رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نتنياهو مستفيد من التصعيد

 

 

مع الحروب التى تشهدها المنطقة، والاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، و«كورونا المستجد»، رجحنا أمس، أن تكون طهران هى الأكثر احتفالًا بعيد الفطر، لأن «أخطاء إسرائيل الفادحة فى القدس تفيد إيران فقط»، وما بين التنصيص كان عنوان مقال كتبه روجر بويس فى جريدة «التايمز» البريطانية، أوضح فيه أن «إسرائيل أخطأت حين وقعت فى فخ من صنعها».

الحقيقة هى أن صانع الفخ، أو رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، هو الأكثر استفادة من إيران أو غيرها. وبالفعل، اتهمه معارضوه، والراغبون فى الإطاحة به، بأنه «المستفيد الأول من هذه الحرب». وعندما قرر المجلس الوزارى المصغر لشئون الأمن فى الحكومة الإسرائيلية، «الكابينت»، فرض حالة طوارئ لمدة أسبوعين، رأوا أن القرار يهدف إلى إطالة وقت الحرب، حتى يعرقل جهود تشكيل حكومة جديدة برئاسة يائير لابيد ونفتالى بينيت. وبالتالى، يتم إجراء انتخابات جديدة، ستكون هى الخامسة خلال عامين!

فى اجتماعهم الطارئ، الثلاثاء، دعا وزراء الخارجية العرب، المحكمة الجنائية الدولية إلى مواصلة النظر فى جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، التى ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطينى. وأمس الأول الأربعاء، كتبت فاتو بنسودا، المدعية العامة لتلك المحكمة، فى حسابها على «تويتر»، أنها تتابع «بقلق بالغ» تصاعد العنف فى الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وكذلك فى غزة ومحيطها، والذى قد يشكل «جرائم تندرج تحت نظام روما الأساسى».

مع ذلك، يرفض نتنياهو، ووزير دفاعه، بينى جانتس، وقف الهجمات، وقال تساحى هنجبى، وزير شئون المستوطنات، إنهم لن يدخلوا فى أى حوار، غير عابئين بتحذيرات القادة والزعماء والقيادات السياسية الدولية من عواقب التصعيد الحالى والمقبل، ومتجاهلين قرار إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، تعيين مبعوث خاص لمحاولة التدخل ووقف التصعيد. وكما توقعنا، فشل مجلس الأمن، خلال عقده جلسة طارئة، الأربعاء، فى الخروج ببيان اقترحته الصين والنرويج وتونس، لامتناع الولايات المتحدة عن تبنى نص البيان «على الأقل فى هذه المرحلة». ولعلك تعرف أن أى بيان من المجلس يحتاج إلى إجماع أعضائه الـ١٥، خلافًا للقرار الذى يحتاج إلى ٩ أصوات على الأقل، مع عدم استخدام إحدى الدول الخمس دائمة العضوية لحق النقض.

بفشل نتنياهو فى تشكيل ائتلاف حكومى يقتنص به ولاية سادسة، أو خامسة على التوالى، اهتز عرشه مؤقتًا، ومنح الرئيس الإسرائيلى رءوبين ريفلين، مساء ٥ مايو الجارى، يائير لابيد، زعيم المعارضة، تفويضًا لتشكيل حكومة جديدة، خلال ٢٨ يومًا. والأخير أبدى استعداده لتقاسم رئاسة الوزراء مع نفتالى بينيت، بالتناوب. ووقتها، توقعنا أن ينجح نتنياهو فى إغلاق أى باب مفتوح أو موارب، أمام تشكيل تلك الحكومة، كما نجح، طوال مشواره السياسى فى إفشال معارضيه وحلفائه، أو الإطاحة بهم، لضمان بقائه فى الحكم أو لتثبيت عرشه.

رئيس الوزراء الإسرائيلى المزمن يحتاج، أيضًا، إلى أن يضرب قطاع غزة بمنتهى العنف، لكى يرد على اتهام متكرر بأنه قام بتقوية حركة «حماس»، لإضعاف السلطة الفلسطينية. وسبق أن قال أفيجدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلى السابق، أنه كان قد اقترح على نتنياهو، عدة مرات، اغتيال قيادات «حماس» و«الجهاد الإسلامى»، لكن الأخير رفض الاقتراح. وبوضوح أكثر، قال ليبرمان إنه قدّم آخر اقتراحاته، بهذا الشأن، فى يوليو ٢٠١٨، وطالب نتنياهو بتقديم تفسير لإصراره «على تقوية حركة حماس، وإهماله الوضع الأمنى على الجبهة الشمالية».

النكتة، هى أن خصوم ليبرمان، من اليمين المتطرف، كانوا يتهمونه، قبل استقالته من حكومة نتنياهو، بأنه نكث بوعوده للناخبين، التى كان على رأسها وعده بتصفية إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، خلال ٤٨ ساعة من تسلمه منصب وزير الدفاع، لكنه عندما تسلم المنصب تجاهل هذا الموضوع، ولم يتحدث فيه. وما يثير الدهشة، بعد هذا الوعد العلنى وتلك الاقتراحات، التى صارت أيضًا علنية، هو أن قياديى «حماس» لم يمسسهم سوء، بينما جرت محاولات لاغتيال قياديى حركة فتح، بدءًا من رامى الحمد الله، رئيس الوزراء السابق، وليس انتهاءً بأحمد حلس، عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، المسئول فى قطاع غزة!

.. وتبقى الإشارة إلى أن استمرار التصعيد سيلفت الأنظار كذلك عن محاكمة نتنياهو فى ثلاث قضايا، التى انطلقت فى ٢٤ مايو الماضى ولا تزال مستمرة. كما أن قادة جيش الاحتلال يحاولون تسجيل «نصر» ينقذ هيبتهم أمام الإسرائيليين وأمام جيوش دول العالم، ولن يتمكنوا من فعل ذلك لو أوقفت «حماس» القصف، وأعلنت عن خروجها منتصرة، لأنها تمكنت من قصف القدس وتل أبيب. وعليه، فإن استمرار الحركة فى إطلاق الصواريخ، لا يخدم إلا نتنياهو وهؤلاء القادة، لأنه يضمن استمرار التصعيد، إلى أن يحققوا أهدافهم أو أقصى استفادة ممكنة!