرفة مسؤولياته جيدًا، والالتزام بها، خاصة أصحاب الأماكن التجارية كي نعبر الأزمة بسلام، فالعبور منها مسؤولية مجتمعية”، مطالبًا المصريين بضرورة الحفاظ على تنفيذ جميع آليات الوقاية من المرض، ويمكن استبدال هذه الأجهزة بالمناديل الورقية التي تستخدم من قبل شخص واحد فقط.