رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حوار بين جيلين (3/1)

الروائي إبراهيم عبد المجيد: أحب أن أكون وسط الصخب لذا كانت القاهرة وجهتي

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد والروائية المخرجة دينا عبد السلام

• وجدت في الأساطير واقعًا ملموسًا وفي الماركسية تفسيرًا للسياسة

• الأدب يُعنَى بالغياب أكثر من الحضور.. ووجدت إهمالاً من نقاد الستينات ولم أهتم 

• في مقالاتي أفهم ما حولي وفي قصصي ألوذ بالاغتراب.. 

• لا بد للكاتب أن يخرج عن المألوف شكلاً وموضوعًا مهما تقدم به العمر

إبراهيم عبد المجيد الكاتب الوحشي، الخارج على كل أسوار الحظائر، غالبًا ما تجده يعلن غضبه وسخطه، وبتبع ذلك طرح حلوله، كاتب لا يعرف المهادنة ولا أنصاف الحلول، جاء من قلب الإسكندرية ليقطن القاهرة ويكون أحد أقطاب الرواية العربية.

على حد تعبيره، لم ينس أن يكون في طريقة فشل عظيم، نجح في أن يصنع نجاحًا عظيمًا فقد أخذ الإسكندرية معه بكل ملامحها وتفاصيلها وتاريخها لتكون أحد أسباب ذلك النجاح، هو بطبيعة الحال كاتب متمرد على فكرة القوالب والأجناس الإبداعية الثابتة، فهو يكتب الرواية والقصة والسيناريو والمقال والبوست والتويتة بلغة خارج إطار ما هو عادي ومألوف.

"الدستور" تفتح حوارًا بين جيلين، إبراهيم عبد المجيد بكل ما حققه من انتصارات وانتشار مصري وعربي، وجيل الشباب وتمثله الروائية والمخرجة دينا عبد السلام التي تطرح أسئلتها هنا ليجيبنا عليها الروائي إبراهيم عبد المجيد. 

في البدء تقول الكاتبة والمخرجة دينا عبد السلام لم ترهقني فكرة وضع أسئلة للمبدع إبراهيم عبد المجيد، فجميع الأسئلة سبق وأن طرحتها عليه في كثير من نقاشاتنا حول الفن والأدب اعتبره سندي الأكبر في مجال الإبداع، شملني بعطائه منذ البداية، آمن بموهبتي، وكان دائمًا ما يحفزني على متابعة الطريق رغم العثرات، يبدو لي أن دمائنا السكندرية كانت الرابط الخفي لتلك المجايلة المبنية على الحوار والتواصل المعرفي البناء، وإلى نص الحوار. 

◘ حين قررت أن تصبح كاتبًا كان الاستقرار في القاهرة هو الاختيار فهى العاصمة ومركز الحياة الثقافية.. هل مازلت ترى هذا القرار حتميًا لكل مبدع سكندري يريد أن يثبت وجوده على الساحة الثقافية؟ وكيف ظلت عروس البحر المتوسط حاضرة في أعمالك رغم مرور 40 عامًا بالقاهرة؟

*  في زماننا لم يكن البريد يصل في موعده، ولم تكن التليفونات العادية تعمل بسهولة، ولم تكن هناك غير الصحف والمجلات تصدر من القاهرة، لم يكن هناك إنترنت ولا حتي فاكس ومسؤول أيّ صحيفة أو مجلة ترسل إليها قصة أو مقال لن يرد عليك بخطاب أنه استلم الرسالة مثلاً، فضلاً عن أني كنت مختلطا بالسياسيين وكانت القاهرة فيها الفرصة الأكبر للمعارضة واللقاء بالمشاهير. 

الإسكندرية كانت أجمل مما هى عليه، الآن، حقا وكانت تبعث على الراحة والهدوء أو كما قلت لاصحابي من الكتاب "نحن ننتهي من الندوة في قصر ثقافة الحرية – الإبداع الآن- ونذهب إلى المقهي نلعب طاولة ونأكل ساندوتشات من محمد أحمد ونعود إلي بيوتنا سعداء.

