رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تهرب عندما تأتيك الدموع

كثيرون يقاومون رغبتهم فى البكاء، وخاصة هذا البكاء الذى يبدو بلا سبب واضح أو مباشر، يشعرون بالخوف من اتهام الآخرين لهم بالهشاشة والضعف، لكن الحقيقة أنه لا شىء يدعو للخوف أو الخجل من البكاء، وعلى الذين لا يستطيعون التواصل مع الآخرين تقدير حالتهم المزاجية والنفسية أن يشعروا هم بالخجل من تبلد مشاعرهم، فلا بكاء بدون سبب أو مثير يؤدى إلى فيضان المشاعر الجيّاشة، فيحاول الجسد التخلص مما كبحه فى الداخل لسنوات، أو لأيام وتتحول المشاعر لشلال من الماء المنهمر من أعيننا فى شكل الدموع.

هذه الدموع قد تكون صرخة طلب نجدة للدعم والمساندة من المحيطين بنا، قد تكون آلية اجتماعية لإثارة التعاطف، حيث إنه إشارة موثوق بها على الحزن أو الضيق بطريقة أكثر إقناعًا من الكلمات، وبهذا يعد البكاء فى الأساس، شكلًا من أشكال التواصل الاجتماعى غير اللفظى بهدف الحصول على المساعدة والراحة والدعم الاجتماعى من الآخرين، وهو فى كل الأحوال آلية وهبها لنا الخالق لتحسين الصحة الجسدية والنفسية.

فبوسع الدموع تهدئة تفاعلنا مع الحزن أو الغضب، وهى أشبه ما تكون بصمام أمان ينفس عما داخل الإنسان من مشاعر ضاغطة من حزن، فقد، إحباط، غضب، وكبت هذه المشاعر وعدم تصريفها يؤدى إلى تكالب الأمراض النفسجسدية على الإنسان.

فحين يحزن الإنسان أو يفرح بشدة ويشعر بأنه فقد السيطرة على نفسه، تسرع الدموع لحفظ توازن المزاج بأسرع وقت ممكن، بالتوازى مع ردات أفعال جسدية أخرى، مثل ارتفاع معدل نبض القلب وبطء التنفس.. وأكدت الدراسات العلمية أن الدموع العاطفية تحتوى على معدلات أعلى من هرمونات التوتر، وهرمون الإندورفين وهو مسكن طبيعى للألم، ما يساعد على الراحة والاسترخاء بعد البكاء، كما وجد أن الدموع تحتوى على نسبة من بروتين البرولاكين وهو الهرمون المسئول عن إفراز اللبن لدى النساء، وهذا ما يفسر سبب بكاء النساء بنسبة تفوق الرجال خمسة أضعاف، فدموع المرأة العاطفية تُنبئ عن حالتها العاطفية والمعنوية للآخرين، كما أنها تهدئ مشاعرها لأنها تخلصها من المواد الكيميائية المتعلقة بالضغط النفسى.

وكثير من الأزواج لا يتفهمون حاجة زوجاتهم للبكاء للتخفيف عن الضغوط النفسية والعصبية التى يتعرضن لها، وقد يعبر الزوج عن استيائه وغضبه من تقلب المزاج الذى تمر به، والبكاء دون سبب مفهوم، حتى إن بعضهم يفكر فى الانفصال عن زوجته بسبب هذا السلوك، لكن الحقيقة ما يجب على الأزواج أن يدركوه أن البكاء أمر طبيعى لدى النساء، وأنه آلية أو علاج لما يعترك داخل المرأة من صراعات وضغوط، وتعبيرك عن الغضب والاستياء لن يحل ما تراه مشكلة، تفهمك فقط لمشاعر زوجتك أو خطيبتك هو ما سيجعل هذه الحالات تمر بسلام.

والبكاء يكون أقل عند الرجال، لكنه ليس محرمًا أو ممنوعًا كما يتوهم الكثيرون، فالأشخاص الذين يفقدون القدرة على البكاء، هم أقل تعاطفًا وأقل اتصالًا بالآخرين، وأقل تحفزًا بالمنبهات العاطفية ولديهم خبرة اجتماعية أقل من سواهم، ويشعر معظم من فقد القدرة على البكاء بالتأثير السلبى لذلك على حياتهم.

فالإنسان هو الكائن الوحيد القادر على البكاء، وإذا بدا أن لبعض الحيوانات دموعًا فيرجع ذلك لوجود جفن ثالث لديها تتجمع عنده الكثير من الإفرازات، وحين تتراكم بكثرة فلا بد أن تجد طريقها للخارج.

فأن تبكى يعنى أنك إنسان، فلا تقاوم الدموع عندما تأتى إليك.