في القاهرة فرصة أكبر للنجاح كما أن هناك أيضًا فرصة للفشل حقا، لكني أحب أن أكون وسط الصخب، بينما هنا ممكن أن أرتاح للفشل والهدوء"، أما كيف ولماذا ظلت الإسكندرية حاضرة في أعمالي فكما يقول المثل: "العلم في الصغر مثل النقش في الحجر". 

ما رأيته من مدينة للعالم تتحول لمدينة محلية بعد خروج الأجانب ثم مدينة سلفية وهابية لم يكن يمكن أن يمرّ، ثم عشت في هوامشها أكثر والهوامش هي أم الحكايات، الأدب يُعنَى بالغياب أكثر مما يعني بالحضور،  لذلك مشت المدينة معي. 

◘ كثير من الكتاب لا يستطيعون التخلي عن سلطتهم الأبوية على أعمالهم حين يتم تحويلها لأفلام أو مسلسلات.. كيف تعاملت مع أعمالك بعد أن تم تحويلها لوسيط مختلف؟

* أنا من المؤمنين أن الأدب برتقالة مثلا والسينما أو المسلسلات تفاحة أو العكس أعجبني هذا التعبير لكاتب أمريكي نسيت اسمه قرأته له منذ 40 سنة الاثنان فاكهة لكن منتجها مختلف، الأدب فعل فردي والسينما أو المسلسلات فعل جماعي الأدب لغة والسينما صورة.

من الممكن أن يكتب الأديب صفحات عن مشاعر الحزن عند شخصية ما، بينما يكتفي المخرج بلقطة واحدة قريبة على وجه الشخصية من الممكن أن تتعدد الشخصيات في الرواية يجمعها السيناريست في شخصيتين أو أكثر، الفيلم أو المسلسل عمل المخرج والرواية عمل المؤلف. 

في بلادنا يمكن جدا في رواية أن أكتب عن لقاء بين البطل والبطلة في المطار، بينما يمكن أن يجد المنتج أن التصوير في المطار سيكلفه كثيرا جدا فالساعة في التصوير بـ 15 ألف جنيه، وأكثر فيطلب من المؤلف أو المخرج أن يكون اللقاء في حديقة مثلاً الإنتاج في مصر له كواليسه، ولقد عرفت ذلك حين قررت يوما أن أكتب للتليفزيون، لم أستمر لأسباب يطول شرحها ذكرتها في كتابي عن الأيام الحلوة، لذلك وجدت نجيب محفوظ أكثر عقلا حين قال الرواية لي والفيلم للمخرج والعاملين معه.

◘ حققت روايتيْ "البلدة الأخرى" ثم "لا أحد ينام في الإسكندرية" نقلة نوعية في مسيرتك.. فهل ترى أن النجاح جاء مبكرًا أم متأخرًا أم في موعده؟

* قبلهما نشرت أعمالا مهمة هي "في الصيف السابع والستين" و"المسافات" و"الصياد واليمام" و"بيت الياسمين" و"ليلة العشق والدم" ومجموعة قصص " الشجرة والعصافير" لكن الحقيقة وجدت إهمالاً من نقاد الستينات بالذات، لم أهتم وسعدت بنقاد كبار مثل علي الراعي وشكري عياد وأحمد عباس صالح وعلاء الديب ونقاد عرب مثل فيصل دراج ومحمد برادة وقررت أن أنشر البلدة الأخري ببيروت وحدث وفتحت الطريق.

كان محمود درويش قد نشر لي قبلها رواية كاملة في مجلة الكرمل هي "الصياد واليمام" فتحت نوافذ العالم العربي لي فجاءت "البلدة الأخري" وبعدها "لا أحد ينام في الإسكندرية" لتفتح نوافذ العالم العربي والعالم أيضا في الترجمة للغات الأخري والسفر والجوائز ولم أتوقف عند إهمال نقاد الستينات الذين كانوا يتصورون أن لديهم مفاتيح الجنة .

◘ اعتركت الحياة منذ الصغر ومخالطة المجتمع بكافة طبقاته وفي مراحل مفصلية من تاريخ الوطن.. كانت مصدر إلهامك، فهل كان لدراسة الفلسفة في المرحلة الجامعية أي تأثير على كتاباتك؟

* طبعًا، أنا اخترت قسم الفلسفة لأتعمق اكثر في قضايا الوجود، وجدت في الماركسية تفسيرا لما حولي من سياسة، ووجدت في الوجودية تفسيرًا لما حولي من اغتراب وغرباء، أحببت الوجودية أكثر وشيئا فشيئا ابتعدت عن السياسة مع الفلسفة كانت دراستي للانثروبولوجيا وقراءاتي في الفولكلور.

وجدت في الأساطير واقعًا حقيقيًا، وأحببت هذه الشيزوفرينيا في روحي، في مقالاتي أفهم ماحولي وفي قصصي ألوذ بالاغتراب ليس علي مستوي الكتابة فقط بل وقت الكتابة، فالليل والوحدة للرواية، والنهار والصخب للمقالات. 

- هل كانت الهجرة خيارا في أي فترة من فترات حياتك؟ وهل يجد الفنان المنغمس في نسيج وطنه صعوبة في أن يبدع في المهجر؟

*  أدباء المهجر في التاريخ الحديث كانوا من الشام، الآن من كل البلاد، بالنسبة لي لم يكن السفر إلى السعودية أكثر من عام فقط، كنت شابا أعيش قي شقة مفروشة مع غيري فكنت أعيش في فوضي، وجدت أنه أفضل من أن أغيّر العالم كما تعلمنا في الحركة الشيوعية أن أغيّر الغرفة التي اسكنها فأسافر وأعود لأسكن في شقة لا يزورني فيها أحد إلا بموعد مسبق. أن أعيش في بيت نظيف حسن الاضاءة كما قال هيمنجواي . الإبداع يمكن أن يحدث في أي مكان لأنه هو الذي يكتب صاحبه، المهم أن يجد المكان المناسب إذا ضاق المكان فليهاجر واذا اتسع فليبقى.

◘ مازال الكثيرون ينظرون لتقدير الغرب واعترافه بالمبدع على أنه الخطوة الأهم في مسيرة الفنان هل تتفق مع ذلك؟ وماذا مثلته لك ترجمة أعمالك إلى لغات أخرى؟

* لست من هؤلاء، كما قلت يوما الترجمة فرصة لزيارة بلد آخر ولقاء مع جمهور آخر وجلسات حميمية مع معجبين آخرين ومعجبات أهمية الترجمة هي للوطن نفسه أن يقدم نفسه للعالم من خلال الفن والسينما والأدب وليس من خلال القمع والإرهاب للأسف في كل لقاءاتي في الخارج كان الحديث يبتعد عن الرواية ويدخل في قمع نظم الحكم والإرهاب.

لو أن مئات الروايات المصرية تمت ترجمتها لعرف العالم المصريين أفضل. هذا ما أطلبه دائما من وزارة الثقافة لكن لا حياة لمن تنادي . وبالمناسبة لدينا مئات الروايات والدواوين التي تستحق ذلك، بل والكتب الفكرية أيضا وطبعا الأفلام . 

◘ لماذا قررت تأسيس بيت الياسمين للنشر؟ وهل استطعت أن تحقق ما كنت تطمح إليه في عالم النشر من خلالها؟

* أسستها لابني زياد ودوري فيها أن أقرأ بعض الأعمال فقط، ليس لدى الوقت لمشاكل النشر، والآن كل دور النشر تعاني من الكساد بسبب فيروس كورونا و30% منها أغلقت والحمد لله أننا مستمرون.

ليلة العشق والدم
ليلة العشق والدم

images
images

البلدة الآخرى
البلدة الآخرى

في الصيف السابع والستين
في الصيف السابع والستين

تنزيل (1)
تنزيل (1)

دينا-عبد-السلام
دينا-عبد-السلام